الأمر الذي لا يغيب أبدا عن أعيننا أن هناك اهتماما دائما من السيد الرئيس محمد حسني مبارك بآثار وحضارة مصر.. ودائما ما نجده مساندا لقضايا التراث المصري والأثريين حراس هذا التراث. ويظهر اهتمام الرئيس بالآثار من خلال حرصه الدائم علي زيارة المواقع الأثرية وافتتاح المتاحف الجديدة والمناطق الأثرية بعد تطويرها وفتحها للجمهور والسائحين. ولعلنا نذكر جميعا زيارته المهمة لمعبد الملكة الجميلة حتشبسوت بالدير البحري بعدما طالت يد الإرهاب الغاشم زوار حتشبسوت الآمنين, ولولا زيارة الرئيس وظهوره أمام العالم يتجول في المعبد ويسأل من حوله من المسئولين ويتبادل الحديث مع السائحين. لكانت السياحة في مصر قد توقفت لسنين يعلمها الله. بالإضافة إلي حرصه الدائم علي زيارة الاكتشافات الجديدة, ولعلنا نذكر زيارته لمعبد الأقصر وموقع خبيئة التماثيل التي كشف بها عن23 تمثالا, وكذلك زيارته المهمة لموقع جبانة العمال بناة الأهرامات في الجيزة, والتي قمت بالكشف عنها في مطلع التسعينيات من القرن الماضي. ونحن الآن ندعو الرئيس مبارك لزيارة وافتتاح متحف التماسيح الذي يقع ملاصقا لمعبد كوم امبو, وبه تعرض مومياوات22 تمساحا في شكل الإله سوبك وكذلك ندعوه لزيارة شارع المعز, وافتتاح متحف النسيج الذي يحكي قصة النسيج في مصر من أقدم العصور وإلي العصر الحديث.. ونتمني أن يقوم الرئيس مبارك ومعه الفنان فاروق حسني وزير الثقافة بافتتاح هذه المتاحف قريبا إن شاء الله, ويتلوها افتتاح متحف المجوهرات بالإسكندرية ومتحف السويس القومي, والكنيسة المعلقة بالفسطاط بعد ترميمها, ومتحف الفن الإسلامي بباب الخلق التي سيتم الانتهاء منها كلها إن شاء الله خلال أشهر قليلة. ولقد حرص الرئيس مبارك علي استكمال أعمال الكشف وتطوير طريق الكباش, وكان لتشجيعه مفعول السحر وقد دفع كل العاملين في الأقصر للعمل بأقصي طاقاتهم وبشكل غير مسبوق لاستكمال أعمال الحفائر في طول مسار الطريق في خلال ست فرق من الأثريين والعمال, يقودهم منصور بريك المشرف العام علي آثار الأقصر, بجانب فريق من المرممين المصريين يقودهم الدكتور محمود مبروك. ويتم حاليا استكمال العمل في بناء أسوار بسيطة من الطوب اللبن عن طريق جهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة, وذلك علي جانبي الطريق تتناسب وطبيعة طريق الكباش, وتؤدي إلي تواصل العلاقة بين الناس والطريق. وفي نفس الوقت يقوم الدكتور سمير فرج محافظ الأقصر بكل همة وشجاعة بالاتفاق مع الأهالي الذين بنوا منازلهم علي مسار الطريق, وذلك من أجل الانتقال إلي أماكن أخري بعد تعويضهم عن منازلهم أو حقولهم الزراعية التي أقيمت علي مسار طريق الكباش. وقد دفع المجلس الأعلي للآثار حتي هذه اللحظة ما يقرب من ثلاثين مليون جنيه تعويضات للأهالي.. محققا أملا وحلما ظل يراود كل الأثريين سواء في مصر أو في العالم من حولنا بإعادة الكشف عن طريق الكباش, وإعادة العلاقة بين معبدي الكرنك والأقصر كما كانت في العصور القديمة, لقد أصبح لدينا بالفعل منظومة عمل جاد يراقبها ويذلل العقبات من طريقها الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء, الذي صرح بأنه يحلم بمشاهدة طريق الكباش وقد اكتمل الكشف عنه.. وكانت كلمات الرئيس مبارك خلال زيارته الأخيرة للأقصر مؤكدة أن الوقت قد حان لإحياء هذا الطريق العظيم. تعالوا نعود ثلاثة آلاف عام إلي الوراء وبالتحديد إلي عصر الملك أمنحتب الثالث الملقب بالباشا وذلك لكثرة أعماله الانشائية من قصور وحدائق وإضافات إلي معابد ومقاصير للآلهة, إلي جانب عشقه لزوجته الملكة تي التي شيد لها منتزها بداخله بحيرة, وذلك في قصرها المنيف بمنطقة الملقطة لكي تتنزه بقاربها داخل البحيرة.. ولقد كان أمنحتب الثالث هو الملك الأول الذي بدأ في عمل طريق الكباش ونحت تماثيل للكباش الرمز المقدس للإله آمون سيد الأقصر.. حملت هذه التماثيل اسم الملك أمنحتب الثالث, وذلك عند البوابة الجنوبية لمعبد خنسو بالكرنك. بعدها قام الملك نختانبو الأول من ملوك الأسرة30 ببناء طريق أبو الهول علي نفس مسار طريق الكباش. وهو عبارة عن طريق مرصوف ببلاطات من الحجر, وعلي الجانبين التماثيل التي تمثل الملك علي هيئة أبوالهول. وهذه التماثيل قد نحتت من الحجر الرملي برأس الملك وجسد الأسد ووضعت علي قواعد مرتفعة وبامتداد يصل إلي نحو2700 م وبها نحو1350 تمثالا لأبو الهول راقدة علي الجانبين. وقد تم من قبل الكشف بهذا الطريق عن حوالي34 تمثالا فقط.. أما عن السبب في إقامة هذا الطريق لأنه طريق للاحتفالات والمواكب المقدسة يربط بين معبد الكرنك منزل الإله آمون ومعبد الأقصر وبه يقيم آمون في صورته كا موت إف أي ثور أمه, وكان علي آمون الكرنك أن يزور معبده في الأقصر مرة كل عام لكي يجدد طاقته عن طريق صورته كا موت إف, بعدها ينتقل لزيارة المقابر والمعابد الجنائزية بالبر الغربي. وقد دخلنا في مرحلة العمل الجاد في طريق الكباش, وخلال زيارتي الأخيرة للموقع ومعي الدكتور محمود مبروك وصبري عبدالعزيز رئيس قطاع الآثار المصرية, قمنا بزيارة الموقع الأول الذي يقع إلي جنوب الطريق المؤدي إلي مطار الأقصر بمسافة700 م, وهي المنطقة الأولي التي يتركز العمل فيها, وتم العثور علي مجموعات كبيرة من التماثيل بها.. ومن الجميل أن التماثيل قد عثر عليها أسفل الطريق في كل الأماكن التي تم إزالتها, وهذا أمر طبيعي يعرفه كل الأثريون.. وقد وصل عدد التماثيل التي تم ترميمها إلي الآن نحو650 تمثالا. ولقد كانت لحظة وصولنا إلي الموقع لحظة الكشف عن أحد رءوس التماثيل والتي رأيت أن ملامحها تختلف عن باقي ملامح التماثيل المجاورة, مما يرجح أن هذه التماثيل تنتمي لأكثر من أسلوب ومدرسة فنية خلال عصور مختلفة, أي أنها لا ترجع كلها إلي عصر واحد. وفي نفس موقع هذا الرأس تم العثور علي رأس أخر مكسور إلي عدة قطع.. تم ترميمه في الحال وبدأ فريق العمل في عمل قواعد حجرية لإعادة نصب هذه التماثيل عليها.. وأجمل ما يمكن رؤيته هو المرسم المصري وهو يقوم بكل صبر ومهارة في تركيب قطع التمثال بعضها إلي بعض في عملية فنية جميلة ورائعة. وكانت هناك مفاجأة, اخري في انتظارنا بالكشف عن خرطوش الملكة كليوباترا السابعة المشهورة في التاريخ القديم لعلاقتها ب يوليوس قيصر ومارك أنتوني وربما كانت الملكة قد أمرت بنحت بعض تماثيل أبوالهول بصورتها لتوضع علي جانبي الطريق أثناء رحلتها النيلية المشهورة مع يوليوس قيصر. ومعروف أن تدمير طريق الكباش قد بدأ خلال العصر الروماني.. وقد تم العثور علي معصرة نبيذ رومانية في حالة ممتازة تدلنا علي مراحل صناعة النبيذ خلال هذا العصر, وكذلك ورشة لصناعة الفخار, وقد احتلت جزءا من حرم طريق الكباش.. وهناك اعتقاد قوي أن جزءا من تماثيل هذا الطريق التي تقع أسفل الطريق الأسفلتي الذي يتم إزالته حاليا يرجع إلي الملكة الجميلة حتشبسوت التي ذكرت في نقوش مقصورتها الحمراء بمعبد الكرنك أنها شيدت ستة مقاصير للإله آمون رع علي الطريق الذي يربط بين معبدي الكرنك والأقصر. ولقد قمنا بتقسيم الطريق إلي خمسة قطاعات بإجمالي طول2700 م, الأول يقع أمام معبد الأقصر ويمتد حتي شارع يوسف حسن بطول200 م والثاني هو الأصعب نظرا لمرور كابلات الكهرباء والتليفون ومواسير الصرف الصحي به, وهي المشكلة التي يقوم حاليا الدكتور سمير فرج بحلها لكي يتم استكمال العمل بالطريق.. ويبلغ طول القطاع الثالث650 م ويمتد من شارع المطحن وحتي طريق السنترال, وكان فوقه منازل عشوائية تم إزالتها بالكامل, أما المنطقة الرابعة فهي التي تقع خلف مكتبة مبارك العامة في المنطقة المحصورة بين شارع المطار وشارع المطحن وبطول600 م, والقطاع الخامس هو أطول القطاعات ويمتد من شارع المطار حتي معبد الكرنك. نكاد لا نصدق أنه تم حتي الآن إزالة أكثر من سبعمائة منزل عشوائي وتعويض كل الأسر التي سكنتها.. بحيث لم يضار أحد, بل كسب الجميع وهي حقيقة لنا جميعا أن نفتخر بها, ونعتبرها تجربة رائدة نتمني تكرارها في مناطق أثرية أخري تكالبت عليها مشكلات العشوائيات. ويتم حاليا إزالة السور الحجري الذي لا يتناسب وطبيعة المنطقة, وقد قمنا بإنشاء سور خرساني لحمايةالطريق والمنازل المحيطة, ثم غطي بحجر رملي, وتم تغطيته بالطوب اللبن. ونقوم بإعداد المنطقة الأولي المجاورة لمعبد الأقصر لاستقبال الزائرين, والمحافظة علي البلاطات الحجرية القديمة دون تغيير.. وكذلك الحفاظ علي كل المظاهر الأثرية من صهاريج وورش ومصانع قديمة علي امتداد الطريق الأثري. إن ما يحدث الآن بطريق الكباش هو معجزة بكل المقاييس, وهو مشروع رائد يتم لأول مرة لانقاذ وإعادة أهم طريق مقدس ارتبط بأهم عيد ديني في مصر القديمة وهو عيد الأوبت. وبإذن الله سوف يشهد شهر مارس المقبل افتتاح الرئيس مبارك لطريق الكباش ليكون أحد أهم المزارات السياحية بالأقصر العريقة. www.zahihawass.com المزيد من مقالات د. زاهي حواس