أعلن هذا الأسبوع عن تأسيس تحالف سياسي جديد باسم الكتلة المصرية يضم عشرة أحزاب ليبرالية ويسارية وخمس هيئات شعبية, وكان قد سبقه تأسيس التحالف الديمقراطي الذي دعا إليه جماعة الإخوان المسلمين وحزب الوفد ويشارك فيه أكثر من عشرين حزبا سياسيا, وربما يكون في الطريق تحالف ثالث يضم أحزابا وسطية وبعض ائتلافات شباب الثورة كما أخبرني بذلك أحد قيادات هذه الإئتلافات ولا يخفي علي أحد أن الهدف من هذه التحالفات هو الحصول علي أكبر عدد ممكن من مقاعد مجلس الشعب القادم الذي سيشكل لجنة إعداد الدستور الجديد, فالصراع بين هذه التحالفات يدور أساسا حول الدستور الجديد وما يتضمنه من مواد تحدد طبيعة الدولة وهوية النظام السياسي وعلاقة الدولة بالمواطنين وما يتمتع به المواطنون من حقوق وحريات. نشأت الحاجة إلي هذه التحالفات في ظروف مصر الراهنة من حقيقة كبري تتمثل في أنه لاتوجد قوة سياسية تستطيع بمفردها أن تحرز أغلبية هذا المجلس. وهذا هو الجذر الحقيقي لهذه التحالفات, لأن التحالف السياسي أو الانتخابي يصبح ضرورة عندما يكتشف كل طرف أنه لايستطيع وحده تحقيق الهدف الذي يناضل من أجله, ولكن هذه الحقيقة لا تكفي وحدها لقيام التحالف, بل لابد من توافر شروط أخري لكي يقوم التحالف بالفعل هي: وجود اتفاق بين أكثر من حزب علي هدف مشترك وهو في حالتنا هذه الحصول علي أغلبية مجلس الشعب القادم. إدراك كل طرف أن تحقيق الهدف المشترك يقربه من تحقيق هدفه البعيد وهو في حالتنا هذه التأثير علي عملية صياغة الدستور. تحديد طبيعة النظام السياسي الجديد للبلاد بما يتفق مع استراتيجية السياسة ورؤيته لما ينبغي أن تكون عليه مصر في المستقبل. ضمان كل طرف أنه سيخرج مستفيدا من هذا التحالف. ومما يضاعف من أهمية الدور الذي ستقوم به هذه التحالفات في تحديد مستقبل البلاد أن ثورة25 يناير لم تحسم هذا المستقبل حتي الآن لعجزها عن إفراز قيادة تتولي السلطة في البلاد, وأن مستقبل الثورة سوف يحسمه الدستور الجديد بما يتضمنه من أحكام حول طبيعة الدولة وحيوية النظام السياسي, وهناك علامات استفهام كبري حول هذه المسألة هل يقيم الدستور الجديد دولة ديمقراطية مدنية يتمتع في ظلها كل المواطنين بحقوق متساوية دون تمييز بسبب الدين أو الجنس أو الوضع الطبقي أو الإنتماء السياسي أم يتضمن الدستور مواد تنتقص من هذا الوضع لحساب بعد ديني يمكن تبريره عندها بأي صورة من الصور, يمكن النظر إلي التحالفات التي تأسست مؤخرا والتي سوف تتأسس في الأيام القادمة تمهيدا لخوض معركة انتخابات مجلس الشعب القادمة من هذه الزاوية زاوية التحكم قي عملية صياغة الدستور الجديد. فالإخوان المسلمون الذين أعلنوا في رسالة واضحة لطمأنة القوي الإجتماعية والسياسية الأخري داخل البلاد والولايات المتحدةالأمريكية ودول الغرب عموما أنهم لن ينافسوا للحصول علي أغلبية مجلس الشعب القادم ولن ينفردوا بوضع الدستور الجديد, يحاولون تحقيق هذا الهدف بوسائل أخري من خلال تحالف سياسي هو التحالف الديمقراطي تشاركهم فيه قوي ليبرالية وقومية ويسارية هدفه الحصول علي أغلبية المجلس فيقومون بما لهم من وضع مؤثر بالدور الرئيسي في تشكيل حكومة وحدة وطنية وتشكيل لجنة إعداد الدستور. هكذا دعا الإخوان المسلمون حزب الوفد وأحزاب أخري إسلامية وليبرالية وقومية لهذا التحالف, وقبلت هذه الأطراف المشاركة في التحالف لما يتمتع به الإخوان المسلمون من خبرة إنتخابية وقدرات تنظيمية وإمكانيات مالية تؤهلهم لكسب المعركة الإنتخابية كما يرون. هكذا قبلت الأطراف الأخري المشاركة في التحالف الذي يبنيه الإخوان المسلمون أملا في الحصول علي مقاعد بمجلس الشعب بالإستفادة من إمكانيات الإخوان المسلمين الإنتخابية. وبالمقابل فإن الأحزاب المشاركة في تحالف الكتلة المصرية والتي يجمعها هدف بناء دولة مدنية ديمقراطية من خلال الدستور الجديد تخشي أن تفلت منها فرصة التواجد في مجلس الشعب القادم بنسبة مؤثرة إذا دخلت الانتخابات منفردة, وأنه لابديل أمامها من خوض الإنتخابات في إطار تحالف يضمها جميعا بهدف أن يتحقق تمثيل متوازن لكل القوي السياسية في مجلس الشعب القادم فلا تنفرد إحدي القوي السياسية بتشكيل لجنة إعداد الدستور وتتمكن بالتالي من صياغة الدستور الجديد طبقا لتصوراتها الأيديولوجية. هذا عن الهدف من هذه التحالفات أما عن قدرتها علي تحقيق هذا الهدف, فإن الأمر مرهون بمدي ما تتمتع به هذه القوي من وجود سياسي متبلور علي أرض الواقع يتجسد في شكل نفوذ سياسي علي قطاعات عريضة من الجماهير, كما أن إستمرار هذه التحالفات بعد خوض الإنتخابات مرهون بمدي قدرتها علي صياغة برنامج سياسي مشترك لمرحلة زمنية محددة وليس فقط لخوض إنتخابات مجلس الشعب القادم. ولما كانت معظم الأحزاب السياسية في مصر لم تتوفر لها هذه القدرات في أرض الواقع فإن ما نشهده حاليا تحت إسم التحالفات السياسية لايرقي بالفعل إلي عملية التحالف بل هو في أحسن الأحوال نوع من التنسيق والعمل المشترك حول مهمة محددة هي تحقيق أكبر مكسب ممكن في الإنتخابات القادمة وبعدها سوف ينصرف كل طرف إلي حال سبيله إلي أن تنضج الظروف لبناء تحالفات سياسية حقيقية قادرة علي الإستمرار لمرحلة محددة يمكن خلالها إنجاز برنامج سياسي تلتقي حوله هذه القوي. ليس هذا فحسب بل ان هذه التحالفات نفسها يمكن أن تخرج منها بعض أطرافها لتنضم إلي تحالفات أخري تعتقد انها يمكن أن تحقق نتائج انتخابيه أفضل. المزيد من مقالات عبدالغفار شكر