شهدت القاهرة اجتماعا من أهل الخبرة والمعرفة المختصين بصحاري مصر مياهها وأراضيها وثرواتها المعدنية وآثارها وامكانيات تنميتها يومي 5 و6 يونيو الماضي وأجمع الخبراء علي عدم جدوي أو صلاحية ممر التنمية في بيان رسمي لجمعية مصر الخالدة للتنمية والعلوم. ومع ذلك عاود د. فاروق الباز الدفاع عن مشروعه في رسالة إلي الدستور (الجمعة 10 يونيو 2011) ثم صفحة الرأي بالأهرام (الأحد 26 يونيو 2011). ويستخدم الباز في الرد علي معارضيه منهجا لايحيد عنه وهو أن المعارضين لم يقرأوا ما كتبه وإذا قرأوه لم يفهموا أو يدركوا حقيقة هذا المشروع. وقد بدأ ذلك سابقا برده علي د. رشدي سعيد عميد الجيولوجيا المصرية والرئيس السابق لمساحة الجيولوجية المصرية عندما اتهمه بأنه اعتقد خاطئا أن المقترح غرضه استصلاح أراضي الصحراء الغربية (الأهرام 17/1/2006 و24/1/2006). وأضاف الباز في كتابه (ممر التنمية والتعمير دار العين 2009 ص143) أن ما جاء في معارضة رشدي سعيد لمقترح ممر التنمية نتج عن أنه لم يتعرف علي تفاصيله علي الإطلاق. ومن المدهش أن عددا من خيرة علماء مصر وخبرائها, قد عارضوا مشروع فاروق الباز علي صفحات الجرائد والمجلات, وربما كان أهم وأوقع هذه المعارضات ما قدمه دمحمد حبشي خبير التخطيط العمراني بالأمم المتحدة وهو ذو باع طويل في الدراسات الاستراتيجية القومية للتنمية العمرانية حتي 2050 والذي فجر في حواره مع الأهرام العربي (30/4/2011) مفاجآت من العيار الثقيل حول ملابسات الإعلان عن المشروع ودور بعض أعضاء الحكومة السابقة في الترويج له وعلاقته بالأمن القومي. ولايشير د. الباز إلي هذا التقرير الحكومي الذي دفع فيه دافعو الضرائب خمسة ملايين جنيه واشترك فيه 41 خبيرا من هيئات حكومية علي مدي 18 شهرا إلا عندما يصرح بأن الدراسة التي استكملت في 2009 قدرت التكلفة الإجمالية بقيمة 7.32 مليار دولار (الأهرام 26/6/2011). ويغفل الباز أن هذه ليست سوي تكلفة البنية الأساسية للممر وليست التكلفة الإجمالية للمشروع والتي تصل إلي 750 مليار جنيه لاستصلاح الأراضي 131 مليار جنيه للمناطق الصناعية, 17 مليارا للسياحة, 7 مليارات للثروة التعدينية. ولايذكر الباز وربما لم يستكمل قراءة التقرير ولم يدرك ما جاء بالتقرير الحكومي الذي انتهي الي عدم جدوي المشروع المقترح من النواحي الفنية والاقتصادية, وأنه لايحل مشكلة الزيادة السكانية وأن تكلفة الممر الباهظة بلا جدوي اقتصادية. ويداوم الباز علي اتهام معارضيه بأنهم لايدركون أن مشروع الممر ليس للزراعة فقط, ولكنه لتوسيع مساحة المعيشة وكل أنشطتها بما فيها العمران والزراعة والصناعة والتجارة والسياحة. ولكن حديثه ينصب دائما علي الأرض الزراعية واستصلاحها, ولايفصح أو يتناول من قريب أو بعيد ما هي الصناعات التي سيتم علي أساسها توفير فرص العمل؟ وما هي أشكال التجارة التي ستنجم عن المشروع ولا ما هي مصادر السياحة غير ما هو معروف بالأقصر وأسوان وغير ذلك. ويهمل الباز ما جاء بتقرير الحكومة (2009) أنه لاتوجد إمكانات أو موارد اقتصادية علي امتداد الهضبة المرتفعة التي يقع فيها الممر. وفي رده علي معارضيه يخلط الباز بين الممر كطريق والمشروع الذي يتضمن محاور عرضية تربط مدن وادي النيل بالممر الصحراوي الذي يمتد موازيا للوادي لمسافة 2100 كم من حدود السودان إلي منطقة العلمين علي شاطئ البحر الأبيض المتوسط. ويتضح ذلك في رده علي اعتراض د. رشدي سعيد عندما صرح بأن مشروعه ليس عن ممر للتنمية ولكنه ينصب علي تنمية 12 محورا علي طول غرب وادي النيل وغرب الدلتا ورد أن الممر سينشأ بعد أن تتم تنمية المحاور (الأهرام ويكلي). ولكن ذلك يتناقض تماما عما جاء في كتاب الباز ممر التنمية والتعمير (2009). كما أن ما جاء في تعليق الباز علي رد رشدي سعيد يتنافي مع مسمي المشروع ألا وهو ممر التنمية والتعمير مع أن دور هذا الممر إذن كان سيكون لاحقا لتنمية المحاور ليس جوهريا أو ذا أولوية. كما أن ما جاء في تعليق الباز علي رشدي سعيد يتناقض مع الأولوية التي يحظي بها الممر في عرض المشروع. ويفيد الباز في مقالته بالأهرام (26/6/2011) أنني لم أقترح اطلاقا الزراعة فوق الهضبة الجيرية غرب وادي النيل والتي يمر عليها الممر ولكنه يقول في كتابه ممر التنمية والتعمير ويشمل التخطيط لمشاريع التنمية المختلفة علي طول الممر استخدام المياه الجوفية في الزراعة والصناعة( ص46) وهو أيضا ما يناقض ما جاء في الدستور (10/6/2011), حيث أكد فاروق الباز أنه لم يذكر علي الإطلاق أنه سيعتمد في مشروعه علي المياه الجوفية, وما جاء في الأهرام لم يأت ذكر المياه الجوفية فوق الهضبة لا من قريب ولا من بعيد. وبما أن الممر الذي اختاره الباز فوق الهضبة باعترافه ( ص47) يمر في منطقة صحراوية لاتوجد فيها متطلبات التنمية الأساسية فسيتطلب انشاء الممر وهو طريق رئيسي من ثمانية ممرات (علي الأقل) خط سكة حديد وقناة تنقل الماء من بحيرة ناصر لتوفير الماء الصالح للشرب أو قناة توشكي داخل أنبوب (علي طول 1200كم), بالاضافة إلي خط كهرباء للإنارة والتبريد. ويخبرنا الباز أننا نحتاج إلي رفع المياه من ساحل البحيرة إلي نقطة البئر بارتفاع 300 متر! وهو ما يحتاج إلي محطات رفع عملاقة, غير أنه يفيد, ردا علي معارضيه, أن نقطة بداية الرفع هي أعلي نقطة علي الممر وأنه لاحاجة لمحطات إضافية لرفع المياه لأن الماء سينساب بالميل الطبيعي نحو الشمال. وعلي أي حال يتكون المشروع أساسا من ممر ومحاور عرضية وبما أن الممر لا يصلح كطريق وهو الغرض الأساسي منه فلا يصح أن نخلط بين هذا الطريق الذي لاحاجة له والتنمية التي بدأت بالفعل علي المناطق الصحراوية المجاورة مباشرة لوادي النيل, وبالتالي فلايوجد مشروع مر التنمية لأن الممر ليس للتنمية ولكنه طريق للبضائع والناس وقد انتهي تقرير الخبراء الذي يشير إليه الباز إلي أن هذا الممر لايصلح جغرافيا من حيث حركة التجارة الدولية وبالتحديد فشل فكرة المشروع المبنية علي اساس نقل البضائع من القارة الافريقية إلي البحر الأبيض المتوسط علاوة علي أن الممر ينتهي عند ميناء العلمين وهو لايصلح كميناء دولي من الناحية البحرية والبيئية والسياحية.