ننشر حيثيات وقف القضاء الإداري لعمومية نقابة المحامين اليوم    أكاديمية الشرطة تستقبل الملتقى الثانى للمواطنة الرقمية بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة    1.5 مليون حصلوا على «الخدمات المتكاملة» 1.3 مليون منهم في «تكافل وكرامة».. وزير الصحة يوجه المجالس الطبية بتبسيط الإجراءات    أسعار الدواجن البيضاء وكرتونة البيض غدًا بدمياط    جاهزين لأسواء السيناريوهات.. خلية أزمات ومراقبة المخزون الاستراتيجي للسلع الأساسية وتوفير احتياجات الدولة من المواد البترولية والغاز الطبيعي    لإيمانها بأهمية دعم الاقتصاد الوطني.. طلعت مصطفى أبرز المكرمين من وزارة المالية لدعم تحديث منظومة الضرائب    وزير الإسكان ومحافظ المنيا يتفقدان محطة معالجة صرف صحي برطباط بمركز مغاغة ضمن المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"    الرئيس السيسى يؤكد لنظيره الإيرانى رفض مصر الكامل للتصعيد الإسرائيلي الجاري ضد إيران    نورهان الشيخ: إسرائيل أخطأت فى تقدير قوة إيران والمشهد يتطلب تهدئة عاجلة    نيويورك تايمز: خامنئى يُرشّح خلفاء له حال اغتياله    كأس العالم للأندية.. دورتموند يحقق أول انتصاراته على حساب صن داونز 4-3    ارتفاع عدد المتوفين بعقار حدائق القبة المنهار ل 10 أشخاص    الثانوية العامة.. الأسبوع الأول بدون مشاكل    ضبط متهمين بسرقة موتور مياه من داخل عقار بالقاهرة    حكاية خلاف دام 5 سنوات بين عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وانتهى بقبلة على اليد    صناع "لام شمسية " في ندوة خاصة بالمركز الكاثوليكي الليلة في السابعة مساء    حماقى وزياد برجي نجما الليلة الثانية من مهرجان موازين    فحص 1100 مواطن ضمن قافلة طبية مجانية بدمياط    خبير: إسرائيل ضعيفة وهشة بدون دعم أمريكا.. وإيران اخترقت منظومتها الدفاعية    السجن المشدد ل12 متهما والبراءة ل24 آخرين في قضيتي الهجرة غير الشرعية بالمنيا    خبراء يحذرون: الذكاء الاصطناعي ليس بديلًا آمنا للعلاج النفسي    رئيس بعثة منتخب اليد: قدمنا ملحمة أمام إسبانيا وأحلامنا بلا حدود فى بطولة العالم    عضو ب«تشريعية النواب»: قانون الإيجار القديم لا يحتاج لائحة تنفيذية ويُطبق فور نشره    باحث في الأمن الإقليمي: ضربات إسرائيل لإيران مقدمة لحرب أكبر ونطاق أوسع    بسمة تطلب الطلاق.. نهاية مثيرة لأحداث الحلقة السادسة من "فات الميعاد"    تعرف على أحدث أعمال خالد الصاوي    مبابى أبرز الغائبين عن قائمة ريال مدريد ضد باتشوكا فى كأس العالم للأندية    مصروفات المدارس الرسمية والرسمية للغات في مصر للعام الدراسي الجديد 2025    خوفًا من شقيق زوجها.. أم تلقي بنفسها ورضيعتها من شرفة المنزل بدار السلام بسوهاج    الأرصاد: بدأنا فصل الصيف فلكيا وذروة الحر ستكون خلال شهري يوليو وأغسطس    معاً نحو مستقبل دوائي ذكي ومستدام.. صحة المنوفية تقيم مؤتمر لأهمية الدواء    إمام عاشور يغادر معسكر الأهلى ويستعد للعودة إلى القاهرة    رسميًا.. نوتنجهام فورست يجدد عقد سانتو حتى 2028    مؤمن سليمان يقود الشرطة لحصد الدوري العراقي    الفريق أسامة ربيع:"تعاملنا بشكل فوري واحترافي مع حادث جنوح سفينة الغطس RED ZED1"    إدراج جامعة بدر في تصنيف التايمز لعام 2025 لمساهمتها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة    أخطر تصريح للرئيس الأمريكي.. أحمد موسى: ترامب يساند مصر بقوة في ملف سد النهضة    وزير الصحة يتفقد مستشفى مدينة نصر للتأمين الصحي ويوجه بزيادة القوى البشرية    جامعة سوهاج تحدد 15 سبتمبر المقبل لتسلم «مستشفى الجراحات التخصصية»    معلنة بداية فصل الصيف.. شمس الظهيرة تتعامد على معابد الكرنك بالأقصر    يسرا ومصطفى شعبان في طليعة نجوم الفن العائدين.. هل سيكون النجاح حليفهم؟    «للرجال أيضًا إجازة وضع».. إجازات قانون العمل الجديد تصل ل45 يومًا | تعرف عليها    سقوط المتهم بإدارة كيان تعليمي وهمي للنصب على المواطنين بالقليوبية    «امتحانات في عزّ النار».. كيفية تهيئة المناخ المناسب للطلاب؟    وزير العمل ومحافظ كفر الشيخ يمنحان خريجات البرامج التدريبية 11 ماكينة خياطة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم اتمنى القرب منك سيدى ودون فراق?!    الرئيس السيسى وملك البحرين: التصعيد الجارى بالمنطقة يرتبط بشكل أساسى باستمرار العدوان على غزة.. إنفوجراف    رئيس وزراء صربيا يزور دير سانت كاترين بجنوب سيناء    تجديد حبس 4 أشخاص بتهمة خطف شاب بسبب خلافات بينهم على معاملات مالية    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفي والإعلامى (4)    طب قصر العيني" تعتمد تقليص المناهج وتطلق برنامج بكالوريوس الطب بالجامعة الأهلية العام المقبل    بداية جديدة وأمل جديد.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة    تردد قنوات MBC مصر 2 الناقلة لمباريات كأس العالم للأندية مباشر.. (اضبطها الآن)    رئيس جامعة الأزهر: العقل الحقيقي هو ما قاد صاحبه إلى تقوى الله    أيمن محسب: استمرار التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران يهدد بانفجار إقليمي شامل    حكم صيام رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء توضح    تركي آل الشيخ يكشف سبب إقامة "نزال القرن" في لاس فيجاس وليس في السعودية    «نشرة أخبار الأهلي من أمريكا».. أجواء حزينة وتمسك ببصيص الأمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مثقفون مصريون فى حظيرة القذافى


سلماوي وعصفور وقنديل والرحباني:
مثقفون في بلاط القذافي


كتب - شعبان يوسف
أقل ما نطلبه من الكتاب والمثقفين والمبدعين الذين يساهمون في إضفاء هالات أسطورية خادعة حول زعيم أو رئيس أو ملك أو قائد هو أن يعتذروا بشدة، أن يعتذروا لمن آذتهم مواقفهم وكتاباتهم ومدائحهم التي تتحول إلي حبل مشنقة حول رقبة شعب بأسره، أو زنازين انفرادية لمناضلين ومعارضين قاوموا الديكتاتور، ولكن في ظل الغطرسة التي يعيشها الديكتاتور، لن يدرك هذه المقاومة أحد، ولن يلتفت إليها كاتب. هذا إن لم تجد هذه المقاومة تسفيها وتحقيرا وتكذيبا.
حدث هذا مع صدام حسين عندما كان يسحل شعب العراق، ويقتل منهم المئات في مجازر جماعية، وفي الوقت ذاته يقيم مهرجانات الشعر تحت اسم «المربد»، وينشد الشعراء المدائح العصماء، ويسكرون بخمرة العطايا والمنح، وتورط كثيرون في جميع أبواق صدام حسين من إذاعة وتليفزيون وجرائد ومجلات، وكذلك قامت صحف كاملة كخطوط دفاع أولي عنه، تهب سريعا لإسكات أي صوت يعارض ويقاوم وينتقد سلطات هذا الزعيم، ولم يكتف هذا الزعيم بذلك فقط، بل راح يكتب الروايات والقصص المطولة، وبالتالي وجدت هذه الروايات من يمتدحها، ويجعل منها أيقونات أدبية فائقة.
ونحن لا نعترض علي كون هذا الرئيس أو ذاك فاجأته موهبة الكتابة الأدبية، فهناك زعماء في العالم كتبوا شعرا مثل هوشي منه في فيتنام وماوتسي تونج في الصين، وليو بولد سنجور في السنغال، وكذلك جمال عبدالناصر في مصر،وأنور السادات، وهذان الأخيران أقلعا عن هذه الهواية بعد أن داهمتهما هواية أخري، وهي حكم الشعوب، بينما أصدر صدام حسين رواياته علي التوالي حتي قبل دخوله في مرحلة التيه الأخيرة، التي عصفت به وأسلمته إلي حبل المشنقة!
كل هؤلاء المذكورين وغيرهم، جاء معمر القذافي وفاق كل التصورات، لقد أصدر مجموعة قصصية وحيدة، وهي «القرية - القرية، الأرض.. الأرض، وانتحار رجل الفضاء» وهي كتابة علي غرار زنقة زنقة، وبيت بيت. ودار دار، والمدهش - كما أسلفنا - لا يتلخص في أن يكتب زعيم أو قائد، لكن الغريب والغرائب أن تجد كتابات هذا القائد والزعيم المتواضعة، بل التافهة من يكتب عنها، ويقرظها، ويدبج عنها الدراسات النقدية المطولة، ولأن القذافي طال به البقاء في الحكم، فقد استطالت أيضا أشكال النفاق له، والاحتفال به، والسير معه في مركبة الجنون التي كان يعتليها، فمنذ أن اعتلي عربة الحكم، وهو حريص علي الالتقاء بالكتاب والأدباء والمفكرين والصحفيين الكبار، وكانت فاتحة هذه اللقاءات الندوة الموسعة التي عقدتها له جريدة الأهرام في 7/4/1972 وحضرها لفيف من أهم كتاب مصر علي رأسهم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ولويس عوض ومحمد سيد أحمد وعائشة عبدالرحمن وأحمد بهاء الدين والشاعر الفلسطيني محمود درويش، وكان يعمل - آنذاك - صحفيا في الأهرام، وقدم كل هؤلاء الكاتب محمد حسنين هيكل، وأدار الندوة وهنا أقتبس الكلمة الاستهلالية التي قالها هيكل: هذا اللقاء أردناه في الحقيقة منذ وقت طويل. إنه تمثيل واسع جدا للفكر العربي المتنوع، يري عن قرب ويسمع عن قرب ويحتك مباشرة بفكر الثورة الليبية التي كانت الظاهرة البارزة جدا في الموقف العربي بعد يونيو 1967 التي تعتبر فعلا ردة الفعل الأساسية بعد الهزيمة، ورأيي أن نبدأ بسماع الرئيس القذافي، وأظن أن هناك قضايا كثيرة تشغل تفكيره، وأتمني لو بدأ بتصور تفصيلي يشرح لنا فيه تكوينه الفكري والثقافي والسياسي والمنطلقات الفكرية للثورة الليبية، وعلي هذا المنوال سارت المناقشة في تضخيم ذات القذافي وذات الثورة الليبية، التي يري أنها ردة فعل علي هزيمة 1967 ومن الممكن أن يعود القارئ الكريم لصحيفة الأهرام في 8/4/1972 ليري بنفسه التدشين الأعلي لصناعة ديكتاتور من أعتي الأنواع في التاريخ البشري!
والذين يتبرأون - الآن - من السفاح معمر القذافي بعد انهياره، بل قبل ذلك بقليل، عندما لاحظوا وأدركوا أن سفينته تغرق، وهو في أوج ديكتاتوريته علي جثث شعبه، وحريته، فهم يتركون سفينته الغارقة، بعدما كانوا يهرولون نحوها بقوة ولهاث، ويحاولون جر آخرين لهذه الهاوية العميقة، هؤلاء ساهموا بقدر كبير في تثبيت دعائم القذافي ونظامه، وفوضاه وديكتاتوريته وطغيانه ومجازره، وجميع أشكال جبروته، ولن يستطيع أحد من هؤلاء أن يقنعنا بأنه كان مضللا، ولم يكن علي علم بكل ذلك، ولكن المال والمكافآت والمنح السخية هي التي أخرست كل هؤلاء، ومنعتهم من التفوه بأي كلمة ضد هذا النظام الفاشي، هذا النظام الذي كان يزعم لنفسه المجد والثورة، علي حساب حرية ورخاء وتطور شعب بأكمله، وللأسف فإن زبانية هذه الأنظمة كثيرون ويكررهم التاريخ بشكل يكاد يكون مملا، والأمر لا يبدأ بمهيب الركن صدام حسين، ولن ينتهي بمعمر القذافي القائد والزعيم والمناضل كما كان يزعم، بالطبع كنت أتمني أن يصمت الذين وقفوا بجوار القذافي وفي صفه، وقالوا له صفات الأنبياء، وطلبوا منه مساعدات ومنحا وأموالا واستثمروا مواقعهم لإنشاء وتفعيل علاقات غير مشروعة بين مفهوم الثقافة ودورها الطبيعي، وبين سفاح وديكتاتور ومغتصب سلطة، وقائمة المداحين والمهرولين تطول، وتضم علي رأسها رؤساء الاتحادات العربية، سابقين ولاحقين، علي عقلة عرسان، وعزالدين ميهوبي وروحي بعلبكي وأخيرا محمد سلماوي الذي عقد مؤتمرا لاتحاد الكتاب العرب في أكتوبر 2009 في مدينة سرت مسقط رأس الديكتاتور، وكان من المقرر أن ينعقد مؤتمر للثقافة العربية لاحقا، لكن حسب المثل المصري: «جاء نقبه علي شونة»، فلم تتحقق رغبة القذافي وسلماوي معا، وكان سلماوي قد أكد أنه تحدث مع الأمين العام لجامعة الدول العربية - آنذاك - المغفور له عمرو موسي - رسميا - بشأن قمة ثقافية عربية التي دعا لها اتحاد الكتاب العرب خلال اجتماعه في سرت مشيرا إلي أنه لمس بنفسه - أي سلماوي - تحمس الرئيس الليبي لعقد قمة ثقافية عربية، علي غرار القمة الاقتصادية العربية التي استضافتها الكويت من قبل، وقال سلماوي أيضا: إن القذافي أبدي خلال لقائه مع الكتاب والأدباء العرب علي هامش اجتماع سرت ترحيبه بعقد قمة ثقافية علي اعتبار أن الثقافة هي الجذوة الوحيدة المتقدة حاليا في راهن العرب، ويمكن بإذكائها أن تتقد جذوات عربية أخري انطفأت في السنوات الأخيرة، وفي مجالات عديدة، ولا داعي - هنا - لاستدعاء أشكال الاهتمام الإعلامية التي صاحبت ولاحقت هذا العزم وذاك الحدث لتلك القمة المهدورة أولا لسخافتها، وثانيا لأنها كلها متابعات طامعة في مقعد بهذه القمة، ولكن الجدير بالذكر أنه انعقدت ندوة حول أدب معمر القذافي، ومنحه السيد سلماوي درع الاتحاد الذي لا يمنح إلا للمواهب الكبيرة، وأقر سلماوي أن الاتحاد منح القذافي درعه بصفته أديبا كبيرا، وليس كونه رئيسا، وأشاد سلماوي بأفكار القذافي التي جاءت في خطابه قائلا: إن كل فكرة فيها تصلح كي تكون محورا لندوة أو نقاش في مؤتمرات الاتحاد المقبلة، وقرظ سلماوي أيضا مطالبة القذافي بتغيير ميثاق الأمم المتحدة وفي الندوة تحدث مغاربة وتوانسة وقدم الباحثان د. مدحت الجيار وأستاذ شوقي بدر يوسف بحثين، أثنيا بهما ثناء كبيرا علي قصص القذافي ووصفاها بما ليس فيها، والملاحظ أن الأدباء الليبيين منعوا من حضور هذا المؤتمر، وبعضهم تغيب!
وحاكم مثل القذافي يمنح بسخاء، ويمنع بقوة، ويحكم بسيف بتار ويصرف من أموال الشعب بسفه، ويقدر علي جذب الشعراء والنقاد والكتاب، ويخصص الجوائز لمن شاء، وسيجد من يقدمون أنفسهم -دوما - بين يديه، فالجائزة التي تحمل اسمه وتسلمتها أياد لم نكن نتمني لها ذلك، مثل إبراهيم الكوني ومحمد الفيتوري وأحمد إبراهيم الفقيه، ثم الدكتور جابر عصفور المثقف والناقد/ المشروع، الذي تبرأ منها بعد ذلك، وقال في تصريحاته إنه لا يتشرف بأن يقترن اسمه باسم سفاح كالقذافي، وبالطبع هذا التصريح لن يعفيه من اللوم والمؤاخذة، وليس هؤلاء المثقفون العابرون علي خيمة القذافي وفقط، ولكن هناك من أقاموا ومدحوا هذه الخيمة وساكنها مثل الشاعر محمد الفيتوري، لا أعرف أين صوته الآن؟ فهو كان شاعرا بدرجة سفير، وتحول من شاعر يدافع عن أفريقيا كلها، إلي شاعر يمدح الحكام، وكان نصيب القذافي الكثير من شعره، وله قصيدة شهيرة يقول في مطلعها: «ما أنت ذا فوق صخر الموت تزدهر/ تصحو وتصحو المرايا فيك والصور»، والمدهش أيضا أن خيمة القذافي جذبت الشاعر اللبناني الراحل منصور الرحباني - حسب محمد الحميري - فكتب قصيدة عن الديكتاتور يقول فيها: علي اسم حبك شعرا يكتب الشعر/ ويلبس العطر وجه الضوء منهمرا»، بل الأدهي أن القصيدة لحنها الرحباني وأنشدها الفنان ملحم بركات في حفل كبير.
وإذا كان هذا شأن كتاب ونقاد رسميين، وقادة مؤسسات يلعبون أدوارا حكومية، فما بالنا بكتاب مستقلين ومرموقين وتقدرهم بلادهم! بل إنهم يلعبون أدوارا إبداعية في مجالاتهم، فالكتاب الرسميون والمسئولون ربما تدفعهم وظائفهم لتلبية أغراض سياسية، وينفذون بنودا فعلية لأجندات عليا، إذن ما الذي يدفع كتابا مثل الجزائري واسين الأعرج والمغربي إدريس الخوري وأشوري عبدالله أبوهيف والمصريين فؤاد قنديل ويحيي الأحمدي وسمير الجمل، لكي يكتبوا دراسات نقدية مطولة عن أدب القذافي؟ هناك من تحفظ وكتب بخبث ومراوغة، وهناك من انبطحت كتاباته إلي حد بعيد، لكن النوعين يشتركان في إدارة ترس الديكتاتورية، وصياغتها في صورة أدبية أنيقة وتحسين وتجميل وتزيين وجهها القبيح! مثلا في دراسته المعنونة ب «تجليات الدهشة والبراءة في أدب معمر القذافي» يكتب الأديب فؤاد قنديل: «ليس ثمة غضاضة من الاعتراف بأني لم أكن متحمسا لمطالعة مجموعة: «القرية.. القرية/ الأرض.. الأرض، وانتحار رجل الفضاء» علي الرغم من فرط تقديري لصاحبها العقيد معمر القذافي قائد الثورة الليبية في الفاتح من سبتمبر، إذ سرعان ما حسمت الموقف بالقول: إن ثائرا ومناضلا وقائدا كبيرا مثله تناط به المهام الجسام وتشغله مشروعات التنمية والقضايا الدولية والمحلية والإقليمية التي تمسك بخناقنا والعالم، لن يمتلك الوقت والفراغ وصفاء الذهن ليبدع نصا أدبيا مهما كان حظه من الجدارة الفنية، وبينما الكتاب مسجي علي المكتب ومن حوله العشرات، ألمحه فأمد يدي إليه وتنتصب بداخلي رغبة في قراءة عدة صفحات حتي أنزع عن نفسي أدني درجات التجني، وإذا بي أواصل القراءة وأنشغل عما كان يتعين علي أن أنتهي منه علي عجل، فهذه المجموعة القصصية تأخذ أيدينا نحو عوالم لافتة من الأداء الأدبي الخصيب، وتجتهد لتأسيس مشهد بانورامي مبهر لآلام وآمال إنسان عربي معاصر لم يكتف خلاله الكاتب بالارتحال من الماضي إلي الحاضر ومن القرية إلي المدينة، ولكنه يرتحل في الوقت نفسه نحو الاتجاه المعاكس من حاضر إلي ماض.. إلخ.
ويقول قنديل في النهاية: «وفي الختام لن أقول إلا أنني سعدت بقراءة هذه المجموعة وأتوجه بالدعوة إلي صاحبها كي يعكف بقدر ما يتاح له من الوقت والصفاء ليمنحنا قصصا جديدة.. حقا جديدة، وما أحوجنا إلي مثل هذه القصص التي يمكن أن تكون هي المسحراتي الذي يوقظنا من سبات عميق مازلنا نغط فيه! وأعتذر عن هذا الاقتباس الطويل من دراسة طويلة جدا، لكنني لن أندهش بعد ذلك من تحول الحاكم إلي ديكتاتور وطاغية وسفاح، لأنه سيجد دوما من يصوغون له هذه الديكتاتورية، ويعدلون له طربوش الطغيان، إنهم العجلة الخامسة في عربة الحكام والعجلة المنقذة لعروشهم بعد انفجار العجلات الأربع، دوما سنجد هؤلاء بأشكال مختلفة، ولا فرق عندي بين واسين الأعرج الذي راح يلف ويدور في دراسته محاولا أن يبتعد عن عبارات المديح المباشرة، وبين آخرين كالوا عبارات مديح مفزعة، يتحرج المرء في استخدامها أمام كتاب حقيقيين، ولا يوجد ما يجبر الأعرج علي الكتابة سوي دوافع أخري ليس لها علاقة بالأدب، وهناك من تورطوا بالكتابة، ولكن بشكل مغاير وليسوا ضالعين في ارتكاب الجرم، منهم إبراهيم الكوني ذاته، وميرال الطحاوي التي لم تكن تعلم أن هناك ندوة حول أدب القذافي، فكتبت ما يتسم بالتهويمات بعيدا عن كتابة القذافي، لكنني أندهش ممن أخذوا كتابة القذافي علي مأخذ الجد مثل الكاتب والسيناريست سمير الجمل، الذي كتب بثبات كبير عن «السخرية في أدب القذافي» والأدهي أنه يقارن بين كتابته وكتابة مارك توين! أهذا معقول؟!
أقول هذا من أجل أن يتنفس النقاد والأدباء تحت خيمة أو خيبة القذافي البائسة والقبيحة، إما طمعا في مكافآت مجزية، أيا كانت المكافآت فهي لا توازي مديح سلطان جائر وديكتاتور مزق بلاده وشعبه، ووجد من يشاركه هذا التمزيق بقوة وتزيينه بالمصطلحات والدراسات الأدبية، يا للخزي عندما نسخر العقل في خدمة الطغاة! وكيف نستطيع أن نواجه أنفسنا ونواجه قراءنا بعد كل هذه الترهات؟!
إنهم كتاب للأسف محسوبون علي الحرية والطليعة والتقدم، وإن كان بعضهم كان ضالعا في ذلك، وبعضهم كان متورطا، هناك كثيرون شاركوا في الكتابة عن قصص الزعيم منهم السوريون عبدالله أبوهيف وياسين رفاعية وكوليت خوري التي امتدحت كتابته بشكل لافت للنظر، وقد حصلت علي مكافآتها كجائزة سخية، وهناك المغاربة بشير القمري وشكري البكري وإدريس الخوري ومحمد مصطفي الفياج، وهناك الجزائريون عزالدين سيموبي «رئيس اتحاد الكتاب» وعثمان البدري أحد ضيوف مؤتمراتنا الأدبية في مصر، ونور الدين السد، وغيرهم وغيرهم، كل هؤلاء اصطنعوا صياغة غير أنيقة ولطيفة للديكتاتور، كل هؤلاء صنعوا من أنفسهم ومن أقلامهم تروسا ضالعة وفلسفية في تدوير ماكينة الطاغية، وعملوا علي إطالة عمر الفاشية، وتزويقها، بل مدحوها في الوقت الذي عرضت فيه مجلة فرنسية المجموعة القصصية علي طبيب نفساني فقال: «إن هذا الكتاب يصلح تدريسه لطلاب الطب النفسي، كونه يجمع كل عناصر الهيستيريات وجنون العظمة وصاحبه يعاني من إحباط جنوني، أي هيستيريا جنون العظمة، وهنا لابد أن أقدم التحية لناقد كبير مثل الدكتور عبدالمنعم تليمة، فقد حاولوا توريطه في الندوة التي أعدها سمير سرحان الراحل في هيئة الكتاب، ونشروا اسمه بالفعل، ولكنه اعتذر بشدة وحضر كتاب كثيرون هذه الندوة، وأيضا في حينه قال يوسف القعيد عن المجموعة: إنها ليست قصصا، بل مقالات في أحسن الأحوال، وليس بها أي جماليات المنولوج أو الاسترسال الداخلي، لكن الندوة أدارها د. سمير سرحان ولم تفتقد المجموعة من مدحها، وكانت القاعة تكتظ بالحضور.
هذا غيض من فيض، وقليل من كثير، وأقل ما يجب أن تفعله هذه الأقلام هو الاعتذار للشعب الليبي، وللشعب المصري، وعلي الأستاذ محمد سلماوي أن يقدم فعلا اعتذارا رسميا إلي أعضاء الاتحاد الذين لم يستشاروا في منحه درع أو ضرع الاتحاد للديكتاتور، لكن هل تجدي الاعتذارات بعد أن ذهب الديكتاتور إلي مقلب النفايات؟ ولكن ستبقي صياغات المنافقين الركيكة كالعجلة الخامسة، والعاطلة عن أي موهبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.