"الشناوي قد يلحق بمباراة الاتحاد".. يلا كورة يكشف حالة المصابين في الأهلي    الجمعة العظيمة: محاكمة وصلب المسيح وختام أسبوع الآلام    وكيل أوقاف الشرقية في خطبة الجمعة: الأوطان تبنى بيد الشرفاء والمخلصين    إعلان الفائزين بالمؤتمر السنوي العلمي الرابع للدراسات العليا بهندسة القناة (صور)    جولد بيليون: البنوك المركزية العالمية تشتري 16 طن ذهب خلال مارس2024.. تفاصيل    الكرتونة ب 80 جنيها، مبادرة جديدة في الشرقية لتخفيض أسعار البيض (فيديو وصور)    الإسكان تطرح أراضى للتخصيص الفوري بالصعيد، تفاصيل    القصير يبحث آفاق التعاون المصري القطري في الزراعة والأمن الغذائي    الشرقية تسترد 7 أفدنة و2317 مترًا من أملاك الدولة والزراعات    نائب وزير التخطيط يفتتح أعمال الدورة الثالثة للجنة تمويل التنمية في الدول الأعضاء بالإسكوا    الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعلن اعتراض طائرة مسيرة أطلقت من لبنان    30 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى    سموتريتش: "حماس" تبحث عن اتفاق دفاعي مع أمريكا    السفيرة مشيرة خطاب تشيد بقرار النائب العام بإنشاء مكتب لحماية المسنين    متسابقون من 13 دولة.. وزير الرياضة يطلق شارة بدء ماراثون دهب الرياضي للجري    وحدات سكنية وهمية.. ضبط سيدة استولت على أموال المواطنين ببني سويف    ضبط 299 قضية مخدرات وتنفيذ 63 ألف حكم قضائى خلال 24 ساعة    ب«تفعيل الطوارئ».. «الصحة» بالقليوبية: عيادات متنقلة بمحيط الكنائس خلال احتفالات عيد القيامة    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    الثانوية العامة 2024| مواصفات أسئلة الامتحانات    مركز السينما العربية ينظم 5 فعاليات مهمة في مهرجان كان    تعرف على إيرادات فيلم السرب في السينمات خلال 24 ساعة    شاهد.. جدار تعريفى بالمحطات الرئيسة للحج بمعرض أبو ظبى للكتاب    في الذكري السنوية.. قصة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة    فريدة سيف النصر تكشف سبب تسمية سمير غانم لها ب "فريدة سيف الرقص"    دعاء الهداية للصلاة والثبات.. ردده الآن تهزم شيطانك ولن تتركها أبداً    صور الأمانة في المجتمع المسلم.. خطيب الأوقاف يكشفها    ماذا قدمت الصحة المصرية للمصابين الفلسطينيين؟.. علاج 13 ألف من أشقائنا في غزة بالمستشفيات المصرية.. وتقديم 11 ألف جلسة دعم نفسي    أستاذ أمراض القلب: الاكتشاف المبكر لضعف عضلة القلب يسهل العلاج    الصحة: تقديم 10 آلاف و628 جلسة دعم نفسي ل927 مصابا فلسطينيا منذ بداية الحرب    التضامن تكرم إياد نصار عن مسلسل صلة رحم    فرص عمل في 55 شركة.. شروط شغل الوظائف في القطاع الخاص براتب 6000 جنيه    علام يكشف الخطوة المقبلة في أزمة الشحات والشيبي.. موقف شرط فيتوريا الجزائي وهل يترشح للانتخابات مجددا؟    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    تركيا: تعليق التجارة مع الاحتلال حتى وقف إطلاق نار دائم في غزة    توريد 107 آلاف و849 طن قمح لصوامع وشون كفر الشيخ    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    برشلونة يستهدف التعاقد مع الجوهرة الإفريقية    صحف إيطاليا تبرز قتل ذئاب روما على يد ليفركوزن    رئيس البرلمان العربي: الصحافة لعبت دورا مهما في كشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    البنتاجون: نراقب الروس الموجودين في قاعدة يتواجد فيها الجيش الأمريكي في النيجر    قصور الثقافة: إقبال كبير على فيلم السرب في سينما الشعب.. ونشكر «المتحدة»    أيمن سلامة ل«الشاهد»: مرافعة مصر أمام العدل الدولية دحضت كافة الأكاذيب الإسرائيلية    الوزراء: 2679 شكوى من التلاعب في وزن الخبز وتفعيل 3129 كارت تكافل وكرامة    "مضوني وسرقوا العربية".. تفاصيل اختطاف شاب في القاهرة    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    أسعار الفراخ اليوم الجمعة 3-5- 2024 بعد انخفاض الكيلو في بورصة الدواجن    مصر أكتوبر: اتحاد القبائل العربية يعمل على تعزيز أمن واستقرار سيناء    واعظ بالأزهر ل«صباح الخير يا مصر»: علينا استلهام قيم التربية لأطفالنا من السيرة النبوية    وزير التنمية المحلية يهنئ محافظ الإسماعيلية بعيد القيامة المجيد    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    عبد المنصف: "نجاح خالد بيبو جزء منه بسبب مباراة ال6-1"    هل مسموح للأطفال تناول الرنجة والفسيخ؟ استشاري تغذية علاجية تجيب    تشكيل الهلال المتوقع أمام التعاون| ميتروفيتش يقود الهجوم    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل الحريات تتجزأ؟
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 05 - 2010


هذه قضية مهمة..
مجموعة من المحامين فى مصر رفعوا دعوى قضائية من أجل مصادرة كتاب ألف ليلة وليلة لأنه يحتوى على بعض الألفاظ الخادشة للحياء.. الواضح أن هؤلاء المحامين لم يقرأوا كتب التراث لأن معظمها يحتوى على ألفاظ مكشوفة فى وصف العلاقة بين الرجل والمرأة: كتاب الأغانى لأبى الفرج الأصفهانى وكتاب الإمتاع والمؤانسة لأبى حيان التوحيدى وغيرهما.
بل إن الجاحظ (159 255 هجرية) وهو أمير النثر العربى بلا منازع، له رسالة شهيرة بعنوان «مفاخرة بين أصحاب الغلمان وأصحاب الجوارى». يتحاور فيها رجل يحب الغلمان مع رجل يحب النساء، الرسالة تحتوى على ألفاظ مكشوفة لكنها تظل مع ذلك نصا أدبيا جميلا ورفيعا..
إن ممارسة الرقابة على تراثنا الأدبى العربى تفتح بابا جهنميا لتدميره وتشويهه، الواجب أن نحافظ على تراثنا العظيم كما هو، على أن نطبع نسخات منقحة يمكن تدريسها للنشء والصغار، مع الحفاظ على النصوص الأصلية بدون أى تغيير أو حذف.. كان هذا رأيى ولذلك فقد تحمست وانضممت للمدافعين عن حرية التعبير الأدبى ضد الرقابة والأفكار الرجعية، على أن المفارقة قد حدثت بعد ذلك..
ففى وسط معركة المثقفين دفاعا عن كتاب ألف ليلة وليلة أعلنت الحكومة المصرية تمديد قانون الطوارئ مما يعنى تعطيل القانون الطبيعى الذى يحمى حرية المصريين وكرامتهم.. هنا كنت أتوقع من فرسان الحرية المدافعين عن ألف ليلة وليلة، أن يستميتوا فى الدفاع عن الحريات العامة.. لكن ذلك لم يحدث للأسف.. كثير من المثقفين الذين يدافعون اليوم عن ألف ليلة وليلة لا يفتحون أفواههم أبدا احتجاجا على تزوير الانتخابات أو الاعتقال أو التعذيب وكلها جرائم بشعة يرتكبها نظام مبارك فى حق ملايين المصريين..
من هنا وجدتنى أتساءل: هل الحريات تتجزأ؟ هل يمكن الدفاع عن حرية الإبداع بعيدا عن الحريات العامة؟ هل يمكن أن ينحصر دور المثقف فى الدفاع عن كل ما يخص الكتابة بينما يسكت تماما عما يخص الوطن والناس؟ من المؤسف أن نضطر إلى طرح هذه الأسئلة، فى الدنيا كلها وفى بلادنا فى زمن سابق، كان المثقف يتخذ دائما موقفا متماسكا فى الدفاع الشامل عن الحق والعدل والحرية.. الأمثلة بلا حصر..
عباس العقاد وطه حسين وألفريد فرج وعبدالرحمن الشرقاوى من الأدباء العرب. وفى الغرب، البير كامو وجون بول سارتر وبرتراند راسل وجابرييل جارسيا ماركيز وجوزيه ساراماجو وبابلو نيرودا وغيرهم كثيرون من كبار المبدعين الذين وقفوا بصلابة ضد الظلم والاستبداد وكثيرا ما دفعوا ثمنا باهظا لمواقفهم..
بل إن أهم روائى فى تاريخ الأدب، الكاتب الروسى العظيم فيودور ديستويفسكى (1821 1881) انخرط فى العمل العام وانضم إلى تنظيم سرى من أجل إنهاء النظام الملكى فى روسيا مما أدى إلى القبض عليه والحكم بإعدامه ثم خفف الحكم فى آخر لحظة إلى السجن أربع سنوات فى سيبيريا. إن الإبداع الأدبى فى جوهره دفاع عن القيم الإنسانية النبيلة، فكيف يدافع الأديب فى كتبه عن الحرية ثم يسكت على انتهاكها فى حياته اليومية. إن المثقف الذى يضع موهبته فى خدمة الطغاة ولا يعترض أبدا على الظلم والفساد ونهب المال العام وقمع الأبرياء وفى نفس الوقت يثور بشدة دفاعا عن قصيدة ممنوعة من النشر أو كتاب تمت مصادرته، لابد أن يفقد مصداقيته تماما..
والدليل على ذلك ما حدث مؤخرا فى ليبيا حيث أدرك المسئولون أن سمعة نظام القذافى سيئة للغاية حيث تم اعتقال وتعذيب وتشريد وقتل عشرات الألوف من الليبيين الأبرياء لمجرد أنهم يحملون أفكارا معارضة لسياسات العقيد القذافى (الذى قرر مؤخرا أن يمنح نفسه لقب ملك ملوك أفريقيا).. أراد المسئولون الليبيون أن يفعلوا شيئا لتبييض وجه نظامهم أمام العالم ولأن ليبيا بلد نفطى ثرى ولأن أموال الشعب الليبى تحت يد العقيد القذافى ينفق منها كما يشاء بلا حسيب ولا رقيب، فقد تم عمل جائزة أدبية كبرى اسمها جائزة القذافى للآداب العالمية قيمتها 150 ألف يورو، تمنح كل عام إلى أديب عالمى كبير من أجل تحسين صورة النظام الليبى..
وفى أول دورة للجائزة تم اختيار الروائى الإسبانى الكبير خوان جوى تيسولو (79 عاما) الذى يعتبره النقاد أهم روائى إسبانى على قيد الحياة.. وقد عانى جوى تيسولو نفسه من القمع حيث قتل نظام الديكتاتور فرانكو أمه وهو طفل وأجبره على أن يعيش معظم حياته فى المنفى. كما أن جوى تيسولو من أكبر المدافعين عن الديمقراطية والحرية ومن أكبر المناصرين للحقوق العربية وهو محب للثقافة العربية إلى درجة أنه يقيم فى مراكش بصفة دائمة منذ سنوات..
اتصل المسئولون الليبيون بالروائى جوى تيسولو فهنأوه وأبلغوه بأنه قد فاز بجائزة القذافى للآداب العالمية فما كان منه إلا أن كتب خطابا إلى لجنة التحكيم، شكر فيه أعضاء اللجنة الذين منحوه الجائزة ثم قال ما معناه: «لقد قضيت عمرى أدافع عن حق الشعوب العربية فى العدالة والحرية ووقفت بكل قوة ضد الأنظمة المستبدة التى أدت بفسادها وظلمها إلى إبقاء ملايين العرب فى براثن الجهل والفقر.. أنا لا استطيع أبدا أن أقبل جائزة ممنوحة من العقيد القذافى الذى اغتصب السلطة بالقوة وأقام نظاما استبداديا مارس الاعتقال والتعذيب والقتل ضد الليبيين الأبرياء.. أنا أرفض هذه الجائزة لأنها ببساطة تتناقض مع كل ما أؤمن به من مبادئ».
كان هذا الرفض صفعة مدوية للنظام الليبى سمع صداها فى العالم كله، وخصصت جريدة الإندبندت الإنجليزية موضوعا طويلا كتبه بويد تونكين من أجل تحية الموقف العظيم للروائى جوى تيسولو الذى وصفته بأنه «يمارس دور الكاتب الحقيقى باعتباره الضمير الحى للإنسانية الذى يقف دائما ضد القوى الظالمة» بل إن عشرات المثقفين الليبيين فى المنفى وجهوا رسالة شكر إلى جوى تيسولو كتبوا فيها: «انك برفضك المعلن لجائزة القذافى العالمية للآداب فى أول إصداراتها، وبرغم عرضها المالى المغرى، قد وجهت صفعة ضميرية للديكتاتور القذافى الذى اعتقد أنه بأموال الليبيين المنهوبة يستطيع أن يشترى ضمائر المثقفين الحية».
هكذا وقع المسئولون عن جائزة القذافى فى ورطة كبيرة: فلو أنهم ألغوا الجائزة ستكون فضيحة ولو أنهم عرضوها على كاتب عالمى آخر فمن الوارد جدا أن يرفضها كما فعل جوى تيسولو، عندئذ ستكون الفضيحة مضاعفة. وبالرغم من أن الجائزة مخصصة أساسا لأديب عالمى كبير إلا أن المنظمين تغاضوا عن هذا الشرط وبحثوا عن شخصية عربية توافق على قبول الجائزة، وقد وجدوا ضالتهم فى الناقد المصرى جابر عصفور فأعلنوا فوزه بالجائزة.
وقد تغاضى السيد عصفور، للأسف، عن كل هذا السياق وذهب إلى ليبيا واستلم الجائزة فى احتفال كبير أثنى فيه عصفور بالطبع على قائد الثورة الليبية (ملك ملوك أفريقيا) وأشاد بالحرية العظيمة التى ينعم بها الليبيون. لم يستشعر جابر عصفور أدنى خجل وهو يتسلم جائزة رفضها قبله كاتب عالمى كبير تضامنا مع الشعب الليبى ضد نظام القذافى الاستبدادى لكن مبلغ مائة وخمسين ألف يورو، كان فيما يبدو أكبر من قدرة عصفور على المقاومة..
العجيب أن الأخ عصفور بعد أن قبض الشيك من القذافى عاد إلى مصر بسرعة لكى يعقد ندوات حماسية موسعة من أجل الدفاع عن كتاب ألف ليلة وليلة.. هل يمكن أن نصدق جابر عصفور بعد ذلك فى دفاعه عن حرية الإبداع؟ إن الحريات لا تتجزأ. لا يمكن أن ندافع عن حرية الإبداع بمعزل عن بقية الحريات العامة.. إن حرية الإبداع على أهميتها الكبرى لا تكتسب قيمتها إلا فى سياق الدفاع عن حقوق الناس وحريتهم وكرامتهم.. إن الفرق بين موقف جابر عصفور وموقف الروائى جوى تيسولو، هو بالضبط الفرق بين المصالح والمبادئ، بين الباطل والحق.. عندما يفعل مثقفونا جميعا مثل جوى تيسولو. عندئذ فقط سوف ينتهى الاستبداد ويبدأ المستقبل.
الديمقراطية هى الحل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.