عندما أطلق نزار قباني سؤاله الشهير, في أواخر تسعينيات القرن الماضي, وهو متي يعلنون وفاة العرب, فإنه كان يطلق من صدره آهة كبري, لها لون اللهب, ومذاق الرماد, علي حال الشارع العربي الذي كان يغط في نوم عميق, وكسل لذيذ, وتثاؤب مفرط, ولم يكن فاعلا بأي حال لأي دور علي المستويين الإقليمي والدولي. وأصبح الشارع العربي في نظر البعض عبئا عن الحراك العالمي إلي أن جاءت ثورة25 يناير وشقيقاتها العربيات, في تونس, وليبيا, واليمن, وسوريا, فاكتسب الشارع العربي احترام العالم أجمع, وارتفعت الهامات إلي عنان السماء. وقد لاقي سؤال نزار اهتماما كبيرا, وصدي وافرا, لدي جمهور القراء. في مختلف البلدان العربية, لأنه يتحدث عن واقع معاش, لاتخطئه عينان, وربما لا يختلف عليه اثنان, واقع مصاب بالجمود في معظم البلاد العربية, واقع ازدهرت فيه الديكتاتورية وأثمرت فسادا يضرب الوطن في مقتل. وأوشك الشارع العربي علي الموت, أو هو قد مات بالفعل, وينتظر فقط إعلان الوفاة كما يري نزار وحتي إعلان الوفاة يحتاج إلي مناشدة. والغريب والمدهش واللافت للأنظار, عند طرح هذا السؤال, كعنوان لأهم قصائد نزار السياسية, فإن الشارع العربي لم يكن يرزح تحت نير الاستعمار الانجليزي أو الفرنسي, أو الإيطالي, ولكنه للأسف الشديد كان يرزح تحت نير الاستبداد المطلق, عند بعض الحكام, وتحت غطاء كثيف من الدخان السياسي القاتم, إلي جانب صلف يطفر من أعينهم, وغرور يسكن في أوصالهم, مع عشق طاغ لكرسي العرش, يغذيه وهم الحكم إلي الأبد في ظل حاشية, تجمل القبيح للسلطان, وتسمعه ما يريد من آيات النفاق, أما الشعب فهو في انهزامية قاتلة لدرجة أن اليأس أصبح هو الغذاء المفضل للمواطن البسيط, ذي الوجه الشاحب, والعيون المرهقة, وهو يقاوم في مشقة أعباء الحياة, مع جوع للديمقراطية الحقيقية والمعايير الانسانية في ظل حالة عربية مليئة بالخواء والشجاعة الكاذبة. ولكن هل كان نزار مدركا ونحن معه أن وراء هذا النوم العميق يقظة باهرة, ووراء هذا الهوان المفرط كرامة شامخة, ووراء هذا الخنوع ثورة مذهلة, وأن وراء هذا الأفول شروقا جميلا, وأن أنهار الجفاف سوف تجري موجا نديا وأن طبقات الأحزان في القلوب سوف تغدو مرحا عذبا, ربما فخيط ضئيل من الأمل قادر علي الامساك بالحلم, الحلم الذي تحقق فجأة, وعلي غير انتظار, بقيام الثورات العربية, وفي القلب منها ثورة25 يناير, والتي كانت مفاجأة سارة للعالم أجمع, انبهر بها وصفق من أجلها, وانتقلت بمصر من حال إلي حال, وأطعمتها خبز الحرية أنها مصر التي استيقظت من جديد, علي يد هؤلاء الشباب, الذين واجهوا الرصاص الحي والعربات المصفحة, بصدور عارية, وشجاعة منقطعة النظير, ولا تخلو معارك الحرية من دماء تتدفق لقد سقط الشهداء في الميدان وكان موكبهم ممتدا في أرض الكنانة من أقصاها إلي أقصاها, وبدأ التاريخ يكتب من جديد صفحات لنضال المصريين, ووقوفهم صفا واحدا إزاء الفساد الذي استشري في البلاد. وبعد ثورة 25 يناير لم يعد هناك مكان لسؤال نزار قباني متي يعلنون وفاة العرب لأن المناخ إبان طرح السؤال قد تغير, وتواري خجلا إزاء شمس الثورة, بنورها الدامغ, وضوئها الساطع وفرحها الغامر, ونهضتها البازغة, لقد دخل العرب, بفضل الثورة, إلي طريق التقدم, وإلي الأحلام الكبري, والانخراط في الحراك العالمي. إن العرب بعد ثورة 25 يناير دخلوا في مساحات الأسئلة الخضراء, التي تبحث عن الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة, للشعب.. كل الشعب.