تبارزت أقلام المثقفين المصريين في الفترة الأخيرة بالتأييد أو المعارضة لما طرحته وزارة الثقافة المصرية باسم مؤتمر المثقفين المصريين الذي سيعقد في شهر مايو من هذا العام, وقد لاحظت ان هناك انقساماواضحا في صفوف كبار المثقفين, خاصة بين العاملين منهم في مؤسسات الوزارة, والذين يعملون في مؤسسات اخري للدولة ايضا, ولاحظت ان جميع المؤيدين والمعارضين من أجيال السابقين والأسبقين, واكتفت الاجيال الشابة بالتزام الصمت, علما بان قضية مستقبل الثقافة في مصر هي التي ستتحكم في مصائر هؤلاء الشباب والاجيال القادمة من بعدهم. ومن هذا المنطلق اردت أن استعرض وجهة نظري تجاه هذه الاشكالية المتعلقة بوضع استراتيجية ثقافية لمصر,خاصة بعد ما قرأت مقال الدكتور جابر عصفور في جريدة الأهرام بتاريخ25 من يناير الماضي تحت عنوان السذاجة الفكرية, والحقيقة ان الدكتور عصفور أصاب حين اقر أن المشروع الثقافي لاي بلد تتضامن فيه وزارات الدولة مع مؤسسات المجتمع المدني, ولكن يجب الاعتراف بأنه علي وزارة الثقافة المبادرة للتضامن مع أية مؤسسة اخري, لانها الوزارة المنوطة بوضع الاستراتيجيات الثقافية وتنفيذها وليس الوزارات الأخري. والاستراتيجية بشكل عام لايتم تحقيقها إلا من خلال عدة مراحل تكون كالتالي: اولا: مرحلة التنظير, وفيها يتم وضع الأفكار لهيكلة خطط يتم من خلالها الوصول لنتائج محددة مرهونة بفترة زمنية محددة ايضا, وأجد ان هذا الامر لايتطلب انعقاد مؤتمر للمثقفين المصريين بقدر مايحتاج تضامن المثقفين المصريين, لأن انعقاد مؤتمر سيفتح الباب أمام العديد من مدعي الثقافة لطرح انفسهم كمثقفين والافتاء فيما ليس لهم به علم, والافضل ان يتم تشكيل لجنة يدعي إليها مجموعة من كبار العلماء في تخصصاتهم, والمثقفين الفاعلين في المجتمع المصري, بعيدا عن فكرة من يعملون بوزارة الثقافة أو مؤسسات أخري للدولة كانت أو مستقلة, اسلاميين كانوا أو ليبراليين فجميعنا ابناء هذا الوطن ولامجال للمسميات ولأصحاب الاراء الديجماتيقية, مع مراعاة وجود عنصر الشباب ضمن اعضاء هذه اللجنة باعتبارهم عنصر المستقبل فيها, فنحن في حاجة إلي الخبرة, والعلم, والمعاصرة, لوضع استراتيجية محكمة. ثانيا: مرحلة التنفيذ: وأهم عنصر فيها هو اختيار القيادات المناسبة, ثم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب, وهنا يجب ان اعود لما ذكره الدكتور عصفور في رده علي فاروق جويدة بشأن أن جويدة ألقي بالاتهامات جزافا علي وزير الثقافة, فمما لاشك فيه ان هناك خللا في اختيار بعض العناصر البشرية في وزارة الثقافة, ولكن هذا الخطأ لم يكن حكرا علي وزير الثقافة الحالي وقد وقع فيه وزراء آخرون في فترات سابقة وراهنة, وهناك وقائع نعلمها جميعا ولكن فلنرجع الظواهر إلي اسبابها المنطقية فيما يتعلق بوزارة الثقافة تحديدا. فالفترة الزمنية التي شغلها وزيرالثقافة الحالي في منصبه من أطول الفترات التي مرت علي تولي وزير لمنصبه منذ اندلاع ثورة يوليو وحتي الآن, مما يتيح فرص تكرار الخطأ مرات عدة لان هناك ثباتا في الشخص بنفس تركيبته النفسية حتي وإن احترس من الوقوع في نفس الخطأ لفترة فسرعان ما يرتد لشخصيته الطبيعية التي قد تتعاطف مع فئة من البشر دون الاخري. وكما ان وزير الثقافة الحالي اهتم بالانجازات المشروعات وهو ما أشار إليه الدكتور عصفور بأنه لايمكن التقليل من الانجازت الهائلة لوزارة فاروق حسني, ولكن كان ذلك دون الاهتمام بتفريخ كوادر بشرية ثقافية رفيعة المستوي شكلا ومضمونا, فاصبحت معظم المناصب والوظائف داخل الوزارة تمنح انتقاء وليس انتخابا, فوجدنا اشخاصا قد تكون تخصصاتهم وخبراتهم ليس لها علاقة بالوظيفة التي يشغلونها, وآخرون ليس لديهم خطة أو توجه للمؤسسة التي يديرونها وآخرون كل كفاءتهم انهم من ابناء اهل الثقة في الدولة. كما أن هناك اشخاصا يعملون بوزارة الثقافة أحكموا قبضتهم علي مؤسساتهم من خلال شغلهم لمناصبهم فترات زمنية طويلة, اوشغلهم لعدة مناصب أو وظائف داخل الوزارة في آن واحد, مما يزيد سطوتهم علي مؤسسات وزارة الثقافة نتيجة للشللية من جانب, ومن جانب اخر يحجب فرص تولي المناصب القيادية أو الوظائف الثقافية عن الأخرين, ولذلك اقترح ان يكون لتولي المناصب القيادية في مؤسسات الدولة برمتها قواعد اهمها الفترة الزمنية المحددة, مدي حجم الانجاز خلال تلك الفترة, وبناء علي التقييم إما ان يتم تمديد الفترة الزمنية لصاحب المنصب القيادي أو استبعاده لترك الفرصة لافراد آخرين. وهذا لاينفي وجود بعض القيادات التي وفقت وزارة الثقافة في اختيارها, والذي لايشق لهم غبار, وان كانت أعدادهم لاتتجاوز اصابع اليد الواحدة,. وبالعودة إلي مراحل تحقيق الاستراتيجية نجد أن المرحلة الثالثة هي: مرحلة المتابعة: وهذه المرحلة أهم من المرحلتين السابقتين, فالمتابعة دليل علي ان الاستراتيجيات لاتنهار بتغيير القيادة أيا كان منصبها, وهي التي تضمن سلامة التنفيذ وتقويم الاخطاء قبل الوصول لفداحتها. والمرحلة الرابعة مرونة الخطط الاستراتيجية بما لايغير توجهاتها, وبما يتناسب مع المتغيرات المستحدثة المتسارعة, واخيرا فإن تردي الوضع الثقافي في مصر لايعالج بترياق الانقسام والتشرذم, وإنما بالتضامن والتكامل بين المثقفين والمؤسسات والكوادر البشرية.