ليس من شك أن 8 ملايين مغترب يشعرون بالمرارة لأن الثورة التي لطالما حلموا بها لم تفعل لهم أي شيء سوي أن جعلت قضيتهم الخاصة بالمشاركة السياسية وحقهم في الانتخاب سوي ورقة حزبية يتشدق بها هذا الحزب أو ذاك لكن شيئا عمليا لم يتحقق, فحالهم اليوم اشبه كثيرا بحالهم في أثناء النظام السياسي السابق.. فلا شيء قد تحقق! واذكر أني التقيت احد المسئولين القدامي وسألته: أين حق المغتربين في الانتخاب اسوة بدول نامية أخري مثل: السنغال أو الجزائر.. فكان رده مراوغا وقال: لاتنس أن معظم المغتربين من المسيحيين وقد تأثروا بالديمقراطية في بلاد المهجر, لن يختاروا ما استقر عليه الرأي العام, وإذا كنت في شك مما اقول.. انظر ماذا يفعلون في أمريكا في كل مرة يسافر فيها رأس النظام إلي هناك؟ باختصار لم يكن في نية هؤلاء فتح الطريق أمام حق المغتربين في الانتخاب خوفا من اقباط المهجر..! وهو نفس الحال اليوم فتارة يقولون ان حق الانتخاب اصيل ولابد للمغتربين من ان يشاركوا في الانتخاب وتارة يقولون إن الوقت غير ملائم لذلك وتارة ثالثة يصمتون وكأن شيئا لم يكن.. المهم أن حق الانتخاب, كما يبدو, قد ضاع, مع ماضاع من حقوق للمغتربين الذين يمكن ان نلخص قضاياهم في نظرة الحكومة المصرية إليهم من أنهم زائدون عن الحاجة. الحق ان ال8 ملايين مغترب عازفون علي نيل حقوقهم السياسية مهما كلفهم ذلك غاليا, ويرون ان تولي الدكتور أحمد حسن البرعي وزارة القوي العاملة والهجرة هو فأل حسن لأنه كان مستشارا ثقافيا في باريس لعدة سنوات,.. والأهم ان يعرف ملف المهاجرين وطالب بحقوقهم أكثر من مرة. باختصار الرجل ليس غريبا علي ملف المغتربين فلقد قدم فيه أكثر من ورقة في المؤتمرات الدولية. أما مايكرهه المغتربون فهو أن يصبح هذا وذاك من رؤساء الأحزاب الجديدة لسان حالهم, يتحدثون باسمهم والمؤسف ان نفرا منهم قد حولوهم إلي ورقة حزبية شأنهم في ذلك شأن بعض الأحزاب السياسية في القري التي تهبط في ايام الانتخابات علي المغتربين فتحدثهم عن مشكلات الاندماج, واللغة, والدين وكأنها احزاب اغترابية ثم ينفض هذا المولد بعد الانتخابات وكأن شيئا لم يكن!! أقول إن المغتربين يرفضون ذلك, وهم ليسوا قلة فالعدد 8 ملايين قد اعلنته وزارتا الخارجية والقوي العاملة, ومن ثم فهو عدد صحيح, وهو بهذا المعني يعني ان 10% من المصريين يعيشون في الخارج وهم من كوادر الوطن التي تعرف الكثير فنسبة كبيرة منهم تحمل شهادات عليا من مصر ومن بلاد المهجر. لكن احدا لايلتفت إليهم اللهم إلا اعتبارهم ورقة ترفيهية! يوفدون اليهم لجانا باسم تجميع اسماء الممتازين منهم.. أو باسم شهادة إنهاء الخدمة العسكرية.. أي التعامل معهم وكأنهم بقرة حلوب وكفي! لكن لم يحدث ان اقترب منهم احد المسئولين يسألهم عن ظروف معيشتهم واحوال ابنائهم وتعليمهم اللغة والدين.. إلي آخر هذه المشكلات التي يواجهها أبناء الجيل الثاني من المهاجرين. ان المصريين المغتربين عازمون ألا يتكرر سيناريو الإهمال, فهم يريدون مباشرة حقوقهم السياسية لأنهم تعلموا ان السياسة الخارجية المصرية احتواء للسياسة الداخلية المصرية وأنهم وإن خرجوا من مطار القاهرة وسافروا إلي بلاد الله, إلا أنهم مازالوا في الداخل, علي مصر الحكومة والحاكم ان تهتم بهم وبأبنائهم الذين يعتبرون سفراء فوق العادة لبلادهم في بلاد المهجر.. فاللغة العربية يجب ان تكون ضمن اولويات الحكومة, وكذلك الدين, اما قضية المشاركة السياسية فيجب ان تكون محسومة.. وكذلك ريادة مصر التي اصبحت في السنوات الأخيرة مثار ضحك واستنكار من جانب كثيرين.. لأن بلدا خلق, ليكون في مكان القيادة سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الفكر والابداع لايمكن ان يكون في ذيل القائمة! وفي هذا الخصوص يتساءل المغتربون: كيف تسبقنا دول إفريقية مثل السنغال أو دول عربية تتساوي معنا مثل: الجزائر والمغرب.. ففي كل منها مقاعد برلمانية خاصة بالمغتربين وراء البحار!! اما نحن في مصر, وخوفا علي منصب رئيس الدولة من الاهتزاز فنسلب الناس حقوقهم.. ولانبالي! وفي هذا الشأن اذكر أيضا أني سألت احد رموز النظام السابق واحسب انه كان نافذا عن حق ابن المواطنة المصرية في ان يحصل علي الجنسية اسوة بابن المواطن المصري.. فرفض هذا الشخص النافذ معتبرا ان في ذلك تجاوزا وتعمد ان يقول إن معظم المواطنات المصريات قد تزوجن في الخارج من فلسطينيين.. وهو مايؤدي إلي خلخة ديموجرافية ليس بيننا وبين الفلسطينيين فقط وإنما بيننا وبين إسرائيل.. وهذا امر غير مسموح لانه يدخل ضمن الأمن القومي لمصر.. اقول ان هذا ماكان, ورغم ذلك ناضلت كثيرات حتي حصلت المرأة المصرية علي هذا الحق اسوة بالرجل! ومثلما حدث ذلك, فالمصريون المغتربون مصممون علي مواصلة النضال ولابد ان يحصلوا علي حقهم في مباشرة حقوقهم السياسية مثل الانتخاب أو الاستفتاء. ويرون ان النظر إليهم أنهم بقرة حلوب يمكن استدرارها وقت ان تشاء الحكومة, واعتبارهم المصدر الثاني بعد قناة السويس للدخل القومي المصري.. ثم النظر إليهم أنهم غير ناضجين سياسيا كما قال ذلك أكثر من مرة رئيس وزراء مصر الأسبق د. أحمد نظيف!. فهذا مرفوض شكلا وموضوعا.. أنهم يرون, وهم علي حق, أنهم تعلموا في بلاد المهجر وعايشوا الديمقراطيات الغربية ومن ثم فان مطالبتهم بحقهم في مباشرة حقوقهم السياسية هو امر طبيعي كالماء والهواء لابد ان تعطيهم اياه حكومات مصر المتعاقبة لا أن تحرمهم منه كما هو الحال اليوم. ويري المغتربون ان النظر إليهم, علي انهم اثرياء يجب السطو عليهم لحساب الداخل.. هي صورة مغلوطة صحيح انهم مطالبون بأن يقيلوا مصر من عثرتها الاقتصادية ويرون انهم نادوا بعمل بنك المغترب لكن لم يستجب لدعوتهم احد.. وظلت الدعوة حبرا علي ورق, كما طالبوا بالاهتمام بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة لكن رجال الحكم السابق لم يلقوا بالا.. واعرف اناسا نادوا باستضافة نفر من الفنانين لكي يعكسوا قضاياهم الاغترابية في أفلامهم أو فيما يقدمونه من برامج.. لكن لم يسمع أحد.. فكان طبيعيا ان يرفض هؤلاء ان يكونوا مجرد ورقة انتخابية في يد هذا أو ذاك.. وهاهم يطالبون, هذا ماكلفوني به بوضع قضاياهم في صدر اهتمامات المسئولين مؤكدين ان الإهمال لن يكون من نصيبهم كما كان في السابق إنهم لن يكونوا محطة أو استراحة خارجية لاحد, ولن يقبلوا ان يكونوا لقمة سائغة لهذا الطامع أو ذاك.. وإنما يودون من كل قلوبهم ان يشعروا أنهم ليسوا زائدين عن الحاجة! وانهم امتداد للداخل وأنهم مواطنون من الدرجة الأولي وليس من الدرجة الثانية أو الثالثة لأن وهذا مايشعرون به بالفعل مصر وطن يعيش فيهم وليس وطنا يعيشون فيه ولهذا يعتبر المغتربون أنهم من صنعوا الثورة أو علي الأقل شاركوا آخرين في صناعتها, وينتظرون ان تنظر اليهم هذه الثورة نظرة فيها من الاعتدال الكثير بعد طول تهميش واستبعاد حتي يتحول8 ملايين نسمة إلي داعم لها وليس منتفعا منها,, وحتي يكونوا سفراء بحق لمصر الجديدة لدي الدول الغربية التي يعيشون بين ظهرانيها ناهيك عن أنهم يعتبرون الثورة المصرية امتدادا لثورة عرابي وسعد زغلول وعبد الناصر والضباط الأحرار. وهو مايجعلهم يتمسكون بها ويرون أنها حق من حقوقهم. المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي