حتي أحكام القضاء وأوامره لا قداسة لها طالما تعلق الأمر بحرية الإعلام.... في بريطانيا.من أعلي سلطة تنفيذية في البلاد جاء النقد الواضح لموضة الإنذارات القضائية التي باتت سلاحا في يد الشخصيات العامة في السياسة والرياضة والفن لمنع الصحف من مراقبة سلوكهم ومتابعة أخبارهم. الإنذارات القضائية بمنع النشر لا يمكن تحملها أو الدفاع عنها هكذا وصفها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي أضاف أنها غير منصفة بالنسبة للصحافة. تصريحات كاميرون ترد علي تساؤلات بشأن جدل احتدم بعد ما بدا أنه فضيحة بطلها لاعب كرة قدم انجليزي معروف. كما جاءت بعد إعلان بعض الصحف اللجوء إلي محكمة الاستئناف سعيا لوضع حد للانذارات القضائية التي اصبحت سيفا يرفع المشاهير في وجه وسائل الإعلام. فمحاميو اللاعب الذي لا يمكن نشر اسمه صراحة استصدروا إنذارا قضائيا قاطعا ملزما بمنع الكشف عن اسمه الوارد بتقارير تتحدث عن اللاعب المتزوج يقيم علاقة جنسية غير مشروعة مع إيموجين ثوماس ملكة جمال ويلز السابقة ونجمة برنامج الأخ الأكبر التليفزيوني الشهير. وكان هذا الإنذار قد صدر الشهر الماضي لمنع صحيفة الصن الشعبية واسعة الانتشار في انجلترا من نشر اسم اللاعب. غير أن وسائل التواصل الاجتماعي علي شبكة الإنترنت وخاصة خدمة تويتر امتلأت صفحاتها بحوارات بين مستخدميها حول النجم الذي شاع اسمه صراحة. وقررت صحيفة صنداي هيرالد إحدي أشهر صحف إقليم اسكتلندا اختبار أجواء الغضب من الإنذارات القضائية. فنشرت صورة اللاعب غير مكتملة ووضعت علي عينيه شريطا أسود وكتبت تحت الصورة عبارة تقول: كل شخص يعرف أن هذا هو اللاعب المتهم باستغلال المحاكم للحفاظ علي سرية الادعاءات باقامة علاقة جنسية. ورأي البعض أن هذا خرق للإنذار القضائي بما يعني احتقارا للقضاء. وجاء رد الصحيفة أقرب للسخرية. فقالت في مواجهة الانتقادات والتهديدات بجرها إلي المحاكم إن اسم اللاعب ملأ العالم الآن بعد انتشاره علي صفحات تويتر وأنها حتي لو كانت قد نشرت اسم وصورة اللاعب صراحة فإنها لن تفعل سوي نقل ما يدور علي صفحات الإنترنت الالكترونية التي يطلع عليها الملايين إلي صفحاتها الورقية. ومن الناحية المهنية قالت الصحيفة: يجب أن نشير فورا إلي أننا لا نتهم اللاعب المعني بارتكاب أي خطأ. وصحة أو خطأ الادعاءات ضده لا علاقة له بالنقاش الدائر. فالقضية هي قضية حرية المعلومات وقضية جدل متنام لصالح قوانين الخصوصية الاكثر تقييدا. ومن ناحية الولاية القضائية اضافت صنداي هيرالد في افتتاحيتها أن الإنذارات القضائية لا تسري إلا في اقليمانجلترا وهي لا تطبع في منطقة انجلترا كما أن الصورة غير المكتملة لم تنشر علي موقع الصحيفة علي الإنترنت. وهنا وسع محامو اللاعب نطاق القضية. فرفعوا دعاوي قضائية ضد موقع تويتر الذي تملكه شركة في الولاياتالمتحدة ومستخدميه الذين خرقوا أوامر القضاء البريطاني بنشر اسم موكلهم. وتعهد كاميرون بأن تبحث الحكومة الإنذارات القضائية التي وصفها بأنها مشكلة. ورغم اعتباره أن التوصل إلي حل يحفظ الخصوصية الشخصية ويضمن حرية المعلومات والإعلام لن يكون سهلا وطلب أن يمنح الوزراء المختصون بعض الوقت للتفكير في المشكلة. ومع ذلك كان كاميرون واضحا بأن يجب مراجعة القانون كي يواكب تعاطي الناس لوسائل الإعلام اليوم. إلي جانب كاميرون وقف اليكس ساموند الوزير الأول( رئيس الوزراء) في إقليم اسكتلندا الذي وصف الإنذارات القضائية بأنها غير عملية. كما وصف محاكم إقليمانجلترا التي تصدرها بانها لا تواكب العصر. الخلاف بين اللاعب الانجليزي والصحيفة الاسكتلندية وموقع تويتر وتدخل كاميرون ليس سوي صفحة في ملف ساخن تتراكم أوراقه. فقد دأبت المحاكم الانجليزية مؤخرا علي الاستجابة لمطالب محامي بعض المشاهير اصدار إنذارات قضائية صارمة بمنع نشر أخبار موكليهم. وتتعرض هذه الانذارات لانتقادات واسعة وسط تحذيرات من أن تستغل لحرمان وسائل الإعلام من حرية التعبير ونشر المعلومات ولتمكين المشاهير من ارتكاب ممارسات غير أخلاقية أو قانونية دون كشف الإعلام لها. ونظرا لأن الجدل حول الإنذارات القضائية وصل إلي داخل البرلمان الذي انتقد أعضاؤه علنا القوانين التي تستند إليها هذه الإنذارات شكلت الحكومة لجنة قضائية لمراجعة الملف برمته. وبعد عام من الدراسة انتهت اللجنة برئاسة لورد نوبيرجر وهو أرفع قاض في الشئون المدنية في إقليمانجلترا وويلز إلي ضرورة مراجعة القوانين المنظمة لإصدار الإنذارات. غير أنه انتقد بشدة النواب تحت قبة البرلمان الإنذارات القضائية. ثم تطرق إلي حق الصحف في نشر ما يقوله النواب الذين يتمتعون بحصانة من المحاكمة علي مايقولونه تحت قبة البرلمان. وانتقد تقرير لورد نوبيرجر هجوم النواب تحت القبة علي أحكام القضاء حتي لو اعتبروها اعتداء علي حرية الإعلام والمعلومات والتعبير. وفيما يشبه الإنذار للصحفيين قال اللورد الصحف ومحطات الاذاعة والتليفزيون الذين ينشرون التعليقات التي تقال في البرلمان وتتعارض مع الإنذارات القضائية ربما يجدو أنفسهم في موقف يزدري المحكمة. وجاء تقرير نوبيرجر هدية للديمقراطيين الأحرار شركاءالمحافظين في الحكومة الائتلافية. واستغلوه للهجوم علي القضاة المصممين علي احترام الانذارات القضائية أيا يكن الخلاف حولها. واتهم النائب الديمقراطي جون هيمنج أحد قادة الحملة ضد هذه الإنذارات القضاة بالسعي للحد من حرية السياسيين في التعبير. ولما احتدم الجدل جري الاتفاق بشكل غير رسمي أو مكتوب علي أن هناك حاجة ملحة لاعادة البحث عن وسيلة لوضع حدود فاصلة بين حق الفرد الاحتفاظ بأسرار حياته الخاصة وفقا للبند الثامن في قانون حقوق الإنسان وبين حرية الإعلام المقدس في القوانين البريطانية.