في وقت لم يكن متاحا فيه الحديث عن الفساد طرق بريد الأهرام هذه القضية الخطيرة وفتح ملفها بكل شفافية فلقد نشرتم لي رسالة في16 أغسطس عام2006 بعنوان الفساد بالقانون.. وقلت فيها أن الفساد قد يعم في بعض قطاعات الدولة وقد يتلون كالحرباء بألوف الألوان والأطياف, وقد يدعمه القانون الملتوي بشكل أو بآخر ولكنه في النهاية فساد وإفساد للمجتمع بأسره. ذكرت أن كلمة فساد أصبحت مطاطة, وأن الرشوة والمحسوبية والواسطة والسرقة واستغلال النفوذ وإساءة السلطة.. كل ذلك لم يكن انحرافا وفسادا بالمعني المفهوم, بل يعد فهلوة وشطارة, ولذلك فالمفسد يدير الفساد والانحراف, بشكل قانوني سليم, وهذا هو المفهوم هو الذي كان سائدا عند بعض القيادات الإدارة بالفساد القانوني ولا عجب من انتشار الفساد الإداري وكثرة الانحرافات لدرجة اننا نري اسماءهم في احيان أخري تحتل صفحات الحوادث وسبحان المعز المذل. ألا من عبرة وعظة بأن ربك يمهل ولا يهمل.. وليتهم يقرأون في كتب التاريخ ويعتبرون ويبصرون بأن دوام الحال من المحال.. فرفقا بشبابنا وآماله الجريحة علي صخرة الواقع المظلم الظالم.. ولا تجعل منهم مسنا مشوها منافقا للقيادة الأعلي. وعقب ثورة25 يناير الرائعة, توالت البلاغات عن الفساد والمفسدين في شتي المؤسسات والهيئات والقطاعات بوجود رائحة فساد تزكم الأنوف, يصعب إثباتها بالمستندات, فجهابذة الفساد يتمتعون بوجود جوقة تعزف نفس اللحن النشاز حولهم باختلاف أطيافهم وتخصصاتهم, فمنهم المحاسبون والقانونيون وضاربو الدفوف ليزفوا أيضا زواج القيادات بتلك الجوقة ممن يسهلون لهم استنزاف أموال الدولة. وعلي ذلك فإثبات الفساد بالمستندات قد يتعذر في أحيان كثيرة, خاصة علي صغار العاملين ممن يشعرون بالفساد حولهم وأعلاهم وأسفلهم, ولا يستطيعون لذلك سبيلا فالمحاسبة والشفافية والحوكمة الرشيدة غائبة في معظم الأحوال, والاستفسارات لها ألف جواب وجواب, بل أن الفجر ليصل إلي أقصي مداه عند الاجابة عن تلك الاستفسارات بالقانون والالتواء والالتفاف علي كل ما هو صحيح وواضح ونزيه. إنها أزمة ثقة.. فالفاسد دائما فاجر وقادر علي إثبات كل ما هو معاكس للحقيقة, بل قد يكون لديه العديد من المستندات التي تشفع صحة أقاويله, بل قد يصل الفجر مداه عندما يقتنع هو ذاته في النهاية بصحة أفعاله وصدق قول رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما قال ما معناه تعس عبد الدينار. يا سيدي إن للفساد أشكالا وألوانا, ودوائر فهناك الدوائر الضيقة والدوائر المتسعة قليلا ثم الأكثر أتساعا.. الخ, وهو يبدأ بالمال والسلطة واجتذاب كل الذمم الخربة حوله وتهميش وأقصاء كل شريف وطاهر. وهناك العديد من قضايا الفساد بالمستندات الداعمة, وتكمن في أدراج الأجهزة الرقابية ولم تقدم إلا بعد طلبها, فلماذا؟؟ أليست هذه هي الفرصة السانحة لتفعيل تلك القضايا فلماذا التأخير في تقديمها للنائب العام؟؟ وما شأن قضايا الفساد التي لا تدعمها مستندات ترقي لمستوي المستند الذي يدين صاحبه, وقد يضطر البعض لغض النظر عن وقائع الفساد نظرا لعدم وجود المستند, وذلك أشبه بطلب الزوجة الطلاق للضرر, فليس لديها ما يثبت وقوع الضرر عليها فيضطر المحامي إلي أن يلجأ إلي إيجاد نوع مادي من الضرر حتي يتسني لها الفوز بالطلاق البائن وكيف يتسني للموظف أن يثبت أنه مهمش في مؤسسته وكيف يثبت أنه يتضرر من هذا الواقع المرير.. أي أنه بلا عمل تقريبا؟ وكيف يثبت أن هناك أسماء بعينها تنال جميع المكافآت والحوافز والفوائد, حيث أن ذلك بالطبع يكون مقابل أعمال تسند إليهم ولسنا هنا بصدد.. هل العمل في مستوي المكافآة أم لا؟؟ يجب المحاسبة والمراجعة وتقييم الأداء والضرب بيد من حديد علي كل من تسول له نفسه التلاعب بأموال الشعب.. وحتي لا يترك القيادي ليصبح ديكتاتورا أي دولة داخل دولة هو واتباعه, لابد من ضمانات لوصول أصوات صغار العاملين في أي مؤسسة فلقد طال الظلم وآن الآوان لكشفه. انها قضية مناخ عام فاسد ومفسد وفاجر وأمثالنا الشعبية غنية بتعريف ألوان الفساد وأشكالها ونحن نأمل أن يتسع صدر الأجهزة الرقابية للإبلاغ عن كل ألوان الفساد وأشكاله حتي ولو كانت بدون مستند, ويجب التحقيق في ذلك. * تلقيت هذه الرسالة من الدكتورة عزيزة عبدالرزاق, وأراها جديرة بالبحث والمناقشة, فقد تكشف مثل هذه البلاغات عن أوجه فساد لا تعلمها الجهات المسئولة, وسيكون الوصول إلي المستندات من صميم عمل الأجهزة الرقابية التي من حقها أن تفتش في كل صغيرة وكبيرة من أجل الحقيقة, وما لا يتيسر للمواطن العادي.. أليس كذلك؟.