مع نهايات فترة حكم الرئيس السابق, بدأ الجمهور المصري يفيق علي حقيقة مقلقة تتمثل في تدهور علاقاتنا الافريقية, وروجت وسائل الاعلام سيناريوهات مرعبة تتمثل في إمكان فقدان مصر لحصتها في مياه النيل بسبب المشروعات المائية في اثيوبيا وأعالي النيل. وبين طبول الحرب التي أطلقتها اجهزة النظام السابق, وصرخة الاستقلال والتحدي التي استجابت لها دول وادي النيل, تأكد الجميع ان علاقاتنا الافريقية قد وصلت الي منعطف خطير, وأن جهود عقود طويلة من الدعم المصري لحركات التحرير الافريقية في الخمسينيات والستينيات قد ذهبت هباء. ومع تراجع الدور المصري رحنا نتابع بجزع تغلغل دول اخري من خارج القارة وتحقيقها لنجاحات متتالية في افريقيا, فوجدنا الصين والهند وأيضا تركيا وماليزيا تتسابق لترث دور الرجل الابيض, بينما تغلغلت إسرائيل وربما ايران لتحقيق نفوذ سياسي وثقافي. ولعل النجاح الاكبر لبعض سفاراتنا في افريقيا كان في الترتيب لزيارة فريق الكرة القومي, وما يصاحبه من مسئولين ومشجعين كبار. ولحسن الطالع ان تحرك حكومة الثورة المصرية, وجهود الدبلوماسية الشعبية قد حققت في أسابيع قليلة ما فشلت الادارة السابقة في تحقيقه عبر سنين, واتضح ان اسباب الفشل السابق ترجع الي فساد السياسة والمنهج, وان افريقيا تحتاج الي سياسة جديدة تحافظ علي وشائج الجوار, وتبني علي ما يوجد من مودة والفة وتدعم المصالح المشتركة. فمن أين نبدأ؟ وكيف نعيد هيكلة علاقاتنا الافريقية. لابد لأي سياسة ناجحة ان تبني علي ما يتوافر لديها من ادوات, وتعزز النجاحات السابقة وتستثمر الرصيد المتوفر. وهناك ادوات متاحة لسياسة مصر الافريقية لايتم استخدامها بكفاءة. وأول هذه الادوات هو وجود تمثيل دبلوماسي مقيم في معظم, إن لم يكن, كل الدول الافريقية. بل يفوق التواجد المصري الدبلوماسي في افريقيا التمثيل الدبلوماسي للدول الكبري. والي جانب التمثيل الدبلوماسي تساهم مصر في عدد كبير من المؤسسات الاقتصادية والسياسية التي تم انشاؤها بعد استقلال الدول الافريقية. ولعل اهم هذه المؤسسات هي منظمة الوحدة الافريقية, البنك الافريقي للتنمية, منظمة الكوميسا, مبادرة حوض وادي النيل, وغيرها من المنظمات الافريقية العامة والاقليمية( اتحاد البنوك الافريقية, بنك التصدير والاستيراد الافريقي) وبعد ان كان لمصر الكلمة الأولي في كل هذه المنظمات تقدمت دول اخري مثل الجزائر وليبيا, من شمال افريقيا, ونيجيريا وجنوب افريقيا لتأخذ مكان مصر. وغابت الرئاسة المصرية عن حضور منظمة الوحدة الافريقية لعقود طويلة منذ محاولة اغتيال الرئيس السابق في أديس ابابا عام 1993, وفي منظمات اخري مثل بنك التنمية الافريقي لم يعد للمصرين مكان في ادارته التنفيذية, وتحول مركز ممثل مصر في مجلس ادارة البنك الي مكان يكافأ به احد الوزراء السابقين أو المحظوظين من كبار الموظفين, حيث يجلس سنوات في الظل يجمع بدلات حضور مجلس الادارة ومقابل سفر الي دولته للتشاور. ولعل اول شروط نجاح سياستنا الافريقية هو وضع اهداف محددة لتلك السياسة. ولم تعد القضية الفلسطينية وتحرير الاراضي العربية المحتلة تسيطر علي سياستنا الافريقية. وفي عصر العولمة ونهاية الحرب الباردة تأتي القضايا الاقتصادية الي المقدمة. والسوق الافريقية هو المجال الحيوي للصناعة المصرية. كذلك هناك في افريقيا فرصة هائلة لتشغيل العمالة المصرية المؤهلة. ويجب النظر في تطوير برامج المعونة الفنية الي الدول الافريقية الي برنامج استثماري لتشغيل الشباب المصري. وتحقق مثل هذه السياسة اهداف الدول الافريقية ومصر معا. ولقد غابت مصر عن الساحة لأنها نظرت الي افريقيا من وجهة نظرنا نحن فقط فنحن نحتاج مياة النيل ونطالب بها ولم ننظر الي ماتحتاجه دول الجوار. ولمصر دور في معالجة وحل مشاكل افريقيا الأولي الثلاث: مشكلة التنمية الاقتصادية, مشكلة ندرة الخدمات الصحية وتفشي الامراض الوبائية وأولها الايدز, واخيرا مشكلة التعليم. ولكل هذه المعضلات حلول مصرية. ومن حسن الحظ ان لمصر خبرة كبيرة وصناعة رأسمالية يمكن الاعتماد عليها في افريقيا وتسمح النسبة العالية للأطباء والمعلمين أن نتبني برنامجا لاستخدامهم في الدول الشقيقة. يمكن ان تساعد مصر في مجال التعليم ليس فقط عن طريق فتح جامعاتها ومعاهدها للتبادل الثقافي الافريقي, ولكن ايضا عن طريق تبني برامج بحثية وعلمية في القضايا الافريقية المهمة. وهكذا نعتقد ان المجال مازال مفتوحا لإصلاح ما أفسدة الزمن في علاقاتنا الافريقية. ويجب أن تعتمد هذه الاستراتيجية الجديدة علي الاعتراف بالحقوق المتبادلة بين دول الجوار, وبوضع اهداف التنمية والنجاح المشترك كشرط اساسي لهذا التعاون. المزيد من مقالات د. علي عبد العزيز سليمان