قال الرئيس: أريد أن أسالك سؤالا.. فقد لاحظت عليك تغيرا في المدة الأخيرة.. هل تناقش خططنا مع بعض رجال المعارضة؟ وهل هناك من يؤثر عليك ؟ قلت غاضبا: كيف أناقش أسرارنا مع الغير؟ إن أحدا لا يؤثر علي في شئ وأنا أعمل بوحي أفكاري بعد مناقشتها مع الخبراء والفنيين في الوزارة في نطاق سرية مطلقة... فقال: دعني أسألك عن شخص معين هو نبيل العربي وكان السفير نبيل العربي في نيودلهي يعمل مديرا للإدارة القانونية بوزارة الخارجية وتربطه صلة نسب بالسيد محمد حسنين هيكل رئيس مجلس إدارة الأهرام الاسبق والذي كان يتخذ موقفا معارضا لمبادرة السادات فقلت: إن نبيل العربي مواطن كفء وملتزم ويقدر المسئولية وأنا اثق في أنه لايمكن أن يطلع أحدا علي أسرار العمل. تلك الفقرة من كتاب السلام الضائع في اتفاقيات كامب ديفيد لوزير خارجية مصر الأسبق محمد ابراهيم كامل استحوذت علي تفكيري في صيف عام7991 وأنا أستعد للسفر إلي نيويورك لحضور مؤتمر دولي في مقر الأممالمتحدة عن الحكم الرشيد والتنمية المستدامة.. فقد لاحت أمامي الفرصة لمقابلة بطل هذه الواقعة ووقائع أخري عديدة في مسيرة الدبلوماسية المصرية لم يمط بعد اللثام عن الكثير من أسرارها. فقد كان العربي بشهادة الوزير كامل الوحيد من بين أعضاء وفد التفاوض المصري الذي تجرأ علي مراجعة الرئيس السادات وابداء تحفظاته علي بعض بنود اتفاقات كامب ديفيد في مواجهته. ودفع الدكتور العربي ثمن ذلك الموقف باستبعاده من المشاركة في المفاوضات التي أفضت إلي توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل بعد ذلك بعدة أشهر. اعتدل مسئول الخارجية الذي قابلته قبل السفر وهو دبلوماسي مخضرم في جلسته وقال لي بنبرة جادة: هذا جميل. ولكن حتي تعرف مقدار هذا الرجل, تجول في أروقة الأممالمتحدة وإداراتها المختلفة وقابل الخبراء الذين عملوا لسنوات طويلة في تلك المنظمة ثم توجه إليهم بسؤال واحد عن انطباعاتهم عن أداء السفراء الذين شغلوا مقعد مندوب مصر الدائم خلال العقدين الماضيين سافرت إلي نيويورك..وبالفعل شرعت في جمع الآراء وحرصت علي أن تتنوع لقاءاتي لتشمل خبراء ومسئولين يمثلون مناطق جغرافية مختلفة.. وجاءت النتيجة كاسحة بشكل فاق تصوراتي.. فالجميع يقدرون السفير العربي ويذكرون دوره وإسهاماته في محافل ومناسبات عديدة.. ولعلي في هذه المناسبة أذكر ما قاله لي أثناء أحد حواراتي معه عن تردده معه في نشر كتاب تناول فيه بالتفصيل قضية طابا وجاء قراره الأخير بعدم النشر وسألته وقتها عن السبب فقال إن سر تراجعه يعود لجانب أخلاقي لأن الكتاب كان سيؤدي إلي تعرية الحكومة التي خدمها لأكثر من أربعين عاما..