ابني الصغير يلح علي قبل عودتي من لبنان في ان يزور الأهرامات لاسباب عدة, فاخوته الكبار سبقوه إلي ذلك.. وزملاؤه الذين زاروا الأهرامات وضعوا صورهم علي الفيسبوك والمدرسة التي يدرس بها في جبل لبنان نظمت احدي رحلاتها إلي مصر. في احد الأعوام السابقة, وسجلت الرحلة في كتابها السنوي, وقبل هذا وبعد هذا هو يدرس منهجا مكثفا ونوعيا ورائعا عن الحضارة المصرية وخصائصها. وبمجرد وصولنا لقضاء الإجازة السنوية, قررنا تلبية رغبة نجلي الصغير وشددنا الرحال إلي الأهرامات, يحدونا الأمل في قضاء وقت جميل, ونظرا لزحام القاهرة الشديد وصلنا إلي هناك بعد الرابعة عصرا وكانت مواعيد الزيارة قد انتهت, وفجأة تجمع حولنا عدد من اصحاب الجمال والأحصنة ووجدنا انفسنا محاصرين بينهم ورجال الأمن يراقبون الموقف ولا يحركون ساكنا.. في ذهني فقط تلبية رغبة ابني, وامتثلت لرغبة احدهم الذي وعدنا برؤية الأهرامات من اعلي هضبة في المكان, ومن ثم استأجرنا حصانين وعربة. وبدأنا اغرب واعجب الرحلات, بالطبع ليست كتلك التي حكي عنها اديبنا الكبير انيس منصور في رائعته اعجب الرحلات في التاريخ.. وجدنا ما لايخطر علي بال.. يحيط بالأهرامات مجموعة كبيرة من اسطبلات الخيول التي تفتقر إلي ادني متطلبات الحفاظ علي هذا المكان الذي يرتاده السياح من كل صوب وحدب, ومحيط الاهرامات معبق برائحة روث الحيوانات( الجمال والأحصنة وغيرها) التي تقضي حاجتها في الشوارع وحيثما حطت الرحال.. وياليت الأمر توقف عند هذا الحد, بل أن اكوام الزبالة تفاجئك من موقع إلي آخر في منطقة الأسطبلات وفي اطراف نزلة السمان, وروائح الحيوانات النافقة تعبق المكان, ومشهد المساكن المحيطة بالأهرامات يطرح علامات استفهام كثيرة, في مقدمتها تأثير ذلك في الأمد البعيد وتداعياته علي بنيان الأهرامات ذاتها. لقد اصبت بالصدمة والذهول وانا اري هذا المشهد المحزن المحيط بأعظم آثار الدنيا والذي يسعي إليه الناس من كل اصقاع الأرض, لدرجة أن ابني الأكبر اقترح علي الذهاب إلي اي جهة معنية.. المحافظة, قسم شرطة, لإبراء ذمتنا وابلاغ من يهمه الأمر بما رأيناه رأي العين واجبته كلنا مسئولون عما يحدث, والأمر يحتاج إلي جهد مجتمعي كبير خاصة في ظل الظروف والأجواء التي نعيشها.. وحتما سيتم تصحيح تلك الأوضاع لكن الأمر بحاجة إلي وقت وتضحيات. السؤال الأهم هو كيف نحمي هذا الأثر العظيم, اليس من اليسير علي محافظة الجيزة وضع حد لمشكلة الزبالة المحيطة بالمكان, وهل من المستحيل ايجاد بديل للإسطبلات المتاخمة لسور الأهرامات من ناحية منطقة نزلة السمان بما لا يؤثر علي الأسر التي تعيش علي هذا المورد الذي قد يكون وحيدا للكثيرين, ولماذا لا يشكل اصحاب هذه الأسطبلات نقابة تكون مهمتها تنظيم العمل والزام اصحاب الخيول بالظهور في احسن صورة شكلا ولياقة, بدلا من ذلك الظهور المزري والمؤلم لخيول بائسة انتهي عمرها الإفتراضي وآن لها ان تستريح. الأمر الآخر يتعلق بتزايد عدد المساكن المحيطة بالأهرامات, وزحف العشوائيات, وتأثير ذلك في الأمد الطويل علي هذا البنيان الذي ظل صامدا وشامخا, وهو ما يجب اخضاعه للبحث من قبل متخصصين, لاتخاذ ما يرونه مناسبا, ووضع توصياتهم بين يدي اصحاب القرار, وفي عهدة الرأي العام بنشرها في وسائل الإعلام المختلفة. الأمر الثالث يتعلق بكيفية تعظيم قيمة المكان او بمعني ادق ما حول الأهرامات.. فعلي سبيل المثال الطريق الذي سلكته بنا الخيول ليس معبدا وبحاجة لمزيد من الاهتمام ليتناسب مع عبقرية المكان وذلك باضفاء لمسة جمالية تليق بهذا المكان الذي يقصده رموز العالم من سياسيين ورجال فكر وادب وفنانيين ورياضيين وعامة الناس من كل بلاد الدنيا.. فهل يضطلع المجلس الأعلي للآثار بوصفه الجهة المنوط بها حفظ وحماية الآثار بهذه المهمة أو أن الأمر بحاجة إلي تشكيل هيئة جديدة تعني بهذا المعلم العالمي. ولعل ما يبعث علي الأسي تلك السلوكيات السلبية التي يواجهها السياح من قبل البعض, وفي مقدمتها الإلحاح في عرض السلعة أو تقديم الخدمة, وهي شكوي كثيرا ما ترددت علي اسماعي من قبل ممن زاروا مصر بحكم طبيعة عملي, وهي شكاوي تتعلق بطريقة التعامل مع السياح انذا المسها بنفسي, فلم يتركنا مثلا صاحب الخيول إلا وقد نال ما يريد, وقس علي ذلك تصرفات الباعة وسائقي التاكسيات.. نحن لا ننكر تغير بعض السلوكيات قبل ثورة52 يناير وبعدها لكن الطريق طويل وشاق لتغيير ما تراكم من ثقافة سادت عبر عقود طويلة. ان الأمر جد خطير, ويحتاج إلي تحرك فوري لايقاف هذا العبث وتلك العشوائية والفوضي, وعلي مؤسسات المجتمع المدني, والاحزاب الجديدة التي ظهرت في تلك المنطقة, ان تضطلع اولا بدور تثقيفي لحث الأهالي اولا علي الاهتمام بنظافة المكان, وثانيا التعريف بأهمية السياحة كمصدر رئيسي للدخل وتوفير فرص العمل, ولن نحافظ علي هذا المصدر ما لم نغير من سلوكياتنا السلبية وعلينا في المقام الأول ان نتعامل مع السائح كضيف فليس من المقبول ازعاجه, او الإحتكاك به دون مقتض, ومن ثم يجب تركه يتجول في المكان الذي يرتاده حسبما يريد, حتي يعود إلي وطنه وفي ذهنه ذكريات جميلة عن ام الدنيا مصر وعن الأهرامات اعظم معجزات الحضارة الإنسانية.