في مقال سابق لنا أشرنا إلي أنه ولأول مرة في التاريخ فيما نعلم تواجه مصر مخاطر جسيمة من حدودها الأربعة معا وفي وقت واحد. فهناك في الشرق إسرائيل ومايحدث في سيناء والشيخ زويد علي الحدود ولن أزيد, وفي الغرب طوفان من السلاح والنازحين من ليبيا إلي مصر. بسبب حرب طاحنة تدور هناك, وفي الجنوب مخاطر عظمي علي مياه نهر النيل.. تهدد الحرث والنسل, وفي الشمال تظهر كميات هائلة من الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط تدخل في نطاق الحدود البحرية المصرية, ولكن إسرائيل تعلن أنها سوف تقتسم هذا الغاز مع قبرص فقط. وبناء علي ماتقدم فإن القوات المسلحة المصرية, ينبغي أن تتخذ الآن مكانها علي الحدود المصرية, لتدافع عنها, وعن شرف الشعب المصري ومصالحه وحقوقه وكرامته, ولاينبغي لها أن تنصرف عن هذا الواجب الأساسي كما يجب ألا يفرض عليها التورط في الشأن الداخلي, ولا أن تستدرج إلي ذلك. ومفاد ذلك أن الانشغال الحالي للقوات المسلحة المصرية بما يدور في داخل مصر هو من قبيل الاستثناء والاستثناء لايقاس عليه ولايتوسع فيه. لكن السؤال الذي يثور الآن يدور حول من الذي يتولي القيام بتلك المهام الكبري التي يقوم بها الجيش في الداخل في المرحلة الحالية؟ والإجابة تفترض أنها الشرطة, لكن الكل يعلم أن هيبة الشرطة الآن وللأسف مجروحة, وقوتها اللازمة لتنفيذ القانون منقوصة, وأيديها رخوة مهزوزة, فمن إذن الذي عليه أن يسهم في ملء الفراغ الكبير القائم في مصر حاليا بما لايشغل الجيش وإلي أن تتعافي بإذن الله الشرطة وتسترد هيبتها وقوتها؟ من الذي عليه الآن أن يجوب الشوارع ليقوم بالتنسيق مع الشرطة ومع الآخرين بأعمال الإغاثة وأعمال الدفاع المدني وكذا المحافظة علي الوحدات الانتاجية بالمصانع والمؤسسات التي تكاد تشل بسبب الوقفات الاحتجاجية والامتناع عن العمل؟ ومن الذي عليه الآن أن يقوم بمراقبة الأسواق ومراقبة التموين, وذلك بعد أن وصل التلاعب في وزن رغيف الخبز إلي مداه, وبعد أن بدأ البعض من معتادي التلاعب بطعام الشعب في ممارسة إجرامهم. ومن الذي عليه أن يتابع ويلاحظ انتخابات برلمانية ورئاسية في أشهر معدودة( انتخابات مجلس الشعب والإعادة الخاصة بها وانتخابات مجلس الشوري والإعادة الخاصة بها والانتخابات الرئاسية واستفتاء الدستور). ومن الذي عليه الآن رصد والإبلاغ عن مخالفات البناء علي الأراضي الزراعية, وعمليات تلويث مياه النهر بل إشغالات الطريق, مما يجعلنا نتساءل هل ذهب الفساد الأصغر ليحمل محله الفساد العام الأكبر! ومن الذي عليه أن يسهم في بناء أضرحة وكنائس هدمت وأقسام شرطة حرقت, والاقتراح الذي نقدمه والذي نري أنه سوف يساهم في حل جزء هام من المشكلة يتمثل في الاتجاه إلي قانون تم تجاهله وإغفاله وسقط علي أهميته في غياهب الحبس وهو القانون رقم67 لسنة3791 في شأن الخدمة العامة للشباب الذي أنهي المراحل التعليمية. ومن يطلع علي هذا القانون يجد أنه يتضمن جواز تكليف الشباب من الجنسين الذين أتموا من مراحل التعليم المرحلة الثانوية, أو أية مرحلة معادلة أو مرحلة التعليم فوق المتوسط أو مرحلة التعليم العالي ممن يزيدون عن حاجة القوت المسلحة وذلك للعمل في مجالات عديدة وردت في المادة الأولي في هذا القانون, وأهمها أعمال الإغاثة والدفاع المدني, وملاحظة وحدات الانتاج بالمصانع والمؤسسات ومتابعة أعمال التموين وتنظيم وصرف مقررات السلع الاستهلاكية والاشتراك في تعمير المصانع والمرافق والمباني العامة والمدن التي تصاب نتيجة التخريب والكوارث ويلاحظ أن هذه المادة أجازت إضافة ميادين أخري, ووفقا لأحكام هذا القانون فانه يتم تدريب المكلف لمدة شهر منه تدريب نظري عام لمدة أسبوع, ثم تدريب نظري نوعي لمدة أسبوع, ثم تدريب عملي مدته أسبوعان, ويتم هذا التدريب وفقا لبرامج تدريبية تعدها الوزارات والجهات المعنية, هذا وقد حددت المادة الثالثة من هذا القانون مدة التكليف بالخدمة العامة بسنة, ويسمح لمن يصدر قرار بتكليفه بالتقدم إلي الوظائف الحالية في الحكومة أو غيرها في المؤسسات والهيئات العامة, ولايتسلم عمله مالم يكن حاصلا علي شهادة تفيد أداءه الخدمة التي كلف بأدائها أو أنه لم يكلف وتضاف مدة التكليف إلي مدة الخدمة للمكلف ويمنح المكلف مكافأة شهرية تشمل الملابس والانتقالات وتتحمل الجهة التي يعمل بها المكلف بالنفقات الأخري, ونص القانون علي أن تصدر وزارة الشئون الاجتماعية بالأتفاق مع وزارة الحكم المحلي القرارات اللازمة بإنشاء الأجهزة الوظيفية التي تقوم علي تنفيذ القانون, كما أجاز القانون إنشاء لجان مناظرة علي مستوي المدن والأحياء, كما قرر تشكيل لجنة في كل محافظة برئاسة المحافظ وعضوية رؤساء المصالح والجامعات, لاقتراح خطة عمل المكلفين وتوزيعهم علي الأعمال المطلوبة, والإشراف عليهم واعتماد نتائج أعمالهم. وفي جانبنا فإننا نري أهمية إعادة الحياة لهذا القانون وإخراجه من بئر النسيان وأن يعاد تفعيله باعتباره أحد أهم القوانين التي صدرت في مصر وهو يتناسب مع الوضع الحالي للبلاد, فضلا عن أنه يتيح الفرصة الحقيقية لاستثمار جهود الشباب المثقف وتوجيه طاقاته للعمل الصالح وايجاد روح العمل الجماعي, مع تكوين احتياطي ضخم مدرب من الشباب المثقف لمواجهة الطوارئ, ويساعد في سد العجز البشري في بعض مجالات العمل. وهكذا فإن استدعاء هذا القانون وبعثه إلي الحياة, بالإضافة إلي اقتراحنا السابق لنا تقديمه والخاص بإنشاء ديوان المظالم ليتولي فورا بحث وحل المطالب الفئوية وفقا لبرنامج زمني محدد, وذلك كبديل عن الوقفات الاحتجاجية التي تهدد بتخريب الاقتصاد القوي في مصر. فإننا بذلك نري أن إحياء قانون الخدمة العامة, وإنشاء ديوان المظالم يمكن أن يضعا أساسا مقبولا لحل بعض أهم المشاكل الكبري لوطن في حالة خطر. نائب رئيس مجلس الدولة