لا يوجد أساس قانوني لإلزام البرلمان الجديد الذي يفترض أن ينتخبه الشعب خلال أربعة أشهر علي الأكثر بأي معايير لتشكيل الجمعية التأسيسية التي سيقوم بانتخابها لكي تضع مشروع الدستور وطرحه للاستفتاء الشعبي العام. . فهذا برلمان منتخب من الشعب بشكل مباشر, ويعبر بالتالي عن الإرادة الشعبية التي هي مصدر السلطة والسيادة. والجمعية التأسيسية تعتبر, في هذه الحالة, منتخبة بدورها من الشعب ولكن بشكل غير مباشر أو علي درجتين. ومع ذلك, يظل وجود معايير متوافق عليها لتشكيل الجمعية التأسيسية ضروريا علي المستوي السياسي بغض النظر عن أي خلاف علي التكييف القانوني. وتنبع أهمية وجود هذه المعايير من ضرورة أن تحظي الدساتير بتوافق وطني عام. فالتوافق علي مثل هذه المعايير يطمئن القلقين من ترك عملية وضع مشروع الدستور بين يدي الأغلبية البرلمانية. وعندما يحدث مثل هذا التوافق بين الأحزاب والقوي السياسية التي ستخوض الانتخابات, يصبح ممثلوها في البرلمان ملتزمين أخلاقيا ومعنويا بالمعايير التي يتم التوصل إليها. ولذلك لن يكون لأي اتفاق علي هذه المعايير قيمة إلا إذا قامت الأحزاب بالدور الرئيسي في وضعها. وليست هناك مشكلة في هذا التوافق من حيث المبدأ. فالجميع يرحبون بفكرة المعايير التي يحتذي بها في تشكيل الجمعية التأسيسية عندما يقوم البرلمان بانتخابها. ولكن التوافق لن يتيسر إلا علي صيغة تجعل الجمعية مشكلة من أعضاء في البرلمان وآخرين من خارجه. وينسجم ذلك مع الإعلان الدستوري الذي نص علي أن ينتخب البرلمان الجمعية التأسيسية من بين أعضائه وغيرهم. ولن تكون هناك مشكلة أيضا في التوافق علي عدد أعضاء الجمعية من خارج البرلمان, سواء كانوا النصف (50 من أصل 100) أو أكثر أو أقل. ولكن المشكلة الجوهرية تكمن في صعوبة اختيار أعضاء الجمعية من خارج البرلمان. فالطريقة المثلي لذلك هي أن يكون هؤلاء الأعضاء ممثلين لمؤسسات تعبر عن مختلف أطياف المجتمع. وينطق ذلك من حيث المبدأ علي المؤسسات النقابية المهنية والعمالية والفلاحية والهيئات الدينية الأساسية( الأزهر والكنائس الثلاث مثلا) وكذلك الهيئات القضائية التي ينبغي أن يكون لها وزن خاص لأن أعضاءها (القضاة) لا يرشحون في الانتخابات, بخلاف باقي المهنيين جميعهم. ولا تنطبق هذه المشكلة علي الهيئات القضائية التي توجد لها مجالس معتبرة يستطيع كل منها اختيار عضو من أعضائه للجمعية التأسيسية, ولا علي الهيئات الدينية. ولكنها تتركز بقوة في المؤسسات النقابية التي دمرها النظام السابق وتركها في أسوأ حال. ولذك توجد مشكلة جوهرية في تمثيل المؤسسات التي تجعل هذه الجمعية معبرة عن أطياف أساسية في المجتمع مثل العمال والمهنيين والفلاحين وغيرهم. فأوضاع النقابات العمالية لا تزال مضطربة ويستحيل الاتفاق علي طريقة تضمن تمثيل عمال مصر من خلالها. وكذلك الحال بالنسبة إلي كثير من النقابات المهنية. أما أوضاع الفلاحين فهي في حاجة إلي تنظيم علي أسس صحيحة. ولذلك سيكون صعبا, بل مستحيلا, تمثيل هذه الفئات الأساسية في المجتمع بدون إجراء انتخابات لمؤسساتها النقابية تبدأ بشكل فوري. ويتطلب ذلك إصدار القانون الجديد الذي سينظم حريات العمال النقابية بعد أن أصبح جاهزا, ومن ثم حل الاتحاد العام للعمال وإجراء انتخابات عمالية في أسرع وقت ممكن. وستكون هذه خطوة باتجاه حل مشكلة التمثيل العمالي في الجمعية التأسيسية. ولكن هذه المشكلة قد تأخذ شكلا آخر إذا نشأت نقابات متناحرة ووضعت فيتو متبادلا علي بعضها البعض. سيكون الأمر, في هذه الحالة, صعبا. وقد تنجح جهود التوفيق بينها, وقد لا تنجح, علي نحو ربما يجعل تمثيل النقابات العمالية في الجمعية التأسيسية في مهب الريح. وتبدو النقابات المهنية في وضع أفضل نسبيا بالرغم من المشاكل التي يعاني منها بعضها. ولذلك سيكون ممكنا إيجاد صيغة لتمثيلها في الجمعية التأسيسية, كأن ينتخب البرلمان العدد المخصص لها في هذه الجمعية (أربعة أعضاء مثلا) من بين مجموع مرشحيها الذين سيختار مجلس كل نقابة واحدا منهم. فإذا استطاع كل من مجالس النقابات المهنية اختيار مرشح للجمعية التأسيسية بدون أن يحدث انقسام, سيكون تمثيل المهنيين ممكنا. ورغم أن تمثيل الجامعات ضروري في الجمعية التأسيسية, فلن يكون له معني إلا إذا تم تعديل القانون بشكل فوري يسمح بانتخاب مجالسها لكي يأتي ممثلوها في هذه الجمعية بأسلوب ديمقراطي. وفي هذه الحالة, قد تكون المشكلة محصورة في تمثيل العمال والفلاحين. وقد يقول قائل, هنا, إن نصف عدد أعضاء البرلمان الجديد كما البرلمانات في العقود الأخيرة من العمال والفلاحين. غير أن خبرات البرلمانات السابقة تؤكد أن النسبة المخصصة للعمال والفلاحين كانت موضع تلاعب لا نهاية له. وهذا فضلا عن أن العمال والفلاحين الحقيقيين الذين قد يجدون طريقهم إلي البرلمان القادم يمثلون أحزابهم إذا كانوا حزبيين أو أنفسهم إذا كانوا مستقلين. فالمشكلة الجوهرية, إذن, هي في معايير تشكيل الجمعية التأسيسية التي ستضع مشروع الدستور تتركز, إذن, في كيفية اختيار أعضاء من خارجها يمثلون الفئات الاجتماعية الأكبر حجما, وهي العمال والفلاحون ثم المهنيون. فهذه كتل يعد كل منها بالملايين, بخلاف غيرها التي تتمتع مؤسساتها أو معظمها باستقرار مثل الغرف التجارية والصناعية. ومع ذلك يمكن التوافق علي مبدأ عام في هذا المجال, وهو البحث بين أعضاء البرلمان عمن يمكن أن يمثلوا الفئات الاجتماعية الأساسية التي سيتعذر إيجاد ممثلين لها من خارجه. فالمهم هو أن يحدث التوافق حتي لا تبقي حجج أو ذرائع لإثارة الخوف من إجراء الانتخابات البرلمانية قبل إصدار الدستور. المزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد