نادر أبو الفتوح : في السنة التاسعة بعد الهجرة بلغ رسول الله صلي الله عليه وسلم أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة علي أطراف الجزيرة وأن هرقل قد أعطي أصحابه إحتياجات تكفي عاما, وإنضمت إليه قبائل لخم وغسان وجذام, لأن هؤلاء عندما علموا بفتح مكة أيقنوا أن جيوش المسلمين ستصل إليهم, فأرادوا أن يهاجموا المسلمين قبل أن يهاجموهم وحينئذ كما يقول الدكتور محمد الدسوقي استاذ الشريعة بكلية دار العلوم إستنفر الرسول الناس للجهاد وحثهم عليه, وصرح للناس بإسم الغزوة وهي غزةتبوك بسبب بعد المسافة ولقوة العدو وكثرته ولشدة الحرارة وقلة الأموال لأن هذا العام كان عام جدب, ولذلك سميت هذه الغزوة بغزوة العسرة وهي آخر غزوة غزاها الرسول, وقد قال المنافقون للمسلمين لا تنفروا في الحر ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة, وذهب بعض المسلمين يستأذنون النبي في التخلف لأعذار واهية فقبلها منهم, وخرج الرسول بجيش بلغ تعداده ثلاثين ألف مجاهد, وأقام الرسول في تبوك بضع عشرة ليلة ولم يلق فيها حربا, ولعل الرم قد توجسوا خيفة من الهزيمة حين سعي المسلمون إليهم, وقد شاور الرسول أصحابة في التقدم تجاه الروم فقال له عمر إن كنت أمرت بالسير فسر, فرد الرسول: لو أمرت بالسير ما إستشرتكم فيه, فقالوا يا رسول الله لقد دنوت منهم حيث تري وقد أفزعهم دنوك فلو رجعت هذه السنة حتي تري أو يحدث لك الله في ذلك أمرا, وهذه الغزوة وإن شهدت مواقف شائنة من المنافقين والذين في قلوبهم مرض فإنها شهدت أيضا مواقف إسلامية رائعة فقد تباري المسلمون في بذل الأموال لتجهيز المجاهدين, كما كان يوم العسرة إمتحانا لمواقف المؤمنين والمنافقين الذين أخطأوا واعترفوا بخطئهم, كما أنه إذا كان المنافقون الذين تخلفوا عن الجهاد كاذبين, فإن هناك ثلاثة من الذين تخلفوا لم يكن لديهم عذر في التخلف واعترفوا للرسول بعد عودته من تبوك, وقد نهي الرسول عن كلام هؤلاء الثلاثة, فاجتنبهم الناس وذاقوا فيها مرارة الهجر حتي من زوجاتهم ولأنهم صدقوا الله في توبتهم فقد قبل الله توبتهم ونزل فيهم قوله لقد تاب الله علي النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم....