هل يتأثر القاضي بالإعلام ؟ القاضي يتعلم ويعلم أن استقرار المجتمع رهن حياده, وتجرده في أداء تلك الرسالة, ويتعلم كيف يكون التجرد, ويمارسه فعلا, وينأي بنفسه عن مواضع قد تكون عادية بالنسبة لغيره مهما علا شأنه, إلا أنها بالنسبة إليه لاتليق بمقامه, أوقد تقلل من قدره أوتخل بهيبته. والقاضي يتعلم كيف يروض نفسه علي الاكتفاء, وهو أمر عسير علي النفس البشرية وإن كان يمارسه حتي يصبح جزءا من تكوينه الشخصي. ويتعلم أيضا كيف يتعامل مع قضايا النا س سواء أمام القانون دون النظرأو التأثربأسمائهم أو أعمالهم أودينهم أوصفاتهم أو مقامهم. وفي ذلك يقول شيوخ القضاة إن القاضي يتعلم منذ بدء عمله أن مايؤديه من عمل ليس وظيفة يرتزق منها, أومصدرا ثابتا للدخل أومهنة يمتهنها فقط, وإنما هو رسالة الحق والعدل يؤديها وفي يقينه أن تحمل هذه المسئولية ليس بالأمر الهين, وإنما هي عظيمة بثقلها, فمصالح الناس وحقوقهم وأسرارهم يؤتمن عليها, ومصائر عائلات يحافظ عليها, وحريات أفراد الشعب يحميها, وحقوق ضائعة يردها لأصحابها, وهي جميعا وقف علي كلمة منه أوسطر يخطه بيده. والقاضي يتعلم كذلك أنه ليس خاضع الأحد, وأن مصيره لايتحكم فيه أحد, وأن سلطته فوق الجميع, وأن كلمته هي الحق,وهي عنوان الحقيقة. ومادامت هي كذلك فهي نافذة بقوة القانون علي كبار القوم وصغارهم. تعيد الحقوق لأصحابها, وتحمي حريات أفراد الشعب, وتقتص من المعتدين عليها. وعلاوة علي كل ذلك, فالقاضي يتعلم أن حريات الناس وقف علي حياده هو شخصيا, وأن قيمته في قدر حريته, وفي كلمة حق ينطق بها في إطار القانون والشرعية, ويمارس ذلك بشكل يتجلي في المداولة التي تبدأ بالأحداث حتي لايخجل من قول رأي قد يخالف به من هو أقدم منه. وقدر التزام القاضي بما علي عاتقه يزيد قدره في نظر الناس وتقديره, وقدر التزام مجموع القضاة بها يولد شعور الثقة العامة فيهم. وهذه ليست مرافعة دفاعا عن القضاة, إنما هي مشاهدات واعتقاد راسخ أن ماحما هذه المؤسسة من الانهيار أو التداعي هو هذا الموروث الحضاري. فخير ضمانات القاضي هي تلك التي يستمدها من قرارة نفسه, وخير حصن يلجأ إليه هو ضميره, وإن العصمة النفسية هي أساس استقلال القضاء علي تنفيذ القانون. هذه السطور خطها أحمد عبد العزيز العجيل المحامي بالنقض في رسالة بعث بها إلي. المزيد من أعمدة عبد المعطى أحمد