واحدة من أوائل الفتيات اللواتي صنعن علي عين أساطين دعوة تغريب المرأة في البلاد المصرية, وأوائل من زج بهن في معركة الاختلاط بتلك الديار. تلميذة نجيبة لطه حسين. كانت أولي ثلاث في المثلث النسائي الرائد الذي التحق بالجامعة لأول مرة مع أمينة السعيد وعائشة راتب.. بنت ظهرت في وقت كانت فيه المرأة غير موجودة علي ساحة المجتمع. ولدت سهير القلماوي في20 يوليو1911, لأب كردي يعمل طبيبا في مدينة طنطا وأم شركسية, والأهرام تحتفل بالذكري المائة لميلادها والتي تحل خلال أيام. حصلت علي البكالوريا من مدرسة كلية البنات الأمريكية, وفي عام1929 التحقت بجامعة فؤاد الأول- جامعة القاهرة- بكلية الآداب التي كان عميدها د. طه حسين, واختارت قسم اللغة العربية الذي كان يرأسه, حيث كانت البنت الوحيدة بين14 زميل من الشباب وكانت تتفوق عليهم. لقبت ب أستاذة الأجيال وكانت عقليتها السبب في أن تكون محرر مساعد في مجلة الجامعة المصرية, أصبحت بعدها رئيس تحرير المجلة وبالرغم من صغر سنها في تلك الفترة إلا أنها ومنذ ذلك الحين خطت أولي خطواتها إلي مجال الصحافة. فقد بدأت تكتب في مجلات الرسالة, والثقافة, وأبوللو وهي في السنة الثالثة من دراستها الجامعية, تخرجت في الجامعة المصرية ضمن أول دفعة فتيات تتخرج في القسم الأدبي وحصلت علي ليسانس قسم اللغة العربية واللغات الشرقية عام.1933 و حصلت علي الماجستير سنة1937 ثم الدكتوراه في الآداب سنة1941 عن بحثها الرائد ألف ليلة وليلة. في1953 أسست جمعية خريجات الجامعة, وكانت أول من قدم دراسة عن الأدب المصري المعاصر إلي التعليم الجامعي, ووضعت أسسا للطرق الأكاديمية في تحليل الأدب والفن. وكانت صاحبة مدرسة علمية تخرج فيها مئات الباحثين والباحثات الذين حصلوا علي درجات الماجستير والدكتوراه. كما أعطت الفرصة لأكثر من60 أديبا لتقديم مؤلفاتهم عندما قامت بإصدار سلاسل أدبية تحت عنوان مؤلفات جديدة تقلدت العديد من المناصب فكانت أول امرأة تشغل منصب أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب عام1956, ثم منصب رئيس قسم اللغة العربية1958-1967. كما تولت الإشراف علي دار الكتاب العربي, ثم الإشراف علي مؤسسة التأليف والنشر في الفترة من1967-1971. و أسهمت سهير القلماوي في إقامة أول معرض دولي للكتاب بالقاهرة عام1969 والذي اشتمل علي جناحا خاص بالأطفال وهو ما استمر بعد ذلك ليصبح فيما بعد معرض القاهرة الدولي للكتاب, وكان لها السبق الأول في إنشاء مكتبة في صالة مسرح الأزبكية لبيع الكتب بنصف ثمنها, وفي عام1979 أصبحت عضوا بمجلس الشعب عن دائرة حلوان, وشاركت في عضوية مجلس إتحاد الكتاب, واختيرت عضوا بالمجالس المصرية المتخصصة. ومثلت مصر في العديد من المؤتمرات العالمية. أثرت المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات أهمها: أحاديث جدتي عام1935, ألف ليلة وليلة عام1943, أدب الخوارج عام1945, في النقد الأدبي عام1955, الشياطين تلهو عام1964, ثم غربت الشمس عام.1965 ترجمت العديد من الكتب والقصص منها: قصص صينية لبيرل بك, عزيزتي اللويتا, رسالة أبون لأفلاطون, وأيضا عشر مسرحيات لشكسبير وأكثر من20 كتابا في مشروع الألف كتاب. ومن أبحاثها: المرأة عند الطهطاوي, أزمة الشعر. وتعترف د. سهير القلماوي في كتابها مع الكتب ز كتاب ألفه أحد الغربيين فتقول: كنت أقرأ في كتاب طريف عن المرأة اليوم فاستوقفني فيه خطاب أرسلته إحدي المتحمسات للحركة النسوية الحديثة للمؤلف تبدي فيه وجهة نظر النساء وقد تحررن من كل القيود, تقول المراسلة: إني مع المتحمسات لجنسي ولكني أتحمس له بأسلوب جديد وأدعو له دعوة جديدة, دعوة لا تريد للمرأة أن تعود أدراجها فتكبت حرياتها وتحرم حقوقها, ولكنها دعوة تريد من المرأة برغم كل الحقوق والمساواة أن تظل امرأة, فلقد اتضح لنا نحن نساء نصف القرن العشرين بعد جهاد نصف قرن أو يزيد أننا لا نريد أن نسلك في الحياة سلوك الرجال, ذلك أننا مغتبطات بأنانيتنا, ولكن هذا في حد ذاته يبدو عجيبا بالنسبة للحياة الاجتماعية والاقتصادية في هذه الأيام, ذلك أننا إذا كنا حقا نساء فإننا إلي حد ما نحب الثناء ونحلم دائما وأبدا بالبيت الذي نربي فيه أبناءنا, بيت نطهي فيه ونغسل ونكوي, وهذا بالنسبة للمرأة الحديثة يبدو شبه مستحيل, لذلك نشعر أننا لسنا أقل تعاسة من جداتنا اللاتي كن سجينات البيوت محرومات من كل حق. يحترقن إلي أن يكن كالرجال وأن يتشبهن بهم. وتعلق د. سهير علي كلامها قائلة-:( لقد حرص المؤلف أن يردف هذا الخطاب بخطابات أخري كلها ترمي إلي تصوير هذه النزعة في المرأة الغربية بعد أن نالت في أكثر البلاد حقوقها, نزعة تريد للمرأة التي أنكرت كثيرا من أنوثتها في سبيل الدفاع عن حقوقها وقد استبان لها بعد النصر أن هذا الإنكار لا يمكن أن تستمر فيه. استوقفني هذا الخطاب بالذات لأنه يصور لي ظاهرة قوية في مجتمعنا المصري, فلقد ظننا أن تشبث بعض نسائنا بأنوثتهن تأخر وضعف, وأن القوة كل القوة وأن التقدم كل التقدم هو في الثورة علي الأوضاع التي تجعل المرأة تؤدي وظيفتها الأولي في الحياة وهي الأمومة). وتستكمل قائلة:( إن المصرية بفطرتها السليمة أدركت أنها لا يمكن أن تكون كالرجل عالما, لأن ذلك انحراف في الطبيعة, والطبيعة لا تقر الانحرافات وكما أن الرجل لا يمكن أن يكون امرأة فكذلك المرأة لا يمكن أن تكون رجلا, فلماذا التشبه ما دام المتشبه به ليس هو المثل الصحيح) ؟!إن الله قد خلق المرأة مختلفة عن الرجل وفي هذا الاختلاف سر تفوق الجنسين بل سر دوامهما, ولو أن الله أراد أن يخلق رجالا أقوياء ليسموا رجالا ورجالا ضعافا ليسموا نساء لما أوجد في جسم المرأة وكيانها وأعصابها وغددها كل هذه الفروق التي يتجلي عنها البحث كل يوم فيظهر لنا العجب الذي لم نكن نتوقعه. لقد خلق الله المرأة لغاية وخلق الرجل لغاية وكل منهما يعمل نحو هذه الغاية, فإذا انحرف واحد منهما ليعمل عمل الآخر انحرفت غايات الحياة الاجتماعية وشالت موازينها, ولكن الطبيعة تظل صامدة قوية لا تعترف بهذا الانحراف, كل ما في الأمر هو اختلاف الآراء حول الحد الفاصل بين ميداني العمل, فالرجل يعمل والمرأة يجب أن تعمل في البيت وفي خارج البيت ولكن علي أن تعمل المرأة وهي امرأة لا تدعي لنفسها صفات الرجل ولا تتقمص شخصيته فتضيع شخصيتها. ألف ليلة وليلة: وفي كتابها ألف ليلة وليلة- والذي ما زال رائدا في مجال الأدب الشعبي بعد مرور أكثر من نصف قرن والذي قدمه د. طه حسين و كان في الأصل رسالة دكتوراه لتلميذته سهير القلماوي التي عشقت الأدب الشعبي- انتهت فيه القلماوي إلي انه اكتمل في مصر بعد أن تشبع بالحياة المصرية والشخصية المصرية ولغة الحياة الشعبية ومن ثم أصبحت تفيض بالروح المصرية. وثانيهما: أن النص الشعبي عندما تكتمل صيغته الأدبية في زمان ومكان يخلد لقيمته التاريخية ويظل مؤثرا في هذا الزمان والمكان ويمتد أثره عبر العصور.ويحمل الباب الأول من الكتاب عنوان( ألف ليلة وليلة في الشرق والغرب) ويدرس أبحاث المستشرقين حول أصل الكتاب حيث كان للمستشرقين دور كبير في حفظ هذا الكتاب من الضياع مشيرة إلي أن أهم طبعة للكتاب هي طبعة بولاق التي طبعت بمصر وقام انطوان جالان بترجمة الكتاب للفرنسية وبسبب النجاح الذي لاقته هذه الترجمة قام جالان بطباعتها أكثر من مرة ثم ترجمت تلك النسخة للعديد من اللغات.وبحسب رأي القلماوي فان هناك أقاويل تشير إلي أن أصل الكتاب فارسي أو هندي وبفضل قراءات سهير القلماوي المتعمقة في الأدب الشعبي استطاعت الرد علي تلك الأقاويل مؤكدة أن حكايات ألف ليلة وليلة من صميم القصص الشعبي العربي بالرغم من وجود بعض القصص الهندية والفارسية لكن هذا النوع من القصص كان معروفا عند العرب وبعد انتقال هذا الكتاب للغرب بدأ الغربيون الاهتمام بجمع ودراسة هذا الأدب الشعبي لمعرفة هذه الشعوب بالرغم من أن هذا الاهتمام كان تجاريا في البداية وبفضل السياسة اقترب المجتمع الشرقي بالغربي مما اثر في الأدب الغربي عامة والفرنسي خاصة. وتستعرض القلماوي في الكتاب الموضوعات التي وردت في ألف ليلة وليلة وتري أن من أهم تلك الموضوعات الخوارق في الليالي حيث أن الإنسان يبدأ في التفكير في الخوارق بسبب خوفه من المجهول مثل الموت حيث ينشأ الخوف من قوة لا يعلمها ومن هنا يبدأ في الاعتقاد في الجن والسحر, لكن الإنسان المسلم يخشي تلك الأفعال لذلك جمع الكتاب بين المعتقدات الشعبية والروح الإسلامية القوية.أما الحياة الدينية في تلك الليالي فركزت علي الأديان السماوية الثلاثة والدين المجوسي وتحكي العلاقات بين المسلمين والمسيحيين.إما الموضوعات التاريخية فقد تناولت تاريخ عصور وشخصيات معروفة. وللمرأة في تلك الليالي صورتان صورة استمدها القاص من حياته داخل الطبقة الوسطي وصورة استمدها من خياله وصورت تلك الليالي أنماطا من المرأة وليست شخصية بعينها مثل الجارية والعالمة والعجوز الماكرة. أحاديث جدتي: و مجموعتها القصصية أحاديث جدتي التي صدرت عام1935 تعد واحد من أهم وأعذب كتاباتها.. فهو لا يعكس معه فقط نبض الأسرة المصرية بكل عاداتها وأفكارها وممارساتها, لكنه يقدم عبر سطوره وحكاياته تلك العلاقة الدافئة الجميلة بين الجدة وحفيدتها, فهي قصص وأحاديث تجعل قارئها وكأنه يعيش بين جدران بيت مصري قديم بكل خلجات مشاعره وأحاسيسه وحظيت هذه المجموعة باهتمام الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي والأب الروحي لسهير القلماوي حتي أنه كتب مقدمة له قال فيها: إن صدق ظني فسيكون لهذا الكتاب الذي أقدمه إلي القراء شأن وأي شأن, فقد قرأته وما أشك في أني سأقرأه مرة واحدة وما أظن أني سأنصرف عنه وقد أرضيت حاجتي إلي قراءته. ويضيف: وقد ألتمس هذه الأسباب التي تحبب إلي الكتاب في هذه العبارة السهلة اليسيرة التي برئت من كل تخلف وارتفعت عن كل تصنع, وتحدثنا إلي النفس المصرية والي القلب المصري للغة النفس المصرية والقلب المصري, ولم تستقر ألفاظها ولا أساليبها عند القدماء الذين بعد بيننا وبينهم العهد. ولم تتكلف محاكاة الأوروبيين الذين لم يتم بيننا وبينهم الامتزاج, وإنما هي مصرية خالصة. فأنت لا تكاد تأخذ في قراءته حتي يخيل إليك انك لا تقرأ وإنما آنت تسمع وتري قالوا عنها: د.جابر عصفور قال عنها أستاذتي وأمي سهير القلماوي. كان مبدأها أن العلم اختلاف وكانت هذه الجملة هي حجر الأساس لي.. تعلمت منها حق الاختلاف وتعلمت أن الاختلاف هو أساس العلم.. واعتقد أني منذ تعلمت هذا الدرس لم أنساه علي الإطلاق حتي مع تلامذتي مؤمنا بما تعلمته من هذه السيدة العظيمة. تعلمت كيف احترم العلم الذي بدا خلي فليس هناك منصبا يفوق العلم الذي تحمله نفوسنا..وكونك مثقفا ومعلما وكاتبا هو منصب لا تضاهيه المناصب. وعلمتني أن أقلع عن شجاعة الجهل وأتعلم الدقة والمنهجية العلمية, وأدركت من خلالها عمق المقولة التي تقول: العلم لا يعطيك بعضه إلا بعد أن تعطيه كلك. وأظن أننا تلامذتها لم نقم بواجبنا كاملا تجاهها, فمازال هناك العشرات من مقالاتها لم تنشر بعد. وهناك جوانب بارزة من حياتها لم تسلط الأضواء عليها فقد كانت شاعرة وظلت تكتب الشعر إلي أن توقفت وانتقلت إلي مجال القصة القصيرة. كانت تدافع عن شعراء الشعر الحديث رغم مهاجمة الكثير من النقاد والشعراء لهم ومن أبرزهم عباس محمود العقاد الذي كان معادي لهذا النوع من الشعر.ولعل حبها للتجديد هو ما دفعها للاستعانة بالشاعر صلاح عبد الصبور ليعمل معها في الهيئة العامة للكتاب. د.حسين نصار يشير إلي أن أستاذته سهير القلماوي كانت الثقافة أهم ما في حياتها فيقول: كانت رئيسة لقسم اللغة العربية وأنا أحد المعينين في هذا القسم, ويروي أن أحد الطلاب العرب حاز علي درجة الماجستير بإشرافي وكنت حينها لا أزال أستاذا مساعدا وصارحني هذا الطالب العربي برغبته في أن اشرف عليه أيضا في أثناء تحضيره لدرجة الدكتوراه وأجبته بأنني لا أصلح للإشراف لأن العرف في القسم اقتضي ذلك, ويستطرد د. نصار قائلا ذهبت إلي أستاذتي حينئذ سهير القلماوي وعرضت عليها الأمر وسألتني لماذا لا تشرف عليه؟ وبالفعل سمحت لي بالإشراف علي رسالة الدكتوراه. وكانت مدافعة جيدة عن مبادئها وأفكارها و لا تتنازل عن فكرة تقتنع بها إلا بعد أن تصل لنتيجة بشأنها. أما د.احمد شمس الدين الحجاجي فيقول: رحم الله سهير القلماوي كانت أستاذا عظيما منحتني ما تمنح الأم.. منحتني زملاء اعتز بهم وأجلهم..منحتني العلم..والصبر..والأصدقاء.. كانت نصائحها قنديلا لدربي حين يتعذر المسير كيف لا وهي القائلة لي..إن ركوب البحر يفتح آفاق, فرحلة البحر مهمة بشرط ألا تأكلك هذه الرحلة. ويروي د. عبد المنعم تليمة أن إحدي الجامعات الأمريكية في مطلع الستينيات من القرن الماضي جاءت لعقد دورة عن الأدب العربي في كلية الآداب, وطلبت من الدكتورة سهير الإشراف عليها وإعدادها, واستعانت الدكتورة سهير بي, وكنت وقتها معيدا في كلية الآداب, وهي رئيسة قسم اللغة العربية, ولما انتهت الدورة حددت الجهة الأمريكية ثمانين جنيها لكل دكتور أو محاضر شارك في الدورة, ورصدت مكافأة أربعة آلاف جنيه للدكتورة سهير القلماوي مقابل إعدادها وإشرافها الكامل علي الدورة, ففوجئوا بها تقول لهم: لقد شاركني في الإعداد والعمل وقام بنفس الدور الذي قمت به وأكثر تلميذي ومعيد عندي, وهو عبد المنعم تليمة, وأطالب بنفس المبلغ له, أو أن يشاركني فيه قسمة عادلة بيني وبينه, فقالوا لها: ولكنه معيد وأنت رئيسة قسم, فاشترطت ذلك, فأذعنوا لطلبها وأعطوني نفس مكافأتها أربعة آلاف جنيه, كانت وقتها تمثل قيمة كبري لشاب حديث التخرج.حصلت سهير القلماوي علي الجائزة الأولي من مجمع اللغة العربية, لتصبح أول امرأة تحصل علي هذه الجائزة. كما حصلت علي جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة.1977 وتوفيت في4 مايو1997 عن86 عاما, بعد حياة حافلة بالتميز و الإصرار علي مواصلة الجهاد جنبا إلي جنب مع الرجل حيث شاركت بدورها في تمهيد طريق مشاركة المرأة للرجل وأعطت نموذجا مشرفا ورائدا للمرأة المصرية في القرن العشرين.