عبر بوابة الهتاف التاريخي الذي رج ميدان التحرير( كرامة/ حرية/ عدالة اجتماعية) اكتشفت مصر صوتها الحقيقي, محاولة أن تنفض عن كاهلها إرث نظام سلطوي امتد لثلاثين عاما, عبث فيها الفساد في كل شيء, وحاول تجريف الروح, والوعي, المصريين, غير أنه وفي لحظة فارقة, لحظة تاريخية مواتية, بدت الثورة قوة دفع للانتقال الي عالم إنساني, ومتقدم, وحر, وأصبحت انعتاقا من عالم قديم, ومهتريء, رموزه سطحيون, تقليديون, وتحققت الصيغة الدرامية الشهيرة( الآن وهنا) في أن نلتحم سويا نحن المصريين. أن نواجه حقا الأدران التي خلفتها ثلاثون عاما من الظلم, والألم الإنساني, وتهميش البشر وسحقهم, عبر آلة أمنية قامعة, فضلا عن تجفيف منابع الثقافة الحقيقية من أجل تسطيح الوعي, وتزييفه, إن هذا التلاحم الوطني قد أضحي سؤال اللحظة الراهنة, وأفقها الرحيب في آن, لنواجه سويا الفرقة المصطنعة, والتي يحاول البعض إقحامنا فيها, مع أن وقت الثورة ثمين جدا, لا فائض فيه للمهاترات, والخزعبلات, فليس أمامنا سوي البحث عن مستقبل يليق بثورة عظيمة كالتي حدثت, وأن نجتمع علي قلب رجل واحد, مثلما كنا في الميدان, تلك هي الاستراتيجية الفاعلة لتحقيق أهداف الثورة, وغاياتها, وليهدأ أولئك الذين حرموا المظاهرات, وحاولوا تفتيت عزم الجماهير, ثم إذا نجحت الثورة إذا هم أول المتقافزين عليها, ومعهم رهط من المتاجرين بكل شيء. لقد بات التلاحم الوطني فريضة مصرية للتأسيس للدولة المدنية, المرتكزة في جوهرها علي مبدأ المواطنة كصيغة مركزية للتعايش, والمستندة علي تسييد القانون كفاعل أصيل في حياة المجتمعات, والقائمة في بنيتها علي مباديء الثقافة الوطنية المصرية. إن النظام الفاسد الذي هوي, قد أقام جماعات من المصالح, تحارب الآن معركتها الأخيرة, وهي باليقين خاسرة, مجللة بالعار والخزي, لأنها لا تؤمن بقيمة, ولا ولاء عندها لمبدأ. لا شك أنه في لحظة الفعل الثوري, يصبح كل شيء أكثر عدلا, وإنسانية, كما بدت مصر فتية, ونابضة بالحيوية, بعد أن حولها نظام مبارك الي امرأة عجوز تحيا علي الحافة,( الآن وهنا) عادت مصر الي روحها الوثابة, واكتشفت صوتها الحقيقي من خلال الهتافات التي دوت في الميادين المصرية المختلفة, وعبرت عن جوهر المطالب الوطنية في لحظة فارقة في تاريخنا الحديث, ولكي نرتفع الي مستوي المسئولية بحجم وطن نحن أبناؤه, يجب أن نؤمن جميعا بما أسميه حيوية الاختلاف, وأن التنوع دليل صحة, لا مرض, وأن المجتمع الذي يضع كل شيء موضع المساءلة والنقد هو مجتمع عفي, وقابل للتطور, وأن الأمم إذا توقفت عن إنتاج أفكارها الخلاقة, اتجهت بمحض إرادتها الي الفناء. لذا فإن في تنوعنا قوة, يجب أن نشكل منها طاقة دفع للثورة العظيمة, يجب أن يتسع الأفق لدينا جميعا, وأن ندرك أن هذه الثورة سلاحها الإرادة الشعبية, وتلاحم أبنائها من المصريين, كما يجب أن نحذر الوقيعة بين جيشنا الباسل العظيم, وشعبنا الحر العظيم, وأن نعلم أن النقد حق أصيل, بوصفه فعلا جوهريا للحرية, لكن يجب ألا تحركنا رؤي سابقة التجهيز, أو أن ننطلق من شواهد هي بنت هواجسنا, لا بنت حقائق الأمور, وهذا للأسف ما يقع فيه البعض حين يسقطون التاريخ السابق لتعامل العسكر مع الحكم أثناء ثورة يوليو المجيدة1952, علي اللحظة السياسية الراهنة, متناسين أن السياق السياسي/الثقافي مغاير بالكلية الآن عما كان, وأن ماهية الثورتين مختلفتان, فالأولي( ثورة يوليو1952) صنعها الجيش, ودعمها الشعب, والثانية( ثورة25 يناير2011) صنعها الشعب وفي الطليعة منه الشباب, وحماها الجيش, وأن الدولة المدنية باتت غاية ينشدها الكل, وضمانة للانتقال الي عالم حر. ( الآن وهنا) يتخندق الناس في معسكرين, أولهما: سياق أعم, هادر, ونبيل, يحوي جماهير الثورة العظيمة, وشبابها البواسل, وطوائفها المتنوعة, حيث تقف الجموع منحازة الي ثورتها النبيلة, وواعية بما يحاك لها, مدركة أن ما كان لن يعود أبدا, ليس لمنطق التاريخ فحسب, ولكن بفعل الإرادة الشعبية الحرة, والعزيزة, والباقية, هنا في هذا المعسكر يبدو الجيش المصري العظيم حاضنا وضامنا لمكتسبات الثورة, وشريكا حاميا لها. والثاني: سياق يقف فيه فلول الحزب المنحل, وقتلة الثوار, ومشعلو الحرائق الطائفية, وكل أنصار الثورة المضادة من التعساء, وبائعي أحلام الوطن, والمتاجرين بآلام الجماهير, والنهابين لأقواتهم, وهذا الصنف من الناس يلعب دورا قذرا في الوقيعة بين الشعب العظيم, والجيش الباسل, في لحظة علينا فيها أن نتوحد, لنواجه معا النهابين لأقوات الناس, والمتاجرين بآلامهم, خفافيش العتمة التي تمارس الترويع, وتطلق الشائعات, وتدعو للطائفية. وتحاول التشكيك في قدرتنا نحن المصريين علي تلاحم وطني نحمي به ثورتنا النبيلة من معاول أولئك المرتزقة, والخونة, والانتهازيين لقد أصبح سؤال التلاحم الوطني الآن عينا علي مستقبل تصنعه مصر بيديها, عبر استقلالية قرارها الوطني, وعبر لحمة أبنائها من الجيش والشعب, ومن قبل ذلك عبر استدعاء المخزون الوافر للوطنية المصرية بتجلياتها المختلفة, والمتنوعة, تأسيسا لدولة مدنية عمادها العدالة الاجتماعية, وقوامها الحرية, وغايتها الانتصار للجدارة الإنسانية. المزيد من مقالات د.يسرى عبد الله