خلق الله الماء كمصدر لوجود الإنسان والكائنات الحية واستمرار الحياة, وهذا واقع ومشاهد منذ وجود الكون وتعاقب العصور, فهو عنصر أساسي للحياة والإحياء, و يؤكد الدكتورمحمد الشحات الجندي أمين عام المجلس الأعلي للشئون الإسلامية ان القرآن قرر هذه الحقيقة بقوله تعالي: وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون سورة الانبياء الآية.30 ومن ذلك يعلم الإنسان أهمية المال فهو لازم من لوازم الحياة, وأن إفساد الماء بأية وسيلة أوالاعتداء علي منابعه ومجاريه هو جريمة ضد الدين والإنسانية جميعا. وقد ورد ذلك الماء في القرآن63 مرة, وهو ملحظ علي الأهمية التي تتجلي في الحقيقة العلمية أنه لا يوجد كائن حي ليس في تكوينه نسبة من الماء, وإذا تعرض أي كائن لجفاف الماء فيكون مصيره الهلاك. وقد وضع الإسلام تنظيما محكما يلتزم به الإنسان للتعامل الرشيد مع الماء, في احتياجاته الخاصة, وفي شتي صور استخداماته للمياه. ويهدف هذا التنظيم إلي الحفاظ علي الماء, وترشيد استخدامه, والحفاظ علي الاقتصاد, وتخفيف استعمال المياه, لما في نقص المياه من خطورة مدمرة, إذ لا بديل لها, ولا غني عنها, لذلك فإن المحافظة علي كل نقطة مياه لازم علي الإنسان في أموره اليومية وفي أخص خصوصياته للإبقاء علي نفسه من الهلاك, لذلك نهاه القرآن الكريم عن الإسراف في الماء: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين سورة الاعراف الآية.31 ولا يجوز التفريط في المياه, حتي لو كان ذلك في العبادات, كما في أداء ركن الإسلام وشعيرته فريضة الصلاة. فقد نبه الرسول صلي الله علية و سلم إلي الاعتدال في الماء عند الوضوء والتطهير, عندما قال لسعد بن أبي وقاص عندما رآه يسرف في استعمال الماء في الوضوء:( لا تسرف في الماء ولو كنت علي نهر جار) رواة ابن ماجد. إن إعلام الإنسان بقيمة الماء, وأهميته كأصل من أصول الحياة, وتنبيهه علي وجوب المحافظة عليه, ومنع الاعتداء عليه من الواجبات الشرعية والحياتية, استنادا إلي قاعدة: ما لا يتم الواجب إلا فهو واجب مما ينبغي توعية الناس بالحرص علي الاستعمال الرشيد للمياه وعدم إهدارها انطلاقا من أن نقطة مياه واحدة تبعث الحياة في الإنسان والنبات والحيوان, وتحيي الإنسان والأرض من العدم, لذلك كانت شعيرة السعي بين الصفا والمروة تذكيرا لسعي السيدة هاجر طلبا للماء إنقاذا لنبي الله إسماعيل وإعظاما لنعمة الله فيه. وعلي الإنسان أن يلتقط بعقله الإشارات القرآنية بيان بعث الحياة في الكائنات الحية, كما ورد عن النبات: وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا سورة الانعام الاية99 فهذا البيان الإسلامي عن استمداد حياة كل كائن حي من الماء تؤكده توجيهات النصوص, ودلالاتها, بقوله تعالي: فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج سورة الحج الآية5, هذا التعبير الاعجازي يظهر جليا عندما يري الإنسان الأرض وقد تشققت, والزروع وقد ذبلت, والإنسان وقد جف خلقه, ونضب الماء في جسمه وصار شيخا لا يقوي علي الحركة, فإذا بلغه الماء ووصل إليه انبعثت فيه الحياة وازدهر ونما لأنه تحول من حالة الإشراف علي الموت إلي الحياة بكل حيويتها ونمائها. ومادام السياق في الآيات يقرر الخطاب الإسلامي بأسلوب التعميم والإطلاق, فهذا يفصح عن أحقية كل فرد في الماء, وأنه ليس شأنا خاصا يمنعه فرد عن فرد أو تستأثر به جماعة دون أخري أو تتسلط عليه دولة دون الدول الأخري, لذلك فإن الشريعة الإسلامية تذهب إلي أن ملكية الماء هي من قبيل الملكية العامة أو المشتركة بين الأفرادوالجماعات والدول, بقول الرسول صلي الله عليه وسلم( المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار) سنن ابو داود كتاب الاجازة حديث رقم3477, فهو منحة إلهية ورزق من السماء لا يصح حرمان أحد منه, ولكل أن يأخذ منه بقدر حاجته واستحقاقه. وقد عبر الحديث عن ذلك بلفظ الشركة, وهو يدل علي الاشتراك فيه للناس كافة المسلمين وغير المسلمين فيه سواء, لا فرق بين أحد وآخر.