غبار المنزل المنهار مما يؤسف له ويحز في النفس, أننا عطلنا عن عمد ملكة التفكير, وانطلقنا كالخيل الجامح في البرية نعدد ونكرر مواضع ومواطن العيوب والمثالب في حياتنا اليومية, مثل الانفلات الأمني والبلطجة وغياب هيبة الدولة, وتوقف الإنتاج وأن المسئولين الحكوميين أيديهم مهزوزة ومرتعشة وغير قادرين علي مباشرة مسئوليتهم, وعادة تختتم نوبات البكاء والنواح بإلقاء اللوم علي الثورة وعلي من يؤازرها ويروج لها, وتكاد الصحف السيارة تنفجر من كثرة ما تمتلئ به من بكائيات التباطؤ في التنفيذ والحزم من قبل حكومة عصام شرف المختارة بواسطة ثوار ميدان التحرير, وبفطنتك ستفهم أن الرجل غير أهل للاستمرار في رئاسة الوزراء, وأنه يفتقر للعين الحمرا المشترط توافرها في الجالس علي مقعد الحكم. وسط كل هذا الضجيج الذي لا يتوقف غابت عنا حقيقة كثيرا ما جربناها وعايشناها, فحينما ينهار منزل قديم لم تمتد إليه يد الصيانة والإصلاح, يختنق سكان الحي, جراء تصاعد الغبار المتمخفض عن انهياره, وكلما رفعنا مزيدا من الأنقاض, تمهيدا لبناء البيت الجديد, نفاجأ بعقارب وأفاع وفئران مذعورة وحشرات تجري هاربة من حولنا محدثة جلبة وفزعا لدي الكبير والصغير, وهذه الأنقاض يلزمها فترة لرفعها, والتخلص مما يختبئ أسفلها, فما بالك بوطن يؤسس لنظام جديد يستبدل به آخر انتهت صلاحيته وتعفن, أليس لدينا ولو القدر اليسير من الصبر وطول البال الذي سوف يساعدنا علي تحمل خنقة الغبار المتصاعد, وأن نتبين الخطوط والفواصل بين النقد المباح المشروع والنقد المعوق المثبط للهمم وللحركة للأمام؟ ثم أين إحساسنا وتقديرنا للمسئولية المعلقة في رقبة كل واحد منا تجاه المجتمع في هذا الظرف العصيب؟ للأسف فإن معظم المصريين غرقوا في الجري خلف الشائعات وما تنشره الصحافة الصفراء من حكايات ألف ليلة وليلة عن غزوات وغراميات علية القوم من مسئولي القصر الرئاسي والوزراء ورجال الأعمال من أهل الفن والطرب والراقصات, الشعب المصري تفرغ لاقتحام أقسام الشرطة والتعدي علي المواطنين ولم يتورع عن تشويه الميادين العامة بعربات الفول والطعمية والكشري واحتلالها بالمعني الحرفي للاحتلال, وإذا جاءهم من يبلغهم بأدب واحترام بأنهم يخالفون القانون وعليهم الرحيل, فإنهم يردون بأنهم لن يغادروا وبالمرة يعتدون علي المسكين الذي يحاول القيام بعمله, الأبشع أنهم علقوا لافتات كتب عليها بوقاحة وبجاحة لن نمشي يا سادة عودوا إلي جادة الصواب ولنعمل عقولنا, حتي تجتاز مصر بسلام غبار انهيار نظام حسني مبارك. المزيد من أعمدة محمد إبراهيم الدسوقي