أنا سيدة في أوائل الثلاثينيات من عمري ونشأت في اسرة ثرية بمصر الجديدة وتربيت وسط مجتمع مفتوح لايضع قيودا تذكر علي العلاقات الاجتماعية ولا يري عيبا في الصداقات التي تجمع بين الشباب والفتيات من باب ان القيود علي البنت قد تدفعها الي الخطأ, لكنني نشأت متحفظة علي الكثير مما يدور حولي, وآثرت الابتعاد عن مثل هذه العلاقات التي تثير الشكوك وربما تدفع البنت الي ما لا تحمد عقباه.. وهكذا وجدتني دائما فتاة ملتزمة حتي مع تكرار سفري الي الخارج.. ودراستي في جامعة اجنبية, وانعكس ذلك علي مظهري وملابسي وتعاملي مع الآخرين فلم أبال بنظرات الاستغراب التي كنت ألمحها في عيون زميلاتي وزملائي ومحيط الأسرة والأقارب. ولعل هذه الصفات هي التي دفعت أحد الشباب من معارفنا الي التقدم لاسرتي طالبا يدي, فلقد رآني فتاة الأحلام التي طالما تخيلها وتمني أن يتزوج منها, وعرض علي طلبه فوافقت عليه, ولم أتوقف كثيرا عند طباعه التي لاحظت من خلال جلستي تعارف فقط انه من نوعية الشباب المتحرر وتصورت أنني سوف أغير طباعه بما يتوافق مع قناعاتي الشخصية. وتزوجنا ولم يمض شهر واحد حتي سافرنا إلي الخارج لكي يعد رسالة الماجستير لكني لم أتأقلم علي المعيشة هناك وأحسست انني أعيقه عن التركيز في أبحاثه فاتفقت معه علي أن أعود الي مصر ويكمل هو دراسته وكنت وقتها حاملا في ابنتي فأيدني وحملت حقائبي عائدة الي مصر وبعد شهور وضعت مولودتي وجاءني في اجازة قصيرة لعدة أيام ثم سافر من جديد وناقش رسالته وعاد إلي مصر بعد عامين تقريبا وافتتح شركة لاستيراد المستلزمات الطبية, ولم يكن هناك أي مشكلات مادية أو عائلية بيننا.. لكن حياتي علي المستوي الشخصي لم تعرف طعم الاستقرار, فزوجي يشعرني أحيانا أنني أجمل وأهم امرأة في الدنيا ويصفني بأنني نادرة الوجود وأن الجميع يحسدونه انه ارتبط بزوجة متدينة وجميلة ومن عائلة محترمة.. وأحيانا ينقلب الي النقيض تماما, ويتهمني بأنني لا ألبي له طلباته ويطالبني بتغيير طباعي لانه علي زعمه محروم مما يسمعه عن مغامرات أصدقائه مع زوجاتهم... ولا أدري ما الذي يدور في الأحاديث التي تجمعه معهم.. مع ان الدين يحرم علي المرء ان يتحدث عما يدور بينه وبين زوجته, وبالتالي يجب عليه أن يحفظ أسرارنا, ولا يجلس في مثل هذه الجلسات التي ربما تجلب خراب البيوت وقد يكون ما يقوله له هؤلاء الذين يسميهم اصدقاء مجرد خيال لا أساس له في الواقع, فأنا ألبي له كل طلباته وأعطيه كل حقوقه, ولا أعرف ماذا يريد أكثر من هذا؟! لقد وجدتني اعيش مع شخصيتين متناقضتين تماما ومع الأيام ربطت بين الفترات التي يكون ناقما فيها علي وبين سفره الي الخارج.. فلقد اعتاد الحديث عما لا يعجبه في علاقتي به فور عودته من كل رحلة سفر فإذا استقر في مصر عدة شهور عاد الي وصلات المدح في طابعي وكان كلما شاهد الملابس المثيرة لزوجات زملائه في السهرات التي تجمعنا وتابع العيون التي تنهشني رفع يديه الي السماء شكرا ما هو فيه من نعمة! وجاهدت نفسي أن أرضيه ومنذ أيام جاء من رحلته المعتادة الي الخارج وتصورت أنه سوف يلقي علي مسامعي نفس خطبته التي حفظتها في كل مرة.. لكنه فاجأني بما لم أكن اتخيله.. لقد طلب مني اجراء عملية تجميل!! فسألته بدهشة: ماذا تعني؟ قال: تجميل لبعض قسمات الوجه لكي أبدو أكثر حسنا! فانتفضت من جلستي, وقلت له بشكل قاطع مستحيل! فترك الصالة الي الحجرة المجاورة لها فذهبت اليه وحاولت ان اشرح له ان هذه العمليات تكون للضرورة القصوي, مثل حالات الحروق والندبات والتشوهات ولكنه صمم علي موقفه فعرضت الأمر علي دار الافتاء وجاءني الجواب بنفس ما قلته له وهو أن اللجوء الي هذه الجراحات بغير ضرورة حرام, مع أدلة من الأحاديث النبوية تؤكد ذلك لكنه لم يعر الفتوي اهتماما, والمح لي بأنه سيكون له إجراء آخر وهجرني تماما.. وأتصور هذا الاجراء الذي يتحدث عنه هو اما تطليقي أو الزواج بأخري وتركي علي ذمته نكاية في إذا لم أجر الجراحة التي طلبها مني! فهل انا علي حق؟ وماذا أفعل حتي لا أخرب بيتي؟! آفة بعض الرجال أنهم ينساقون وراء التقليد حتي لو كانوا غير مقتنعين به, وزوجك ياسيدتي من هذا النوع الذي يعيش حياته مترددا بين اعتناق هذا الفكر أو ذاك, ويكون دائما مسلوب الإرادة فتحركه أهواؤه ويوجهه أقرانه وأصحابه بل ويملون عليه أحيانا إرادتهم. والمسألة ليست في سفره إلي الخارج كما أتصور, وإنما هي انسياقه وراء تطبيق ما يسمعه من الأصدقاء الذين لا يعيرون تعاليم الأديان اهتماما, فيتحدثون عما تفضي به زوجاتهم إليهم.. أو العكس وربما يزيدون كلاما عن افعال لم تصدر أساسا من باب أن كلا منهم يحاول أن يظهر نفسه في صورة مختلفة عن الآخرين.. وهنا يلجأ زوجك إلي المقارنة بين ما يسمعه منهم, وما يعيشه معك من واقع مغاير تماما لهذه الاحاديث التي غالبا ما يكون مبالغا فيها. من هنا نهي الإسلام عن إفشاء أسرار الزوجين, من باب الستر أولا ثم درءا للمخاطر التي قد تترتب علي إظهار العيوب والمحاسن فتكون دافعا لأصحاب السوء إلي التفكير في علاقات مشبوهة تنتهي دائما إلي ما لا تحمد عقباه. والمشكلة أن زوجك لم ينظر إلي علاقته بك كشريكة حياته من هذا المنظور, وراح يصر علي أفعال محددة في علاقته بك بل حتي يحاكي هؤلاء الشباب الذين تجمعهم دائما السهرات وجلسات السمر. لذلك فلا بديل عن الحديث معه بصراحة ووضوح عن خطورة الحديث مع الآخرين حول العلاقات الخاصة بينكما, وأن هناك من هم مرضي بالثرثرة في مثل هذه الموضوعات التي تضر ولا تنفع.. وأنه مادام يحبك ويكرر علي مسامعك الكلام الجميل الذي ترق له القلوب ويزيدكما ترابطا فما الذي يجعله يفكر فيما يفكر فيه؟ ثم ألم تجذبه قسمات وجهك, وارتاح بالنظر إليك, وارتبط بك منذ البداية وظل سعيدا طوال هذه السنوات, فما الذي تغير إذن لكي يطالبك بالخضوع لجراحة قد تترتب عليها عواقب وخيمة.. وربما غيرت ملامحك إلي الأسوأ, ووقتها لن يستطيع أن يعيدك كما كنت ولن يتمكن مشرط الجراح من إعادة وجهك إلي أصله. وعلاوة علي تعاليم الدين بأن مثل هذه الجراحات حرام ان لم تكن لضرورة فإنها تفسد الطبيعة التي خلق الله الإنسان عليها.. ولذلك فإنني أنصحه بأن يتريث في الحكم علي مثل هذه الأمور وليعلم أن السعادة لا تجلبها قسمات الوجوه, إنما يحققها التآلف والحب وخفة الروح.. أسأل الله له الهداية, ولك التوفيق, وهو المستعان.