ابراهيم السخاوى: سقطت الضربة القاضية لثورة 25 يناير على ظهر حافلة النظام السابق، فأجبرت ركابها من عصابة جمال مبارك على إلقاء سرقاتهم في عرض الشارع. هذا ما اتضح جليا خلال الأيام القليلة التي أعقبت الثورة، حيث أزيح الستار الأسود، لتنكشف ما وراءه من فضائح وسرقات تقدر بمليارات الجنيهات، ومنها: أرض المقطم التي استولى عليها محمد شفيق جبر في "المنطقة ج"، منذ أكثر من سبعة أعوام، حاول فيها إخفاء ملامحها، بسور شجري، وحراسة أمنية مشددة، ولافتات لشركته "آرتوك جروب "، وتقدر قيمتها السوقية الحالية بنحو 500 مليون جنيه. الأرض التي لم تجرؤ شركة النصر للإسكان والتعمير، على تحريرها ذات يوم من أيام الحكم المباركي الزائل، أصبحت الآن مسرحا هزليا لشفيق جبر ورجاله، الذين احتاروا في تحديد طريقة آمنة يعيدونها بها إلى الدولة، حتى لا تحرز ضمن الممتلكات المنهوبة من الشعب، بحماية جمال مبارك، الشريك الأساسى فى شركات شفيق جبر، حسبما تردد. تبلغ المساحة التقديرية للأرض نحو 20 فدانا (84000 متر مربع)، حاصرها شفيق جبر بسور ضخم كثيف من أشجار الفيكس، وأخضعها للتطوير والتقسيم الجمالي بمساحات شجرية وأحواض زينة، ونوافير مضاءة، توطئة لتقسيمها إلى مجمع سكني فخم في منطقة يقدر سعر المتر المربع فيها بنحو ستة آلاف جنيه. ومنذ نجاح ثورة 25 يناير في إجبار الرئيس السابق على التنحي، بدا أن شفيق جبر قد ألقى بغنيمته الحرام خارج رحم مجموعة "آرتوك جروب"، فأزال اللافتات التي كانت ترسخ وضع اليد، ثم اختفت الحراسة الأمنية عدة أيام، لتظهر بعدها الفصول اليومية للمسرحية الهزلية، حيث اتضح أنه وقف حائرا "عين في الجنة وأخرى في النار"، تجاه هذه الغنيمة التي لم يهنأ بها. هذه الأرض أصبحت الشغل الشاغل لمعظم سكان "المنطقة ج" والمناطق المحيطة بها في المقطم، حيث تتغير اللافتة الموضوعة على بابها يوميا بالتناوب، فيما يجلس حارس غير رسمي على رصيف شركة الكهرباء المقابلة، ليسجل ملاحظات المارة فقط. سكان المقطم أصبحوا حائرين أيضا تجاه ما ينبغي اتخاذه من إجراءت رسمية حيال هذه الأرض، ففيما تحمل يوما اسم "حديقة عامة"، يأتي اليوم الثاني باسم جديد "حديقة الجولف"، وربما يتركها شفيق جبر عدة أيام بلا هوية بفعل التخبط، لكنها في جيمع الحالات تحتفظ بلافتة صغيرة جانبية من الإرث القديم كسهم يشير إلى مقر شركة "آرتوك جروب "، ما دفع بعض المتابعين من السكان لاعتبار هذه اللافتة التابعة لمجموعة " آرتوك جروب " "مسمار جحا" الذي يضمن عودة الاستيلاء على الأرض، إذا نجحت حيلة جمال وأعوانه بالثورة المضادة لإعادة مصر إلى ما كانت عليه قبل 25 يناير. ويتحدث السكان أيضا عن عمليات مريبة تخضع لها الأرض ليلا، إذ تسمع فيها أصوات معدات ثقيلة "بلدوزرات ولوادر وشاحنات قلابة"، ربما تعمل بتكليف من شفيق جبر لإخفاء أو ردم ملفات تابعة للنظام السابق، لتتحول هذه الأرض اللغز إلى كنز يحمل أسرارا لحقب مقبلة من تاريخ مصر. يذكر أن محمد شفيق جبر كان قد دخل عالم البيزنيس منذ نحو 15 عاما فقط بمكتب للاستشارات التسويقية في مجال الاستثمار العقاري والتجاري، ونجح في جمع ثروة هائلة أدخلته قائمة أغنى 40 رجلا عربيا خلال عام 2010، وفقا لتصنيف مجلة "أربيان بيزنس" التي قدرت ثروته بنحو 1.2 مليار دولار (نحو 7 مليار جنيه). وتتفرع شركات شفيق جبر من مجموعة "آرتوك جروب"، ومنها: "آرتوك للاستثمار والتنمية"، ويرأس مجلس إدارتها شفيق جبر بنفسه منذ تأسيسها في 1994 برأس مال قدره 500 مليون جنيه، وتتخصص وفقا لسجلها في هيئة الاستثمار، فى دراسة مجالات الاستثمار والتسويق العقاري ودراسة المشروعات الفنية. كما تملك المجموعة، شركة تعمل في مجالات التوكيلات التجارية والاستثمارات والاستيراد والتصدير، والخدمات البترولية، وتأسست برأسمال يبلغ 250 ألف جنيه، عام 2008 بالقانون رقم 159، ويجسد رأسمالها عنصرا هزليا آخر، حيث لا يكفي المبلغ لتجهيز بوفيه عشاء من تلك العشاءات التي كان شفيق جبر يقيمها شهريا لجمال مبارك وأصدقائه في مبنى المجموعة في المقطم. أما الشركة الأكثر ريبة، فهي تلك المتخصصة فى تجارة السيارات، وتمثل النشاط الملموس لشفيق جبر، وتركز على توكيل "اسكودا"، واكتفى شفيق جبر بأن يكون عضوا في مجلس إدارتها فقط، ويبلغ رأسمالها 100 مليون جنيه. واشتهر شفيق جبر بأنه رجل الأعمال الغامض الذي يتخصص في استقطاب المستثمرين الأجانب بنفوذه داخل لجنة سياسات جمال مبارك في الحزب الوطني، وكانت صفقة شركة "إعمار" الإماراتية خير دليل على ذلك، حيث استقطب جبر رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار رئيس "إعمار"، ونجح الأول في تقديم تسهيلات للثاني بالحصول على أرض "آب تاون كايرو" في المقطم من شركة النصر للإسكان والتعمير، وأرض مشروع "مراسي" في منطقة سيدي عبد الرحمن في الساحل الشمالي، من الشركة القابضة للسياحة، ثم تخارج شفيق جبر من الصفقة كليا بعد إثارة العديد من المشاكل، لينجح في ابتزاز العبار بعمولة تقدر بنحو مليار جنيه. وتبين وقت نجاح عملية السمسرة، أن شفيق جبر لم يسدد الضريبة المستحقة على هذه العمولة المثبتة في محاضر التخارج، حيث كان من المفروض قانونا أن يدفع ضريبة نسبتها 20 في المائة على الأرباح، أي بما يقدر بنحو 200 مليون جنيه، حيث تم إدخال الصفقة إلى البورصة المصرية للمضاربة بها، ليتم إعفاؤها من الضريبة المستحقة عليها. [email protected]