عندما يصبح البحر وطنا وسرا من أسرار الحياة يغدق بالخيرات والنعم علي زواره من طالبي الرزق, ينسج حكايات بين الغواص والبحر تلهم الراوي عالما من الحكايات والروايات وأسرار البحار. هذا العالم المليء بالإثارة والمتعة والتشوق غاصت فيه رواية البحار للكاتب السوري الشهير حنا مينه كأن, أثبت أن عالمنا صغير جدا, حيث توغل بنعومة شديدة في عالم صائدي اللؤلؤ في أعماق مياه الخليج العربي, فتنسج في خيال كل منا بدقة متناهية ليل البحارة في جوف البحر شغفهم ومعاناتهم بحثا عن الرزق في أعماق البحر, وهم ينسجون أحلام البسطاء في أغاني ومواويل الصبر الطويلة علي شواطئ البعاد عن الأهل والأحباب. منذ أيام أسدل الستار علي فعاليات النسخة الثانية لمهرجان قطر البحري الذي استمر لعشرة أيام, قدم خلالها عددا من الفنون الشعبية الفلكلورية والثقافية بشكل مميز, واستقطبت أعدادا كبيرة من الزوار من كل الأعمار بلغوا نحو مائة وخمسين ألف زائر خلال أيام المهرجان علي الشاطئ الشرقي من مؤسسة الحي الثقافي كتارا, سعي المهرجان إلي نشر الوعي الثقافي والحضاري بتراث قطر البحري الغني بالمواويل والغناء أو الزهيريات السباعية, التي تحتشد بها الأشواق والحنين للأهل والديار في ظلمة رحلات الغوص التي تبدأ في الربيع برحلة قصيرة تسمي الخناجية وتستمر لمدة شهر, يعقبها مباشرة الموسم الرئيسي للغوص, وهو ما يسمي الغوص العود أي الكبير, والشروع في هذه الرحلة التي تستمر لمدة4 أشهر و10 أيام تسمي الدشة أو الركبة, ونهاية هذه الرحلة وعودة السفن إلي الديار يطلق عليه القفال, والمقصود بها احتفالية تقام للقاء الغائبين علي طول شواطئ الخليج. في الحفل الافتتاحي لمهرجان قطر البحري عرضت مسرحية أسرار البحر لأول مرة وسط حضور واهتمام كبيرين بكلمة الشيخة هنادي بنت ناصر آل ثاني رئيسة اللجنة المنظمة للمهرجان, أشادت فيها بروح الإلهام التي يبعثها جمال وسحر البحر الذي يمتزج بتراث قطر. بدأت أولي فعاليات المهرجان البحث عن الحقيقة بمسرحية أسرار البحر أحد الأعمال الفنية الاستعراضية التي تلامست فيها التقاليد القديمة للتراث البحري للشعب القطري وأحلام وطموحات المستقبل, وامتزجت فيها جهود فنانين قطريين وإيطاليين لينتجوا عملا مسرحيا علي أكثر من عشرة مشاهد استعراضية بإشراف المخرج الإيطالي العالمي غينو لاندي. وأبدع الشاعر القطري عبدالمحسن المري في أوبريت غنائي خاطب فيه الوجدان بلغة شعرية, جسد فيه حال البحارة في البحر, ونقلها من لوحة إلي أخري في مشاهد تفاعلية ثرية جميلة في إيقاع موسيقي متناغم, وقدم الفنان فيصل التميمي مؤلف المسرحية لونا فنيا فريدا للوحات البحارة والأطفال, فيما برع الفنان الإيطالي ريناتو سيريو في رسم اللوحات الفنتازية الاستعراضية, واكتمل جمال المشهد بحوار الجد والحفيدة التي لعبت الطفلة المياسة المري دورا كبيرا في المسرحية بسؤالها عن ماضي وحاضر ومستقبل قطر, وجسد الفنان القطري ناصر المؤمن دور شخصية الجد الراوي في المسرحية الذي يحكي حكاية الإنسان والبحر وأسرار الماضي وأحلام الحاضر والمستقبل. وكان المهرجان قد عرف منذ يومه الثاني مشاركة عدد من الفرق الخليجية المهتمة بإحياء فنون البحر; حيث تم افتتاح هذه العروض مع الفرقة الفلكلورية العمالية تلتها الفرقة السعودية, ثم الإمارات العربية, ففرقة من مملكة البحرين قبل أن تقدم الفرقة القطرية عروضها في ختام هذه العروض. وسردت قصص الكتاب المستوحي من تراث قطر البحري تاريخ صيد اللؤلؤ والملاحة الشراعية التاريخية المحلية مع حبكة خيالية, وكشف السيد حماد التميمي المدير العام للجنة المنظمة لمهرجان قطر عن أن العمل الفني الرائع مملكة الرمال شارك فيه عشرة من أبرز نحاتي الرمال المعروفين علي مستوي العالم الذين قدموا نماذج فنية رائعة مستوحاة من تراث قطر البحري تنوعت, ما بين منحوتات للحيوانات البحرية المهددة بالانقراض والحياة البحرية, ووصل وزن بعض المنحوتات الرملية إلي عشرة أطنان من الرمال المضغوطة, وصب عليها الماء في مجموعة من المربعات المصفوفة عموديا, وعندما يصبح الرمل صلبا, تبدأ عملية النحت, ويتم رش غراء مائي علي المنحوتة خلال الليل لمنع تطاير الرمل.