علي مدي أربع ساعات إستمعت الي الأديب الأسباني العالمي خوان جويتيسولو(80 عاما). ساعتان خلال حوار مع الروائي المصري والعالمي أيضا علاء الأسواني بحديقة المركز الثقافي الأسباني بالدقي. علي مقربة من ضفاف النيل مساء الثلاثاء. و مثلهما صباح أمس الأربعاء بفندق شبرد المطل علي النيل مباشرة. وذلك في جلسة ضمت خمسة صحفيين, كنت أحدهم. وفي الطريق بين اللقائين تذكرت ما حفره الأدباء الأسبان علي مدي القرن العشرين في وجدان المثقفين المصريين والعرب. وهل بينهم من ينسي دون كيخوته ل ثربانتس التي ترجمها الراحل الدكتور عبد الرحمن بدوي في الستينيات و قصائد جارسيا لوركا, و مسرحيات أنطونيو باييخو بما في ذلك رائعته القصة المزدوجة للدكتور بالمي والتي قدمها المسرح المصري في الثمانينيات بعنوان دماء علي ملابس السهرة. وفي كل هذا وغيره ما يتصل بقضايا الإنسان والحرية والدكتاتورية والقمع البوليسي والتعذيب. وبالنسبة للكاتب و الأديب الأسباني الكبير فهذه هي أول زيارة لمصر منذ عام2008. أما بالنسبة لمصر ثورة25 يناير فهي أول زيارة لشخصية ثقافية دولية رفيعة منذ إندلاع الثورة. الأمر الذي يكسب حدث الزيارة و ماقاله جويتيسولو أبعادا سياسية وثقافية معا. ويضاف الي هذه الأهمية أن الرجل كان شاهدا علي عصر الثورات العربية في الخميسنيات والستينيات ومتضامنا فاعلا معها,وبخاصة مع الثورة الجزائرية. هذا الأديب عاشق للثقافة العربية والإسلامية من موقع النقد. وكما يقول: أنا لا أنتقد أعدائي لأنهم قد يتعلمون. وبعدما رحل الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي بيوم واحد تنبأ خلال حفل توقيع لأحد كتبه الجديدة في برشلونة إندلاع الثورة في مصر قريبا. ولذا بادرت بسؤاله عن دوافعه في هذا الحدس السياسي فيما كانت آلة دعاية عملاقة تمتد من القاهرة الي واشنطن تنفي أن مصر هي تونس, فقال: في آخر زياراتي لمصر وكنت قد انقطعت عنها لإحدي عشر سنة سابقة لمست دوافع اقتصادية اجتماعية قوية للثورة. أنا بطبعي رجل فضولي و أحب التحدث للبسطاء. ولذا تحاورت مع شرطي مرور وسألته عن راتبه الشهري. وعندما علمت انه أقل من ستين يورو, تساءلت مع نفسي: كيف لإنسان ان يعيش بهذا المبلغ حياة كريمة. ويضيف: كانت الأزمة الاقتصادية الإجتماعية تتفاقم كما لا حظت بنفسي بين زيارتين. وفي الوقت نفسه جلبت تكنولوجيا المعلومات الحديثة العالم الي المصريين, بمن فيهم البسطاء. وهنا أود الإشارة الآن انه لو كانت هذه التكنولوجيا من الفيس بوك وتويتر متوافرة أيام مجازر الصرب ضد مسلمي البوسنة في مطلع عقد التسعينيات لما حدثت أصلا. ولقد جاء حدس جويتسولو بالثورة المصرية عندما واجهه الجمهور في حفل توقيع كتابه في برشلونه باستفهام ينطوي علي توقع بأن الجزائر هي التالية لتونس. لكنه أجابهم قائلا: لا.. الناس في الجزائر خائفون نتيجة تجربة الحرب الأهلية في التسعينيات. وقد لا يجرأون علي مواجهة جديدة مع السلطة. ويضيف: عندما ثارت مصر سألوني: هل كان لديك معلوماتك الخاصة ؟.. فأجبتهم: مطلقا.. فقط كنت حينها أتذكر صور الدكتاتور بن علي في شوارع تونس تماما كصور الدكتاتور مبارك في شوراع القاهرة. جويتيسولو يري شبها بين الدكتاتوريين من فرانكو أسبانيا(1939 1975) الي مبارك مصر(981 2011) مرورا ببن علي و ستالين. ليس علي مستوي السياسة فقط بل في العداء للثقافة واهمال التعليم علي نحو خاص. وينتقد بشدة بقاء الأمية في مصر والعالم العربي وانهيار النظم التعليمية و جمودها. ولذا فقد صدر واحدة من مقالاته عن الثورات العربية التي نشرها في صحيفة الباييس الاسبانيه بعبارة لقيصرة روسيا ايكترينا الثانية تقول: لا يجب للعامة تلقي أي تعليم.. فإذا اصبحوا يعرفون كثيرا مثلي فسوف يقومون بعصياني بالدرجة نفسها التي يطيعونني بها الآن. الأديب الأسباني العالمي المقيم في مراكش منذ عام1997 كان يتابع أخبار الثورة المصرية لحظة بلحظة من الصحف العالمية, وبشكل خاص من الفضائيات وبخاصة فناتي الجزيرة باللغتين العربية والإنجليزية. ويتذكر أنه فور الإعلان عن تخلي مبارك عن السلطة مساء11 فبراير الماضي استقبله الناس في حي القنارية الشعبي حيث يسكن بعلامات النصر, فيما اعتادوا علي مناداته باسمه الأول مجردا من أي لقب خوان. ويحكي كيف كان قبلها يتابع مشاهد الثورة في ميدان التحرير بالقاهرة, ويقول: هذه المشاهد استدعت عندي ملامح الميدان التي اعرفها من قبل, حتي انني كنت اتبين زوايا التصوير و من أين يجري التقاطها. ويضيف: حقيقة.. كنت اشعر بأنني بينكم هنا. جويتيسولو ينبه الي سهولة اقامة الدكتاتوريات قائلا: يستولي عسكريون علي السلطة.. ثم يعلنون انهم سيحكمون.. هكذا ببساطة. لكنه يؤكد في الوقت ذاته علي صعوبة بناء دولة ديموقراطية. ويقول: طريق الديموقراطية أصعب وأطول وتكتنفه العقبات و المصاعب.. وهذه هي خبرة أسبانيا التي عاشت لنحو36 سنة من عهد الدكتاتور فرانكو. ولذكري دكتاتورية فرانكو معان اليمة عند أديبنا. فقد مارتت والدته في بداية هذا العهد تحت قصف جوي لطائراته ويضيف: يوم وفاة فرانكو في عام1975 كتبت حينها مقالا يعكس ما كان يفكر فيه الأسبان. وأظن انه يصلح تماما لاكتشاف لحظة رحيل مبارك عند المصريين. و قد عرض الأديب الأسباني الكبير ان يمنح الأهرام حق نشر ترجمة لهذا المقال. وعندما سألت جويتيسولو: هل يخشي علي الثورة المصرية من العسكريين ؟, أجاب باقتضاب: يجب أن يحدث اتفاق حول الانتقال الديموقراطي. الطريق صعب وطويل وملئ بالأشواك والمشكلات. ولذا يتعين ان يستمر الضغط الشعبي. أما عن الإخوان فقد استبعد طموحهم في السلطة الآن. وقال موضحا: أظن انهم باتوا يدركون تنوع الشعب المصري الديني والفكري. ولا أتخيل ان يسعوا لفرض نموذج معين عليه. بل أنني أعتقد بأن النموذج الذي يتعين علي الإخوان في مصر اتباعه هو النموذج التركي المنفتح علي الديموقراطية. و سألته: هل التقي بشخصيات من الإخوان ؟. فأجاب بالنفي, قائلا: لست مغرما بالسياسيين.. أنا مهتم أكثر بالناس العاديين في الشارع. ولكن ماذا عن طارق رمضان المفكر الإسلامي المقيم في أوروبا وحفيد المرشد الأول للجماعة حسن البنا. هنا قال: قابلته منذ نحو أربع سنوات.. ولديه أفكارا معقوله. الأديب الأسباني العالمي يبدي تفاؤلا بمستقبل الديموقراطية والتقدم في العالم العربي. ويقول: موجة الثورات لن تتوفف. لكن كل بلد له أوضاعه المختلفة. وضرب مثلا باليمن حيث القبائل والسلاح علي نطاق واسع. أما عن تأثير ما يجري في العالم العربي علي إسرائيل فيقول: العالم العربي يتغير اما السياسة الإسرائيلية فهي جامدة ومحلك سر. ويضيف: كان يقال علي سبيل الخطأ ان اسرائيل هي البلد الديموقراطي الوحيد في هذه المنطقة. فأين هي ديموقراطيتها من الفلسطينيين؟.. أما الآن فيصعب ترديد هذه المزاعم مرة أخري. و لما كان جويتيسولو نصير معروف للقضية الفلسطينية و مدافعا عن حقوق الفلسطينين بما في ذلك الكفاح المسلح المشروع, لذا فإنه يقول: ذهبت الي فلسطين مرارا.. وتألمت من استمرار الإحتلال الإسرائيلي. و لا حظت في زيارتي لقطاع غزة بعد اتفاقات أوسلو حجم الفساد في السلطة الفلسطينية. العشوائيات الفقيرة هناك في مواجهة قصور أصدقاء عرفات. وعن توقعاته للسياسة المصرية تجاه فلسطين بعد الثورة قال: المطلوب فتح الحدود مع غزة. ولطالما رأيت نظام مبارك متواطئا مع إسرائيل في هذا الحصار الجريمة. وأضاف: الدور المصري مطلوب أيضا في ادانة الإحتلال والقمع الاسرائيليين وفي دعم الشرعية الدولية.