كيف أصبحت هكذا خبرا يروي وقد كنت زينة العين والسمع, حيث السمار في كل ناد, لاسمها فوحة العطور, وفي اشراقها السمح بهجة لمن اختصته من بينهم بلفته ود, أو اشارت له بغمزة عين, فتداعت احلامه بالذي يرجو, ولكن هيهات! لن يفصح الحلم بغير الوداد, والإلف والصحبة, فليتئد قليلا ولايسرف, وإلا فما له من مكان. فهي تخفي عن الجميع معاناتها لداء وبيل, موغل في عروقها والشرايين, ولابد من دماء جديدة, كي يظل البهاء يسكن هذا الوجه, والسمت باهرا ووضيئا, والنشاط الحثيث يملأ دنياها, ولايعرفون ان وراء البشر والصفو سما لقاتل في حناياها, وفتكا بجسمها كل آن. حصدت من زمانها حكمة العيش, فلا تهمل وقتا, ولاتضيع كسبا, تلك ساعاتها القليلة, فلتعكف علي بهجة الحياة اذا واتت وشعر تهوي سماع ترانيم شداة به, فيذكو لديها حس فياضة الشعور, تذوق اللفظ في نشوة, وبسحرها المعني فتصغي اصغاء من بتتل. ذات يوم تلقف السمع القاء كلام آت من البعد, اصغي السمع للصوت واستراح إلي شعر تضيء الحياة فيه, ويدعو الناس للحب والتفاؤل والعيش بعيدا عن الهموم, عن الاحزان عن لعنة التشاؤم واليأس, فانظر لحالها وتأمل! اهي اللحظة التي تشعل الجمر, تهز الفؤاد هزا, فترتج الحنايا, ويقفز القلب في الصدر, والسدود التي علي العمر تتراح, الغريق الوحيد يمسك بالخيط, وهدي نجاته تقبل الآن, وهذا الصوت يسري بلذعة ليس يدري مزيجها من حلاوة أم مرارة؟ فلتكن خطوة تقرب بين اثنين, جاءا من كوكبين بعيدين, لكي يصنعا حياة ونجوي, ووجودا يفجر الشعر والحزن, فتسري عقارب النار في الوقت, وتضحي دقائق العمر اختطافا, ولوعة, وهزيمة, إنه المستحيل سد بغيض الوجه, مستنفز, ويداه الغليظتان تحطان علي سقف كائنين وديعين, وحلمين يذوبان في هشاشة صحو, ويطفئان شرارة. كن جميلا ترالوجود جميلا, ولكن كيف يأتي الجمال والنفس ثكلي, والكيان الضئيل تنسل منه قطرات الحياة, في كل يوم, والنذير الغريم يطبق حولينا, فما ثم ملجأ أو ملاذ, أو دليل لصحوة وبشارة, قصة مستعادة, طرفاها ينحتان الصخور حتي يخور العزم, والكائنات في سعيها اليومي, لاتدري بالفين حميمين في زمان لا إلف فيه, يخوضان وجودا سمما, ويعيشان حياة مصنوعة, مستعارة. ارتضينا القليل لو كان يجدي, والفضاءات من بعيد خيانات, وكل الذين كانوا بدنيا الامس سمارها تولوا, وما عادوا إلي ذكرها, كأن سرابا يمتد قدام حبيبين, لايلويان, يغذان مسيرا, ويلعقان هجير المحل, فهل يسعف الغرام الذي كان, وهل يوقف الغريم الذي يسعي حثيثا, وسوف يدرك ثاره؟ قاومت ما استطاع جهد الحبيبين, وكان البريق يرحل من عينين لم تعرفا سوي الحب والود, وفي عمق قراريهما رؤي وحكايات واسفار تقضت, ووجوه عاشت لها ووجوه قد أظلت عبر الكتابات, عبر الشعر, والهمس, والشجون العميقة المستثارة. ودعتنا, وجاء صمت العبارة! المزيد من مقالات فاروق شوشة