أثير كثير من الجدل حول إعلان هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية إعادة إطلاق اتصالات أمريكية محدودة مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر, ثم إعلان الإخوان علي لسان المتحدث الإعلامي للجماعة استعدادهم للحوار مع الإدارة الأمريكية إذا قررت ذلك في إطار من الاحترام المتبادل. لسنوات امتدت عقودا, كان الاتصال بجبهات خارجية مدعاة لإلقاء الشبهات علي أي طرف مصري, يتصل لسبب أو لآخر بجهة خارجية, بل يصل الأمر إلي حد التخوين والطعن في الوطنية, خاصة إذا كانت تلك الجهة تناصب النظام الحاكم أو يناصبها العداء, ولو كانت أسباب العداء متعلقة بالحاكم لا بالوطن. وقد وقع الإخوان المسلمون في مصر علي وجه الخصوص تحت طائلة الاتهامات الرسمية, والحملات الإعلامية المستمرة التي ربطت بينهم, وبين جهات خارجية, وفي عام 1954 م اتهمتهم حكومة ثورة يوليو دون سند بعد أن تخلت عن صداقتهم بالاتصال بالسفارة الإنجليزية لتدبير محاولة لقلب نظام الحكم!. وهناك من اتهمهم بتلقي الدعم من دول عربية بعينها, وكان آخر تلك الاتهامات ما عرف بقضية التنظيم الدولي التي تزامن الحكم فيها أمام محكمة أمن الدولة طواريء مع انتخابات مجلس الشعب الماضية إمعانا من النظام السابق في التنكيل بالإخوان. قبل أن تشتد الأزمة الداخلية للنظام السابق, كانت هناك لقاءات بين القوي السياسية المصرية, بمن فيهم الإخوان المسلمين, حين كان لهم ممثلون في البرلمان, مع دبلوماسيين ووفود أجنبية وكان من بين من ذهب للإخوان في مقرهم القديم بشارع سوق التوفيقية فرانك ريتشاردوني مسئول الاتصال السياسي بالسفارة الأمريكية آنذاك, السفير الأمريكي بالقاهرة لاحقا. كما أن بعض الشخصيات البارزة زارت الإخوان بعلم السلطات المصرية وموافقتها, فقد زارهم الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أكثر من مرة, والصادق المهدي إبان رئاسته للوزارة في السودان, ولكن مع اشتداد أزمة السلطة, وتشديد سياسة الحصار والتضييق علي الإخوان, امتنع الجميع عن لقاء الإخوان, عربا وعجما وبقي أن بعض نواب الإخوان في برلمان 2005 2010 شاركوا ضمن وفود من مجلس الشعب في لقاءات عامة مع بعض المسئولين الأمريكيين. ومع ذلك تواصلت الاتهامات علي الإخوان, الأمر الذي حدا بالجماعة إلي اشتراط أن أي اتصالات مع طرف أجنبي يجب أن تتم عبر وزارة الخارجية المصرية وبحضور ممثل عنها, وهو شرط يعني أن الاتصالات لن تتم فالخارجية لن توافق علي أي اتصال. وماذا عن الحوار الذي أعلن عنه مؤخرا؟ لاتتمني واشنطن أن تري الإخوان وقد زادت شعبيتهم وتحسن وضعهم السياسي, وقد حاولت قبل الثورة إيجاد بديل ثالث بخلاف نظام مبارك والإخوان, وتحاول بعد الثورة أيضا إيجاد بدائل للإخوان, ولكن واشنطن تتعامل مع الامر الواقع بما يحقق مصالحها, وقد وجدت أن الإخوان يمكن أن يمثلوا في المستقبل القريب القوة السياسية الأولي المنتخبة ديمقراطيا, في بلد ذي أهمية إستراتيجية, ولا مناص عن الاتصال بهم, مثلما تتصل بمختلف القوي السياسية في مصر. وكما قالت تمارا ويتيس نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية فإن الاتصالات تأتي في إطار الأنشطة المعتادة للدبلوماسية الأمريكية, وإن السفارة الأمريكية سوف تقوم بعقد تلك اللقاءات في الإطار المعتاد. ورغم محدودية المسألة, فإن الإعلان الأمريكي يشير إلي تغير في سياسة التعامل الأمريكي مع الإخوان والجامعات الإسلامية عامة, خاصة أن دوائر أمريكية محافظة وصهيونية لا تحبذ هذا الحوار. وربما كان الحديث عن إعادة إطلاق الاتصالات بقصد التقليل من قيمة القرار مراعاة لتلك المعارضة, فيما يفهم منه أيضا أنه إحراج الإخوان, والإيحاء بأنه سبق إجراء اتصالات غير معلنة. كما أن الإعلان عن الاتصالات قد يضر بشعبية الإخوان المقدمين علي معركة الانتخابات العامة. أما من ناحية الإخوان, ففي رأيي أن أن قبول الحوار مع الولاياتالمتحدة لم يكن بالأمر الهين, فالسياسات الأمريكية التي طالما انتقدها الإخوان لا تزال قائمة, سواء في فلسطين, أو العراق أو أفغانستان وعلي الصعيدين الإقليمي والدولي, وهناك من يري أن إسرائيل مجرد أداة لتنفيذ السياسات الأمريكية, وأن مشكلتنا الأساسية مع واشنطن, وكما يرفض الإخوان الحوار مع الإسرائيليين فمن الطبيعي أن يرفضوا الحوار مع الأمريكيين. ولعل هذا ما دعا د. رشاد البيومي نائب مرشد الإخوان للقول إن الجماعة لن تهرول لإجراء حوار مع أمريكا بمجرد أن توجه لها دعوة كما يعتقد البعض, وهناك شروط يجب الالتزام بها. وتبدو نقاط الخلاف بين الطرفين أكبر من نقاط الاتفاق, خاصة فيما يتعلق بالمشكلة الفلسطينية, والحرب علي الإرهاب التي تحولت في بعض جوانبها إلي حرب علي الإسلام. ولكن ذلك لايعني انعدام الحاجة للحوار, إذ تزداد الحاجة إلي الحوار حين تتباين الرؤي والمواقف. أيهما نكذب؟ قال الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي إنه يحتكم لشهادة المستشار طارق البشري, التي قدمها عن الإخوان المسلمين في كتابه الحركة السياسية في مصر من سنة 1952 إلي سنة 1954, ويرضي بها, فلما أوضحت في مقالي السابق أن البشري تراجع عما كتبه بعدما اتضحت له أمور كانت خافية عليه, وأنه كتب مقدمة جديدة للكتاب تتضمن آراءه الجديدة, عاد حجازي ليتساءل: أيهما نصدق: المستشار في الطبعة الأولي أم المستشار في الطبعة الثانية؟ وفي الوقت نفسه يقول إنه لم يجد في آراء البشري الجديدة ما ينسخ شهادته الأولي لأن الوقائع والوثائق التي وردت عنهم في الطبعة الأولي ظلت ثابتة, حسب قوله!. وأقول باختصار إن حجازي طلب شهادة البشري وهي موجودة في مقدمة الطبعة الثانية, وإذا قال الإنسان برأي ثم عدل عنه, فإن جديده ينسخ القديم بلا جدال, ولو كانت هناك وثائق كما يقول حجازي لما أغفلها البشري وهو المؤرخ المحقق, ولما استدعي الأمر أن يكتب المقدمة الجديدة, ولكنها آراء شخصية تغذيها توجهات فكرية, وتفسيرات تحتمل الخطأ, وخصومات سياسية, لم تعد تقنع البشري فانصرف عنها.