أعتقد ان الفرصة مواتية الآن أكثر من أي وقت آخر بل ربما لا تتكرر إلا بعد سنوات لا يعلم الا الله سبحانه عددها! فانه لا يوجد في البلاد رئيس يفرض سيطرته أو حكومة حزبية تتحيز لمنظورها.. ولا توجد قوة اجتماعية تلوح بسيطرتها.. فان المجتمع يموج ويفور ويستقر عقله ويركز علي الواقع الراهن. .. والمستقبل وكيف يكون.. ومن ثم فان هذه خير لحظة ينبغي ان نتمسك بها ونحسن استثمارها لكي نبحث وندرس ونضع صياغة لمشروع علمي عملي قابل للتحقيق يعمل بسرعة محسوبة علي نهضة مصر في مختلف المجالات والميادين لتمارس دورها لترقية حياة كل مواطن فيها.. ولتقف مع كل أشقائها: عربيا وافريقيا واقليميا بقدر ما تتحمل وتطيق وما يضعها في المكانة اللائقة بها دوليا.. ومما يدعو الي صياغة هذا المشروع النهضوي..ان مصر تبدأ مرحلة جديدة عقب ثورة هي وبحق وبالتعريف العلمي ثورة شعبية من حيث انها اذا كانت قد اندلعت بتحرك الشباب الذي هو النبض الحي للشعب فان الجماهير هي التي أضافت الي الشعلة وهجا.. كما ان القوات المسلحة الذراع القوية للشعب تولت الحماية.. فكان الاستمرار.. وكان التغيير الجذري للنظام الحاكم.. وهذه هي الثورة التي تعني سقوط هياكل ما كانت تظن انها ستتهاوي.. واستلزم ذلك بالضرورة خوض فترة انتقالية يتحتم ان تكون قصيرة الي أقل ما يمكن.. لتعقبها بالضرورة عملية بناء من الخير ان تكون في ضوء رؤية متكاملة.. حتي يشمخ البناء محققا كل المطلوب دون الاقتصار علي عمليات ترميم واصلاح بالاضافة والخصم.. فان هذه قد تصلح لوقت ما.. لكنها أبدا.. لا تستمر! ومن ناحية أخري.. فانه مما يحفزنا الي بناء هذا المشروع.. ان الخزانة العقلية المصرية زاخرة بتراكم خبرة عميقة وثرية.. وان كان المهم الفارق الذي يعطي النجاح أو يدمي بالألم هو: حسن الاختيار وطريقة التناول وكيفية التعامل. ومن الأولويات اللصيقة بهذا ضرورة الفحص والتمحيص وصولا الي ا دقة المعلومات والبيانات لتكون ركيزة سليمة لما يلحقها من تحليل وترتيب ونتائج.. ولعلني أحاول تلخيص هدف المشروع المقترح في سؤال جامع هو: من نحن وماذا نريد.. وكيف ومع ان هذا السؤال يبدو ساذجا الا ان الاجابة عليه تختلف وأحيانا تتناقض خاصة في أوقات الانفعال والفوران.. ومن ثم فانه ينبغي التأكيد علي هوية الشعب المصري.. واذا كنا اليوم نقول ان مصر مع اعتزازها بتاريخها وحضارتها فهي جزء له فاعليته وتأثيره من الأمة العربية وانها تنتمي جغرافيا وعضويا الي افريقيا وانها بهذا القدر لها الدور الحاضر في المجتمع الانساني الدولي.. فان هذا المفهوم ليس مستحدثا.. واذا كان جمال عبد الناصر في فكره عبر كتابه فلسفة الثورة قد صاغه بالحديث عن الدوائر الثلاث: العربية الإسلامية الأفريقية.. وبعدها: العالم الثالث/ النامي.. فان هذا من ضرورات ودواعي الأمن القومي المصري.. وهو كان أساسا من أسس العقيدة المصرية التي نجدها واضحة تماما في الدولة المصرية القديمة منذ وعلي مدي آلاف السنين وعلي سبيل المثال فانه لم تكن مغامرة ان يتصدي المصريون للحيثيين والهكسوس والمغول والصليبيين.. وغيرهم.. مع مطاردة الغزاة وتحرير بلاد المنطقة ثم تسليمها الي أهلها.. ولكن كان هذا دفاعا عن الدولة.. وبنفس المنطق جاء دور مصر مع تداعياته في الصراع العربي الإسرائيلي.. وأيضا كان دورها في تحرير الدول الافريقية وفي دعم حركات التحرر بدول العالم الثالث/ النامي.. ومن المهم في مشروع النهضة ان نؤكد هذا الانتماء القومي لمصر ودورها الإقليمي والدولي.. مع ما يرتبط به ويصاحبه من علاقات وثيقة في كل المجالات وعلي مختلف المستويات والأصعدة.. ولكي تقوم مصر بهذا الدور.. ولينعكس إيجابا علي شعبها.. فانه لابد من مراعاة هذا الشعب ا العظيم والحفاظ علي نقائه وقدراته.. ولا يمكن ان يتحقق هذا الا بالعدالة.. بمفهومها الواسع العميق التي توفر للمواطن حقوقه الأساسية في المسكن والغذاء والرعاية الصحية والتعليم والعمل وما الي ذلك مما يندرج تحت عناوين عديدة أبرزها ا العدالة الاجتماعية.. و ا سيادة القانون بلا تفرقة.. و ا تكافؤ الفرص بلا محسوبية.. ويجب استطرادا ان يتطرق المشروع النهضوي الي مسائل تفصيلية في ضوء متغيرات العقود الخمسة الماضية.. ومنها ا النظام السياسي في الدولة.. فقد ظهر الاتجاه الي ا الدولة المدنية.. الديمقراطية.. البرلمانية وهذا مبدأ يحظي بموافقة الأغلبية.. لكن ثمة خلاف حول تفسير: ا البرلمانية وقد يغلب الرأي القائل بأن يكون رئيس الدولة رمزيا لكي تتركز المسئولية في ا الحكومة المنتخبة التي يحاسبها البرلمان.. وذلك خشية من اعطاء صلاحيات متعددة للرئيس كما في الدستور الحالي ومع ان هذا سليم الا ان هناك رأيا آخر لعلني أنحاز اليه يجمع بين النظامين البرلماني والرئاسي.. وهو يتسق مع طبيعة وظروف مصر.. وذلك باعطاء الحكومة الصلاحيات والمسئولية.. لكن علي ان لا يكون الرئيس رمزيا فقط انما لابد ان تكون لديه بعض الصلاحيات المحكومة والتي تتحدد من خلال مناقشة موضوعية هادئة. ومن المسائل التفصيلية أيضا التي لابد من ذكرها في المشروع.. ا النظام الاقتصادي.. فقد ثبت ان فلسفة النظام الحر اقتصاديات السوق.. علي النحو الذي كان.. أنتج مشاكل سيئة معقدة كانت هي محركا أساسيا من محركات وأسباب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 إذ تفشت البطالة وارتفعت الأسعار واختل توازنها مع الأجور الضعيفة بالنسبة للأغلبية وانتفي الاستقرار الحياتي سواء في القطاع الخاص الذي لا تطبق معظم وحداته نظم التأمينات الاجتماعية والصحية.. أو.. في القطاع الحكومي الذي اتجه الي إلحاق العاملين به دون تعيين ودون عقود دائمة الأمر الذي أدي الي تظاهرات واحتجاجات!! ومن المسائل المهمة ا التعليم والبحث العلمي.. واذا كان الكلام قد كثر حول هذه القضية.. فانني فقط أضيف انه لا يمكن ان يحدث تقدم في البحث العلمي وتطبيقاته التكنولوجية الا اذا حدث أمران أساسيان. الأول: هو ربط جهات الانتاج عامة وخاصة بالمراكز البحثية والثاني: ان تحدد الدولة بأهل الخبرة والرأي مشروعها العلمي أو: مشروعاتها ليعكف عليه العلماء. ولا أريد الاستطراد في مسائل أخري.. ولكني أود التركيز في مشروع النهضة علي دور هام وأساسي للثقافة والاعلام.. الي جانب التعليم والمؤسسات والمراكز الدراسية والبحثية سواء في اعداد وصياغة المشروع النهضوي.. أو.. في حمايته والترويج له.. وهذا كله اضافة الي الركيزة المهمة وأعني بها االأمن فان تبلورت القضايا والمسائل السابق الاشارة الي بعضها وجري تنفيذها بسلامة ودقة فانها ستحقق سلامة المجتمع.. وأمنه الذي يتولي اختصاصه المباشر جهاز الأمن وهو هام سواء كان جنائيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا.. كما انه مهم سياسيا بمعني الحماية من التيارات الهدامة وشبكات الارهاب والعنف والتجسس.. لكن المهم.. كيف تؤدي أجهزة الأمن عملها بعدالة وحق.. وبسيادة قانون.. وباحترام المواطن وحرماته وفق مبادئ حقوق الانسان كما جاءت في شرع الله وفي المواثيق الدولية والانسانية. أما القوات المسلحة.. فهي ليست فقط الدرع الحامية للوطن ان حربا أو سلما.. لكنها أيضا قاطرة مهمة للتقدم الاستراتيجي والعلمي والنمو.. والتي ينبغي بالتالي ان تتوافر لها كل الامكانيات.. ماديا وبشريا. و.. اذ ندعو الي هذا المشروع النهضوي الذي تحتاجه مصر.. فاننا نكرر ان الحاجة اليه الآن.. شديدة. وان الفرصة مواتية وسانحة.. فهل سنحسن استثمارها! المزيد من مقالات محمود مراد