بيقين فإن المؤتمر الذي أتعرض له في هذه السطور علي الرغم من علميته يطرح قضية عامة في غاية الخطورة، وهي عوار عملية صناعة القرار السياسي والإداري الحكومي في اللحظة الراهنة، والقائمة علي تهميش الشعب وإقصائه، والاعتماد علي رؤية واحدة تتجاهل خبراء أو علماء ومتخصصين لهم آراء أخري بثقلها وأرجحيتها الكبيرين. والحكاية أن مؤتمراً انعقد يومي الأحد والاثنين 5 6 يونيو الجاري لجمعية مصر الخالدة للتنمية والعلوم تحت عنوان: »تنمية الصحاري المصرية« مقدماً رؤية نقدية مهمة جداً لمشروع فاروق الباز »ممر التنمية في الصحراء الغربية«. وكانت جمعية مصر الخالدة تأسست لتفعيل دور العلوم في تنمية المجتمع تكريماً لدور الدكتور رشدي سعيد »19 عاماً« في مجال علوم الأرض وما قدمه علي مدار ما يزيد علي خمسين عاماً في مجال التطبيقات التنموية للجيولوجيا كأستاذ جامعي »منذ 1591« ورئيس المساحة الجيولوجية »8591« وكمفكر اجتماعي ذي حس وطني عال. بدأ مؤسسو تلك الجمعية الفريدة في تأسيس جائزة البحوث الجيولوجية المتميزة باسم د. رشدي سعيد »المقيم في فيرجينيا بالولايات المتحدة منذ 1791« والذي أسعدني زماني بأن أحظي بصحبته وصداقته وقت عملي مديراً لمكتب »الأهرام« في واشنطن، بعد أن عرفه الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل بي قبيل سفري إلي أمريكا.. ولقد حاورت الدكتور رشدي »صحفياً وتليفزيونياً« لأربع مرات، ولكنني تشرفت بحوار شخصي متصل معه يتجدد حتي اليوم، تليفونياً أو كلما جاء إلي القاهرة في إجازة. وكان أحد حواراتي التليفزيونية معه منذ ثلاث سنوات عن مشروع ممر التنمية الذي يطرحه الدكتور فاروق الباز الآن وتنتوي حكومة د. عصام شرف أن تنفذه باعتباره مشروعها القومي. وفي الحلقة صال الدكتور رشدي وجال مع عملاق البيئة د. محمد القصاص في انتقاد مشروع الباز، وقدرت أنه من المهم الاستماع لرأي د. فاروق فاستضفته معهما علي القمر الصناعي من هيوستون، وكانت مساجلة مثيرة، ولكنها ألقت في التحليل الأخير الكثير من الظلال علي مشروع ممر التنمية. الآن صار الممر مشروعاً قومياً لوزارة د. عصام شرف.. لا بأس.. هل سألنا أحد؟.. هل اهتمت هذه الحكومة التي تقول إنها جاءت من الشارع وبشرعية التحرير أن تستمع إلي آراء خبراء يختلفون في الرأي مع ما تأسس عليه مشروع د. فاروق الباز؟.. نحن نعرف أن الدكتور شرف يستمع إلي شباب التحرير وخصص لهم غرفة إلي جوار مكتبه ليصبحوا شركاءه في مراجعة القرارات والسياسات والتوجهات، فهل سمح الدكتور شرف لنفسه أو للبلد الذي يرأس حكومته أن يستفيد من علم علمائه الذين كانوا استثماره الأكبر علي امتداد عهود وعقود؟.. الدكتور عصام شرف نفسه كان رئيساً لجمعية تدعو إلي تعظيم دور العلم في بناء المستقبل، فهل نفهم أن تصور الدكتور شرف عن العلم هو الاستماع لرأي واحد في غرفة مغلقة والخروج علينا بقرارات تنزع إلي تعميد ممر الباز للتنمية باعتباره مشروعاً »قومياً« لمصر؟!.. هل قومية المشروع تتحقق بتأثيره المتصور عند الباز وشرف علي عموم الناس في بلد، أو أن قومية المشروع تعني اشتراك كل الطاقات العلمية والخبرات التخصصية في بلورته والمصادقة عليه، ثم بنشأة تيار من الوعي الشعبي حوله يحتضنه ويجعل منه عملية »تاريخية« بالمعني الحرفي للكلمة؟ كان السد العالي مشروعاً قومياً لأن خبراء مصر منذ ما قبل الثورة اشتركوا جميعاً في صياغته ثم التف الشعب حوله في المعركة السياسية الكبري التي رافقت بناءه في مشهد لا ينسي، ولم يك مشروع توشكي قومياً لأنه بدأ ثم توقف من دون أن يعلم الناس عنه شيئاً ومن دون أن نفهم المبررات حتي ساعة كتابة هذه السطور. جمعية مصر الخالدة للتنمية والعلوم التي يظللها الاسم الكبير جداً للدكتور رشدي سعيد خصصت مؤتمرها الذي عليه الكلام لمناقشة موضوع ممر فاروق الباز للتنمية، وتضمنت بحوثه التي أرسلها لي الصديق د. رمزي العدل »الجيولوجي الكبير وأحد تلامذة د. رشدي«، أفكاراً خطيرة عن المشروع تعد امتداداً لفكر د. رشدي الذي طرحه معي ذات يوم من أعوام ثلاثة، والذي يرتبط بمشروعه البديل لتحويل وادي النيل. أدعو الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء إلي قراءة بحوث مؤتمر مصر الخالدة »جمعية رشدي سعيد« قبل أن يمضي خطوة واحدة في المشروع مطيحاً بالرأي الآخر، ومنفرداً بمثل ذلك القرار الاستراتيجي الخطير.. أدعوه إلي قراءة بحث كبير الباحثين الجيوفيزيائيين د. قيصر حسين صابر صالح بعنوان: »مقترح تعديل مسار ممر التنمية والتعمير«.. وأدعوه أن يقرأ بحث الدكتور مغاوري شحاتة دياب أستاذ المياه الجوفية بعنوان: »لماذا نعترض علي مشروع ممر التنمية والتعمير«.. وأدعوه لأن يقرأ بحث الدكتور عنتر عبدالعال أبو قرين »ممر التنمية والتعمير المقترح بصحراء مصر الغربية رؤية نقدية وتصور مقترح«.. وأدعوه لقراءة بحث الدكتور فكري حسن رئيس مجلس إدارة جمعية رشدي سعيد بعنوان: »لا للممر.. نعم للتنمية«.. لا بل ربما أدعو د. عصام شرف إلي قراءة عدد مجلة المصور في 22 أغسطس 8002 الذي انفردت فيه بنشر تقرير إخباري يشير إلي أن الدولة درست مشروع ممر التنمية وأن دراسة الجدوي التي أعدتها وزارات التنمية والإسكان والتعمير والسياحة والثقافة والري وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة انتهت إلي أن الهضبة التي اقترح المشروع إنشاء الممر فيها لا تتوافر بها إمكانات أو موارد اقتصادية مما يهدم المشروع من أساسه، فضلاً عن التكلفة الباهظة دون مبرر اقتصادي رشيد. أدعو الدكتور عصام شرف أن يمد بصره إلي خارج غرفته، والغرفة المجاورة له، ويستمع إلينا، وإلي آراء علمائنا الكبار جداً، الذين لا ينبغي تغييبهم، أو نفيهم، وإطاحتهم خارج إطار ذلك التوجه الاستراتيجي الخطير. فهمنا.. أو نقول من الأول؟!!