الضبعة.. تعود الي الأضواء من جديد.. أو علي وجه الدقة نحن مجبرون علي أن نعيد فتح ملفها مرة ثانية وفقا لما حدث من متغيرات دولية في الشهور الأخيرة الضبعة.. هذه القطعة الرائعة من أرض مصر بالساحل الشمالي المطلة علي البحر المتوسط ما بين مارينا ومرسي مطروح.. كانت محل حوار وجدل طويل في السنوات الأخيرة بشأن الخلاف الذي حدث حول مطالبة البعض بتخصيصها للمشروعات السياحية كامتداد لتنمية الساحل الشمالي سياحيا.. ومطالبة البعض الآخر بتخصيصها لمشروع إنشاء محطة نووية لإنتاج الكهرباء باعتبار أن العلماء قد أشاروا الي أن موقعها هو أفضل موقع في مصر لبدء تنفيذ مشروع مصر النووي. وكان النظام السابق في مصر قد حسم ذلك الجدل وأعلن تخصيصها لمشروع مصر النووي وبدء إنشاء أول محطة نووية علي أرضها, وبدأت وزارة الكهرباء بالفعل في إعداد وتنفيذ الدراسات اللازمة لذلك, بل تم الاستعداد لطرح المناقصات الدولية للتنفيذ.. ونسي أهل السياحة أو من كانوا يطالبون بتخصيصها للسياحة تلك القضية تماما. إلا أنه قد حدث جديد في الشهور الأخيرة.. ففي2010 وقعت كارثة انفجار المفاعل النووي الياباني والتي أحدثت خسائر هائلة ودمارا مرعبا في البشر والمدن والاقتصاد الياباني بشكل عام. بعد هذا الحادث المأساوي, برغم كل ما تملكه اليابان من تقدم في نظم الأمان, إلا أن الحادث أعاد للأذهان حادث تشرنوبل وحوادث أخري وبدأ العالم يفكر في مستقبل الطاقة النووية في العالم واخطارها في ظل ما حدث في اليابان.. وقال البعض إنه اذا كان ذلك الدمار قد حدث في اليابان أكثر دول العلم تقدما ولم تستطع اليابان حماية نفسها من أخطار ذلك الحادث.. فما بالنا بدول أخري أقل تقدما مثل مصر أو غيرها في مجال الأمان النووي؟ بل أكثر من هذا وهو ما دفعنا الي أن نعيد اليوم علي صفحات سياحة وسفر فتح ملف الضبعة أو المحطات النووية في مصر.. أن دولا أوروبية متقدمة جدا في هذا المجال قررت بالفعل وقف محطاتها النووية أو التخلص منها تماما بناء علي ضغوط هذه الحوادث وبناء علي ضغوط المواطنين وأحزاب الخضر والبيئة وفي مقدمة هذه الدول ألمانيا, التي قررت بالفعل التخلص من جميع محطاتها النووية بحلول عام2022 وهو ما لقي ترحيبا كبيرا في ألمانيا, كما أن هناك دولا أخري تسير في نفس الاتجاه مثل بلجيكا وايطاليا.. إذن نحن أمام متغيرات دولية جديدة تفرض علينا إعادة دراسة مشروع مصر النووي والتفكير من جديد هل نستمر في هذا المشروع أم نتوقف؟ واذا كان العالم المتقدم قد انتهي الي وقف المحطات النووية.. فهل نبدأ نحن من نقطة البداية؟ هل نعيد اختراع العجلة من جديد؟ اذا كان العالم قد انتهي الي خطورة هذه المحطات بعد كل هذه السنوات.. هل نحن ننتظر تجربة مصرية جديدة في هذا المجال ثبتت خطورتها في العالم؟ العالم بدأ من نقطة الصفر.. ثم وصل الي النهاية.. ان علينا أن نبدأ بما انتهي إليه العالم. ومع هذا نحن لسنا أصحاب قرار.. وأعرف تماما أن الوقت غير مناسب في مصر الآن في ظل ما يحدث عقب ثورة25 يناير من فتح الجدل حول هذا الموضوع مرة أخري.. ولكن المتغيرات الدولية والاستعدادات التي كانت تجري في وزارة الكهرباء يجب أن تعاد دراستها من جديد.. هل نستمر؟ أم نتوقف مثل ألمانيا وغيرها؟ هل القرار الآن؟ أم يؤجل الي ما بعد استقرار النظام السياسي في مصر؟ هي أسئلة بلاشك تبحث عن اجابات.. ولكن من غير المقبول أن تعلن وزارة الكهرباء عن استعدادات والعالم يعلن عن التخلص من المحطات النووية. وطبعا حين نقول ذلك لابد أن يتبادر الي الي الذهن أن أرض الضبعة بالضرورة إذا تم اتخاذ قرار مثل هذا ستعود الي السياحة. وإذا كان البعض يمكن أن يتخيل أن ذلك الكلام لصالح رجال السياحة فهو مخطيء.. فهذا الكلام لمصلحة المواطن المصري, فلا أظن أن أحدا يمكن أن يقول إن النظام البائد أو فلوله لهم مصلحة في تعديل القرار بتخصيص أرض الضبعة للسياحة بدلا من المشروع النووي.. فالذي فرض هذا الكلام الآن هو ما حدث في اليابان والقرار الذي اتخذته ألمانيا ودول أخري, أي أن هناك متغيرات دولية فرضت ذلك وعلينا دراستها بكل دقة, وكما قلت لايمكن أن نبدأ بما يرفضه العالم الآن أو مستقبلا. والشيء بالشيء يذكر.. اذا كانت الضبعة ستعود للسياحة أقول إذا فإن ذلك يجب ألا يتم بمعزل عن قرار استراتيجي وهو الإعلان عن التخطيط العمراني والتطوير للساحل الشمالي كله من أجل السياحة وليس لتلك المنطقة بعينها.. فنحن هنا نتحدث عن منظومة شاملة للعمل السياحي في الساحل الشمالي. وسواء كانت الضبعة للسياحة أم للنووي فيجب ألا ننسي أننا في مصر نمتلك البديل للطاقة النووية.. وهي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.. فألمانيا مثلا تتجه بقوة لهذه الطاقة النظيفة وبرغم ما يقال عن تكلفة الطاقة الشمسية في السنوات الأخيرة فإن الخبراء يقولون إن تكاليف انتاج هذه الطاقة تنخفض بشكل مستمر والتكنولوجيا قادرة علي حل تلك المشكلة. واذا كانوا في أوروبا وأمريكا يتجهون للشمس فنحن أولي منهم بكثير, فلدينا الشمس طوال السنة بمتوسط من12 الي14 ساعة وهو أعلي معدل عالمي ولدينا امكانات هائلة لتصنيع الخلايا الشمسية التي تعتمد علي السليكون والصحاري المصرية غنية بهذه المادة التي تتفوق الصين في انتاجها. إن الاستثمار في الشمس في مصر هو الأفضل كما يقول الخبراء, بدلا من الطاقة النووية خاصة أن تكلفة انتاج الطاقة الشمسية قد انخفضت بنحو60% في السنوات الخمس الأخيرة بسبب التقدم التكنولوجي. إن أمريكا تبني الآن أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم في كاليفورنيا وسينتهي العمل فيها في2013 وستولد أكثر من1000 ميجاوات وهو ما يعادل انتاج محطة للطاقة النووية ويكفي لتلبية احتياجات750 ألف منزل من الكهرباء لكل الاستخدامات, وهذه المحطة بذلك ستتفوق علي محطة أشبيلية بإسبانيا التي تنتج150 ميجاوات فقط والتي تعتبر أكبر محطة في هذا المجال حاليا. إن العالم يتجه بقوة نحو الطاقة الشمسية أو الطاقة النظيفة.. وليس أدل علي ذلك مما حدث في معرض لابورجيه الدولي للطيران بفرنسا أخيرا, والذي ظهرت فيه أول طائرة تعمل بالكامل بالطاقة الشمسية. ونحن في مصر لايمكن أن نتوقف عن اللحاق بالعلم وبالتطور.. اذا كان العالم سيتوقف عن استخدام الطاقة النووية في السنوات المقبلة.. فنحن يجب أن نبدأ من حيث انتهي الآخرون. هذا هو المنطق.. وهو العقل!! ومع هذا ليس هذا قرارنا.. فقط نحن نفكر بصوت عال ونحن نطرح القضية علي الرأي العام.. وعلي صاحب القرار.. سواء المجلس العسكري أو مجلس الوزراء أو حتي ما بعد الفترة الحالية أو بعد استقرار النظام السياسي في مصر, فالقضية تستحق الاهتمام حتي لا نمشي في طريق نندم عليه بعد سنوات.. إن علينا أن نستفيد من تجارب الآخرين.. وسيبقي السؤال مطروحا.. الضبعة للسياحة أم للنووي بعد كل هذه المتغيرات الدولية؟ إن إعادة فتح هذا الملف أصبح واجبا قوميا ووطنيا.. [email protected] المزيد من مقالات مصطفى النجار