لا أحد يختلف علي ديكتاتورية القذافي ودمويته وجنونه, ولم يخطئ الرئيس الراحل أنور السادات حينما وصفه بمجنون ليبيا, في وقت كان فيه أرامل القذافي وأبواقه من تيارات سياسية بعينها, وإعلاميين مرتزقة يدافعون عنه بشراسة, ويمتدحون مواقفه العجيبة. وآراءه الشاذة, ويشتركون في ندوات ومؤتمرات ولقاءات للتنظير حول تلك المواقف والآراء, والمقابل معروف ولا داعي للخوض فيه الآن. هذه المقدمة ضرورية, لأن الحديث القادم لا يخص القذافي من قريب أو بعيد, فليذهب القذافي إلي الجحيم, وإنما هو حديث عن ليبيا وشعبها وثورتها والتدخل الأجنبي فيها, الذي أسهم في تحويل الثورة إلي معركة حربية بكل معني الكلمة, بعد أن وقعت الجامعة العربية وأمينها العام عمرو موسي في المحظور, حينما طالبت بفرض الحظرالجوي علي ليبيا, واستندت أمريكا وفرنسا إلي ذلك الطلب, ودفعتا به إلي مجلس الأمن, باعتبار أن الجامعة العربية هي التي طلبت ذلك, ووافق مجلس الأمن علي الحظر الجوي علي ليبيا, وذهب عمرو موسي كالطاووس إلي باريس ليشارك في قمة العدوان علي ليبيا, فرحا بلقاء ساركوزي الحار, وابتسامة الحية الرقطاء هيلاري كلينتون, والتصوير مع رعاة العدوان علي دولة عربية وشعبها, حتي وإن كان الهدف إسقاط مجنون ليبيا. شعب ليبيا ليس أقل من الشعب المصري والتونسي, اللذين نجحا في إسقاط مبارك وبن علي في ثورتين سلميتين شهد لهما العالم أجمع, وكذا الحال في اليمن الذي يثابر شعبها علي تعنت رئيسه علي عبدالله صالح, ويرفض أن تتحول المواجهات إلي مواجهات مسلحة, وحتي بعد أن انضم عدد من ألوية الجيش اليمني وقواده وأفراده إلي الثورة, رفض الشعب اليمني الثائر أي استخدام للعنف وكشف الثائرون صدورهم, رافضين اللجوء إلي العنف في إصرار علي وحدة الشعب اليمني وحقنا للدماء, رغم سقوط ضحايا من الثوار في أحداث متفرقة هنا وهناك. في ليبيا الوضع شديد التعقيد, فهناك حرب حقيقية ومدافع ورشاشات ودبابات وراجمات صواريخ يستخدمها الثوار, وبرغم التحفظ علي ذلك, فهذا حقهم وواجبهم في الدفاع عن أنفسهم ومناطقهم, مادام لجأ مجنون ليبيا إلي العنف واستخدام السلاح في قمع الثوار ومطاردتهم والاستيلاء علي المناطق التي يسيطرون عليها. في بداية الحظر الجوي توقعت كما توقع غيري أن يقتصر الحظر علي نشر قوات التحالف لطيرانها فوق الأجواء الليبية لضرب طائرات القذافي في حال اختراقها للحظر, وكذا ضرب منصات الصواريخ والدفاعات الجوية.. لكن أن يتحول الحظر إلي قصف علي مدي الساعة للأهداف في ليبيا, ويسقط العشرات, وربما المئات, من القتلي والمصابين نتيحة القصف, فهذا هو غير المقبول علي الإطلاق, لأن الشعب الليبي هو الضحية, والقصف لا يفرق بين مواطن وجندي, كما أن القصف أدي إلي تحويل حياة الليبيين إلي جحيم لا يطاق بعد أن شحت المؤن, وخلت محطات البنزين من وقود السيارات, كما نشاهد علي شاشات الفضائيات التي أكدت تلك الأنباء. المقارنة بين ما يحدث في ليبيا وما حدث في الصرب مقارنة خاطئة, لأن حالة الصرب تختلف, فقد كانت هناك أقلية مضطهدة, وأغلبية كاسحة تمارس العنف عليها وتلجأ إلي أساليب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي, مستخدمة في ذلك القوات المسلحة, والوضع في ليبيا يختلف عن ذلك تماما.. صحيح أن هناك رئيسا ديكتاتورا مجنونا.. لكن هناك ثورة شعبية يشارك فيها كل الشعب الليبي من بنغازي إلي طرابلس, حتي وإن اختلفت درجة المشاركة من مدينة إلي أخري. الشعب الليبي هو الذي له الحق في الإطاحة بالقذافي, ولا يحق لأي دولة أخري أن تتدخل لتغيير نظامها السياسي, لأن إقرار هذا المبدأ خطير جدا, فالشعوب هي التي تقرر مصيرها وليس الدول الأخري. لانريد عراقا عربيا جديدا, حتي وإن لم يكن هناك تدخل بري, فالقصف الجوي المكثف سوف يحيل المدن الليبية إلي ركام وأطلال, وينذر بوقوع مذابح بين الثوار والقوات المساندة للقذافي, وتقسيم الشعب الليبي إلي ثائر وخائن, مما يهدد بشلال من الدماء, وللأسف لا توجد معلومات واضحة من داخل المدن التي يدور حولها الصراع والمعارك الحربية الطاحنة بين الثوار وكتائب القذافي. أتمني لو عقدت الجامعة العربية اجتماعا سريعا لتسحب موافقتها علي ما يحدث في ليبيا بصوت مسموع, كما فعلت روسيا والصين, وأن تتبني موقفا قويا لوقف العمليات العسكرية فورا, وتترك للشعب الليبي مهمة استكمال ثورته, خاصة بعد أن تأكد ثبوت انهيار القوات الجوية الليبية طبقا لتصريحات قواد التحالف أنفسهم, ولم يعد هناك معني لاستمرار عمليات القصف الجوي سوي وقوع المزيد من الضحايا وتدمير البنية الأساسية للدولة الليبية, وترك ليبيا خرابة ينعق فيها البوم, وتكبيد الشعب الليبي المزيد من المعاناة والبؤس فوق التي عاشها طوال الاعوام الأربعين الماضية. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة