منذ أن استبب له الأمر في الداخل ومع تراجعه في الخارج الأوروبي والأمريكي معا سعي العدالة والتنمية الحاكم في تركيا إلي إيجاد دور له سواء بالجوار المتاخم أو بمنطقة الشرق الأوسط القريبة من الفضاء الأخلاقي والديني للاناضول . مستغلا العواطف العربية الجياشة تجاه زعيمه رجب طيب اردوغان بعد حادثة الأخير بدافوس السويسرية قبل ثلاث سنوات والتي تمثلت في مقاطعته ورفضه الحديث مع الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز والتي أعتبرت بطولية في زمن أفتقر فيه العرب للبطولات. لكن يبدو أن الطريق لم يكن ممهدا فبجانب عثراته الهائلة وفجواته الغائرة وتضاريسه التي غابت عن الذهن التركي الذي آل علي نفسه طوال عقود اربعة كاملة أن يولي وجهه شطر الغرب ولايرضي عنه بديلا زاد أن تركيا' المختلفة' بعد أن قررت العودة لم تستطع أن تقرأ المستجدات في دواخل الناطقين بلغة الضاد خصوصا في السنتين الأخيرتين بيد أنها فوجئت بالعواصف العاتية التي جرفت أنظمة كان يعتقد أنها أبدية وهنا كانت الحيرة التي ما بعدها حيرة وها هي تطبع أداءها وتوسمه بالخجول إجمالا حيال رياح التغيير الجامحة في أقطار العالم العربي فالخوف كل الخوف أن تكون زوابع تنفض وتتلاشي تحت سطوة آلة الأمن العجيبة وفقا لتراث قمعي معروف لدي حكامها ومن ثم فالتروي واجب وعدم الإنسياق مطلوب حفاظا علي العلاقات مع هؤلاء القادة من جانب وحماية المصالح المشتركة من جانب ثان وبإستثناء الحالة الثورية المصرية التي كان موقف أنقرة فيها واضحا لا لبس فيه بل أنه تجاوز الأعراف الدبلوماسية من فرط جرأته غير المتوقعة خرجت المواقف بدءا من بلجت حيث وزارة الخارجية مرورا بالبشباكللنك مقر السلطة التنفيذية إنتهاء بالكشك أي القصرالجمهوري بالنسبة إلي ثورة تونس والتغيير في ليبيا متذبذبة مترددة متخبطة ففي اللحظة التي دعت عاصمة' العدالة والتنمية' الأطراف في تونس الخضراء إلي ضبط النفس والبدء في حوار كان زين العابدين بن علي يفاجئها بالهروب إلي السعودية معلنا الإنتصار المدوي للطرف صاحب الحق ألا وهو الشعب التونسي وبخصوص الشأن الليبي اتسمت الرؤي التركية الرسمية بمزيد من الاضطراب بدليل أنها حملت الشئ ونقيضه في نفس الوقت محاولة مسك العصا من النصف. غير أن الحاصل من نتائج هو ان وريثة الأمبراطورية العثمانية جنت إمتعاضا وإستياء من قبل المحلس الانتقالي الليبي الذي رفضا قاطعا خارطة الطريق الاردوغانية والسبب أنها خلت من مطلب أساسي وهو تنحي العقيد معمر القذافي. فلماذا أذن لم يدع رئيس الحكومة التركية صديقه القذافي الذي واجه مظاهرات أبناء شعبه بالدبابات والصواريخ بالرحيل وهي نفس الدعوة التي وجهها' كأخ' للرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي استخدم القنابل المسيلة للدموع وقناصة برصاص حي؟ وتفسير ذلك يعلمه الكافة فأردوغان كان يعلم كم يكن له مبارك كراهية مفرطة وكان ينتظر الفرصة وها قد جاءته علي طبق من ذهب فراح يرد الصاع صاعين وهو ما يعني أن حمأة الرجل وغيرته وحرصه علي شعب الكنانة لم تكن خالصة لوجه الله أو للديمقراطية والدليل ما يحدث في الدولة الجارة للمحروسة وما يدعو للإثارة والدهشة أنه كان يفترض وجود ثأر قديم نسبيا بين أنقرة وطرابلس. فقبل أربع عشرة سنة تقريبا وأثناء زيارة الراحل نجم الدين اربكان رئيس وزراء تركيا الاسبق للعاصمة الليبية وخلال المباحثات الرسمية قام الأخ العقيد القذافي بدون مناسبة بهجوم كاسح علي الجمهورية التركية وسياسات العمالة التي تنتهجها مع الغرب والدولة العبرية الصهيونية ضد العالمين العربي والإسلامي وكانت طريقته في الكلام فجة لم تراع أبسط قواعد البروتوكول مسببا حرجا بالغا للضيف الذي كان يوصف بأنه أول سياسي ذو خلفية إسلامية يحكم تركيا العلمانية غير أن ذاكرة من كان ذات يوم تلميذا مخلصا للخوجا الكبير أربكان تناست تلك الواقعة وكأنها لم تكن أو علي الاقل تجاوزها من منطلق برجماتي فالواقع علي الارض الليبية يدر عوائد سخية علي رجال الاعمال الاتراك لكن الرياح ربما تأتي بما لا تشتهي السفن فما تم تدشينه علي ارض معمر القذافي قد يطيح به ورثة عمر المختار الذين باتوا قاب قوسين أو ادني من تحقيق النصر الموعود. وهنا يمكن أن نخلص إلي القول بأن ازمات الخارج تشكل تحديا أمام السياسة الخارجية لأي دولة ويكون النجاح أوالخسارة في كيفة التعامل معها ومواجهة تداعياتها علي مصالحها قد يكون الارتكان في المنتصف مفيدا شريطة ألا يكون إنتقائيا أو أن ينقلب إلي النقيض بعد أن تقترب الشعوب من الاطاحة بطواغيتها ففي هذه الحالة يصبح التأييد ممجوجا لا جدوي منه فالمنتصرون لا ينسون من وقف معهم لحظة البداية ومن كان ضدهم أو الذين انتظروا لمن ستكون الغلبة وهذا ما ينطبق علي تصريحات الرئيس التركي عبد الله جول التي أدلها بها في إندونسيا خلال زيارته الأخيرة لها عندما وصف أخيرا نظام القذافي بأنه منغلق ولم يعد له مكان!! ويصبح السؤال: هل ستحذو تركيا العدالة والتنمية المنهج ذاته مع جارتها سوريا؟