حتي نصبح دولة ديمقراطية نموذجية في الأمة العربية يجب أن نلغي الدولة المركزية لأنها لا تلد إلا طاغية أو مستبدا, حتي لو كان الحاكم ملاكا, فإن صحا ذات يوم فوجد كل مقدرات شعبه تقريبا في يده هو لا يد أحد غيره فهو القائد الأعلي للجيش وهو القائد الأعلي للشرطة وهو الذي يعين رؤساء الجامعة وعمداء الكليات والمحافظين وروساء تحرير الصحف ورئيس مجلس الوزراء والوزراء بل وتدخل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في انتخابات المجالس التشريعية, فسوف تبهت ملائكيته يوما بعد يوم إلي أن تتلاشي ليحل محلها تضخم الذات والتقوقع داخلها, وبالتالي فلن يسمع إلا نفسه ولن يفعل إلا ما يري فيه مصلحته وسيكون الشعب بمثابة العامل عنده لا العكس, وسيقول مقالة فرعون: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي. هذا ليس كلامي ولكن كلام العبقري الراحل الدكتور جمال حمدان في كتابه شخصية مصر تحت عنوان أصل الطغيان, حيث قال: لعلنا لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا إن الفرعونية كانت نوعا من الاستعمار الداخلي, فلقد كانت الفرعونية دولة بوليسية استبدادية أساسا تتبع سياسة القمع والترهيب والترويع والتخويف والتنكيل والتمثيل بالنسبة للجميع, لقد جاء الطغيان الفرعوني نتيجة حتمية للدولة المركزية, نعم بها كانت مصر أول دولة موحدة( بفتح الحاء المشددة), لكنها بها صارت علي الأرجح أول طغيان في الأرض, وبطبيعة الحال لا يقصد بالفرعونية فرعونا وحده وانما هو والذين معه, أي هيكل النظام ككل.. وفي وجه هذا الطغيان والإرهاب لم تنقطع المقاومة الشعبية ولا استكانت, صحيح أن أكثر هذه الانتفاضات لم يزد علي أن يكون مجرد هبات أو هوجات وتمردات عاجزة وفاشلة, ولكن من الصحيح أيضا أن الكثير منها كان مواجهات دامية مع الطغيان ونجح في كسر وتقييد الاستبداد نسبيا وارغام الحكم علي تقديم التنازلات المهمة, وقد كانت الأغلبية عادة قوة سلبية تدعو فقط إلي التهدئة والمحافظة علي الوضع الراهن, مهما يكن فإذا كانت تلك الفورات الشعبية لم تتمكن في نهاية النهاية من تغيير النظام, فإنها وصلت إلي أو قريبا من فكرة الجمهورية, كما فرضت في نهاية عزل الوالي والاتيان ببديله؟ انتهت كلمات العبقري جمال حمدان ولعل ما فعله شباب مصر يوم25 يناير وحتي الآن يعتبر فصلا جديدا يضاف إلي شخصية مصر الولادة التي علمها تاريخها الطويل الصبر والحلم, ولكن إن لم يجديا في التغيير فإنها تهب هبة رجل واحد ولا تهدأ حتي تنال ما تريد.. والحمد لله فعلها الشباب وقامت مصر وبإذن الله لن تقعد مرة أخري حتي تضع أقدامها علي طريق التسابق والتنافس في التحضير والتقدم والديمقراطية وجاء اليوم الذي سيكون الحاكم فيه عاملا عند الشعب ومن أجله لا العكس. د.سمير محمد البهواشي