ونحن نعيش حالة إعلامية بلا نظير, تختلط فيها الجدية والخطورة بالهزل وعدم المسئولية وتقدير العواقب, ويضيع فيها الشعور بقيمة الكلمة وخطورة تأثيرها إيجابا وسلبا, احتفلنا بالذكري ال77 للإرسال الإذاعي المصري الرسمي, حيث تم افتتاح الإذاعة المصرية يوم31 مايو سنة.1934. وذلك بعد يومين من وقف الإذاعات الأهلية العديدة والتي استمرت نحو10 سنين, وهي الاذاعات التي قيل عنها الكثير من الغرائب والنوادر والتي سبق ان تناولناها في مقالات سابقة, ورغم ذلك فإن نشأة بعض تلك الاذاعات تمتزج بقصص حماس الشباب في ذلك الزمان ارادوا مجاراة ما تحقق من إنجازات في مجال الاتصالات اللاسلكية والإذاعية في الغرب. بدء الارسال الاذاعي الملتزم في مثل هذا اليوم من77 سنة ففي الخامسة والنصف مساء استمع الناس إلي أول مذيع مصري, وهو أحمد سالم الذي اشتهر بعد ذلك كمخرج سينمائي وممثل, وهو يقول.. آلو.. آلو.. هنا الاذاعة السلكية للحكومة المصرية, ثم جري الافتتاح بتلاوة قرآنية للشيخ محمد رفعت الذي كان يوصف بأنه قيثارة السماء ثم وجه علي باشا إبراهيم رئيس اللجنة العليا للبرامج كلمة للمستمعين, ثم توالي تقديم قطعة موسيقية ثم ألقي محمد عبد القدوس مونولوجا فكاهيا وقدم مدحت عاصم عزفا منفردا وهو أول مدير للبرامج الفنية بالإذاعة ثم غنت علي الهواء من استوديو الإذاعة أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وصالح عبد الحي وفتحية أحمد, وكانت أول قطعة موسيقية مصرية من سماعي نهاوند. وقد أوجدت الاذاعة الرسمية منذ سنواتها الأولي فنونا ونوعيات من البرامج الجادة ذات القيمة لم تكن تعرفها الاذاعات الأهلية التي كانت تطغي عليها المصالح الخاصة والاعلانات التجارية والكثير من اللهو المسف والتهريج وهو قريب مما تقدمه حاليا بعض الفضائيات عامة وخاصة بل بعض القنوات الارضية التي ضاع منها جميعها الطريق واختلطت امامها الرؤي بعد سقوط مبارك وقياداته وبينهم المسئولون عن الإعلام وموجهوه وجاء لتحمل مسئوليته وتقديم برامجه باحثون وأساتذة من الجامعات والمعاهد العليا في الزمن الذي شهد تراجعها لتصبح مؤخرة مثيلاتها في العالم مع آخرين بينهم لاعبو كرة وفنانون وشيوخ ومغامرون وهم جميعا لا خبرة لهم بالممارسة الإعلامية وأصولها. وهو ما كان من الممكن تلافيه في أوقات التحولات الكبري التي تجري الآن في الوطن لو خلصت نيات المسئولين علي مدي العقود الماضية في تدعيم الجذور والبناء علي اللبنات السليمة التي تم وضعها في مراحل سابقة لتطوير حياتنا بعد هزيمة1967 ودفعها نحو الافضل ومنها الإعلام المسموع والمرئي. والسؤال الآن هل يعيد المجلس العسكري الاعلي وحكومة عصام شرف اتحاد الاذاعة والتليفزيون علي الاسس التي تم بناؤه عليها وأن تعود معاهد التدريب الاذاعي والتليفزيوني الي العمل لتأهيل شباب الإعلاميين وتدريبهم, وذلك حتي يستطيع الجهاز الكبير تحمل مسئولية الإعلام في هذه المرحلة شديدة الخطورة في تاريخ الوطن. المزيد من مقالات محمد صالح