رغم الارتفاع العالمي.. مفاجأة في سعر الذهب اليوم الأربعاء    ندوة "تحديات سوق العمل" تكشف عن انخفاض معدل البطالة منذ عام 2017    مدير المخابرات الأمريكية يزور إسرائيل لاستكمال مباحثات هدنة غزة اليوم    الأردن وأمريكا تبحثان جهود وقف النار بغزة والهجوم الإسرائيلي على رفح    ميدو: عودة الجماهير للملاعب بالسعة الكاملة مكسب للأهلي والزمالك    شريف عبد المنعم: توقعت فوز الأهلي على الاتحاد لهذا الأمر.. وهذا رأيي في أبو علي    المتحدث الرسمي للزمالك: مفأجات كارثية في ملف بوطيب.. ونستعد بقوة لنهضة بركان    إعادة عرض فيلم "زهايمر" بدور العرض السينمائي احتفالا بعيد ميلاد الزعيم    ياسمين عبد العزيز: محنة المرض التي تعرضت لها جعلتني أتقرب لله    شاهد.. ياسمين عبدالعزيز وإسعاد يونس تأكلان «فسيخ وبصل أخضر وحلة محشي»    ماذا يحدث لجسمك عند تناول الجمبرى؟.. فوائد مذهلة    بسبب آثاره الخطيرة.. سحب لقاح أسترازينيكا المضاد لكورونا من العالم    5 فئات محظورة من تناول البامية رغم فوائدها.. هل انت منهم؟    «الجميع في صدمة».. تعليق ناري من صالح جمعة على قرار إيقافه 6 أشهر    متحدث الزمالك: هناك مفاجآت كارثية في ملف بوطيب.. ولا يمكننا الصمت على الأخطاء التحكيمية المتكررة    «لا تنخدعوا».. الأرصاد تحذر من تحول حالة الطقس اليوم وتنصح بضرورة توخي الحذر    الداخلية تصدر بيانا بشأن مقتل أجنبي في الإسكندرية    تحت أي مسمى.. «أوقاف الإسكندرية» تحذر من الدعوة لجمع تبرعات على منابر المساجد    عاجل.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه لفلسطين المحتلة لاستكمال مباحثات هدنة غزة    مغامرة مجنونة.. ضياء رشوان: إسرائيل لن تكون حمقاء لإضاعة 46 سنة سلام مع مصر    3 أبراج تحب الجلوس في المنزل والاعتناء به    "ارتبطت بفنان".. تصريحات راغدة شلهوب تتصدر التريند- تفاصيل    رئيس البورصة السابق: الاستثمار الأجنبي المباشر يتعلق بتنفيذ مشروعات في مصر    «العمل»: تمكين المرأة أهم خطط الوزارة في «الجمهورية الجديدة»    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة، أبرزها مواجهة ريال مدريد والبايرن    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    جريشة: ركلتي جزاء الأهلي ضد الاتحاد صحيحتين    كيف صنعت إسرائيل أسطورتها بعد تحطيمها في حرب 73؟.. عزت إبراهيم يوضح    تأجيل محاكمة ترامب بقضية احتفاظه بوثائق سرية لأجل غير مسمى    هل نقترب من فجر عيد الأضحى في العراق؟ تحليل موعد أول أيام العيد لعام 2024    ضبط تاجر مخدرات ونجله وبحوزتهما 2000 جرام حشيش في قنا    الأونروا: مصممون على البقاء في غزة رغم الأوضاع الكارثية    أبطال فيديو إنقاذ جرحى مجمع ناصر الطبي تحت نيران الاحتلال يروون تفاصيل الواقعة    اعرف تحديث أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 8 مايو 2024    عاجل - "بين استقرار وتراجع" تحديث أسعار الدواجن.. بكم الفراخ والبيض اليوم؟    تراجع سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الأربعاء 8 مايو 2024    معجبة بتفاصيله.. سلمى الشماع تشيد بمسلسل "الحشاشين"    حسن الرداد: إيمي شخصيتها دمها خفيف ومش بعرف أتخانق معاها وردودها بتضحكني|فيديو    «خيمة رفيدة».. أول مستشفى ميداني في الإسلام    فوز توجيه الصحافة بقنا بالمركز الرابع جمهورياً في "معرض صحف التربية الخاصة"    رئيس جامعة الإسكندرية يشهد الندوة التثقيفية عن الأمن القومي    موقع «نيوز لوك» يسلط الضوء على دور إبراهيم العرجاني وأبناء سيناء في دحر الإرهاب    بعد تصريح ياسمين عبد العزيز عن أكياس الرحم.. تعرف على أسبابها وأعراضها    اليوم، تطبيق المواعيد الجديدة لتخفيف الأحمال بجميع المحافظات    وفد قومي حقوق الإنسان يشارك في الاجتماع السنوي المؤسسات الوطنية بالأمم المتحدة    اليوم.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    أختار أمي ولا زوجي؟.. أسامة الحديدي: المقارنات تفسد العلاقات    ما هي كفارة اليمين الغموس؟.. دار الإفتاء تكشف    دعاء في جوف الليل: اللهم امنحني من سَعة القلب وإشراق الروح وقوة النفس    سليمان جودة: بن غفير وسموتريتش طالبا نتنياهو باجتياح رفح ويهددانه بإسقاطه    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بالعمرانية    صدمه قطار.. إصابة شخص ونقله للمستشفى بالدقهلية    دار الإفتاء تستطلع اليوم هلال شهر ذى القعدة لعام 1445 هجريًا    طريقة عمل تشيز كيك البنجر والشوكولاتة في البيت.. خلي أولادك يفرحوا    الابتزاز الإلكتروني.. جريمة منفرة مجتمعيًا وعقوبتها المؤبد .. بعد تهديد دكتورة جامعية لزميلتها بصورة خاصة.. مطالبات بتغليظ العقوبة    إجازة عيد الأضحى| رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك 2024    القيادة المركزية الأمريكية والمارينز ينضمان إلى قوات خليجية في المناورات العسكرية البحرية "الغضب العارم 24"    ضمن مشروعات حياة كريمة.. محافظ قنا يفتتح وحدتى طب الاسرة بالقبيبة والكوم الأحمر بفرشوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. خضر أبو قورة أستاذ علم الاجتماع الشهير مقرر مؤتمر »تأملات في الشخصية المصرية بعد ثورة 25يناير« في حديث ل »الأخبار«:
النظام السابق كان كارثة حقيقية علي الوطن
نشر في الأخبار يوم 22 - 08 - 2011

د.خضر أبو قورة أستاذ علم الاجتماع المخضرم بجامعة القاهرة ومستشار معهد التخطيط للتنمية البشرية ومقرر مؤتمر "تأملات في الشخصية المصرية بعد ثورة 25يناير".. من آرائه أن المصري هو الوحيد صاحب نهضته علي أرضه منذ فجر التاريخ.. والتاريخ يؤكد ذلك.. والشخصية المصرية النهضوية نجحت في القضاء علي مشروع الشرق الأوسط الكبير والاتحاد الأوروبي المتوسطي"ساركوزي-مبارك".. وليس أمامنا ما يخيفنا بعد ثورة يناير وسقوط اعتي الديكتاتوريات سوي أعداء الداخل وليس الخارج.. !
وقال ان ما عاشه المصريون قبل ثورة يناير هو "الاغتراب الخانق" وهو أقصي ما يصيب الإنسان بوعي وإدراك أنه مغترب سواء عن بيئته أو عمله وبين زملائه.. حتي يصل إلي أقصي مراحله.. وهو أن يغترب المرء في بيته ومع أصدقائه ثم يغيب في ذاته ويغترب عنها..لكن عظمة الشعب المصري تجلت بأن هناك شريحة موازية لم تغترب عن ثقافتها وعصريتها.. جيل أزاح التراب والغبار من علي كتلة من الحجر الأسواني الصلب، وهو في علم الاجتماع يعرف ب" التراكم الحضاري المجتمعي ".
التقينا مع د.خضر في معهد التخطيط التابع لوزارة التخطيط رغم مشاغله في "مطبخ" اعداد الصورة النهائية لأبحاث مؤتمر تأملات في الشخصية المصرية بعد ثورة يناير« .. قال نحن لانزعم انه بما نقدمه من ثلاثة عشر بحثا نقدم مشروعا للنهضة أو لشخصية المجتمع والمواطن ولكنني احلم من الاقتراب من بدايات العمل البنائي النقدي لفتح الطرق التي جمدت البناء الاجتماعي المصري..!
وكان معه هذا اللقاء حول اهداف المؤتمر وكيف كان شكل المجتمع المصري وما احدثته ثورة يناير وآمال المستقبل من وجهة نظر عالم الاجماع.
في البداية.. لماذا مؤتمر "تأملات في الشخصية المصرية بعد ثورة 25 يناير"؟
نحن بالتأكيد بصدد مشروع نهضوي كبير أو علي الأقل نحلم كلنا بذلك بعد ثورة يناير..وهي ثورة أعادت لنا وجه مصر الحضاري أزاحت عنه الغبار.. مع العلم بأنه كانت هناك نبرة عالية حينا وخافتة حينا آخر ومنذ فترة ليست بعيدة وسابقة علي 25يناير في أكثر من موقع ومناسبة بعضها موثق وله شهود ودلائل..وحاولنا في المؤتمر نقدم آليات ومناهج جديدة تبعث علي الرجاء وأكثر جدارة بالحاضر الذي نتقلب في مخاطره العاتية وصعوباته الداهمة وبالمستقبل الذي تشير كل القرائن إلي أنه لايعدنا إلا بالقليل مما نرغب فيه ويتوعدنا بالكثير مما نهاب ونخشي..ونحلم هنا بالاقتراب من بدايات العمل البنائي النقدي لفتح بعض الطرق المسدودة التي جمدت البناء الاجتماعي المصري والوصول للتنمية النافذة للجميع..تنمية تغير وجودنا وتبعث الامل في الشخصية المصرية من جديد وتبني وعيا جديدا..والسؤال مازال مطروحا وعلي الجميع..كيف ندخل عصر النهضة والحداثة وما بعدها ..كيف تحول الشخصية المصرية الجديدة علامة الاستفهام إلي علامة فعل..!
كيف يمكن الإسراع في بناء "مصر الجديدة" من وجهة نظر عالم الاجتماع ؟
حتي أجيب علي سؤالك سأذكر لك واقعة تحضرني هنا وعايشتها في بلادها فرنسا.. فبعد ثورة الشباب الفرنسي في مايو 68 وكنت في بعثة بالسوربون .. اذكر أن الرئيس الفرنسي ديجول بعدما انزعج من جراء الثورة وما أحدثته من شرخ في المجتمع والتبس الأمر عليه بماذا يبدأ حتي يصلح ما حدث في المجتمع الفرنسي.. فسأل احد أهم المثقفين هناك "انديرا مالروا" وقال له: بأي شيء نبدأ الإصلاح ونعجل بالتقدم بعدما أصابنا ما أصابنا.. فأجاب : الثقافة ثم الثقافة ثم الثقافة..والثقافة التي يعنيها هي التي اشار إليها مالروا بمعناها الكلي ..أي النظرة الكلية للثقافة .. وتحتوي علي منظومة التعليم والتربية من الحضانة إلي الجامعة.. زد علي ذلك حرية الفكر فلا ثقافة دون حرية فكر وتعبير.. وهما اللذان يؤديان لحرية الإبداع مما يفرز طبقة جديدة تحمل إبداعا خاصا بها يحرك الحياة من حولنا..!
ولاننسي ان الشخصية المصرية هي التي خططت لمشروع النهضة المصرية الحديثة في عهد محمد علي ممثلة في العلامة الشيخ حسن العطار استاذ رفاعة الطهطاوي استاذ محمد عبده استاذ الشيخين علي عبد الرازق ومصطفي عبد الرازق والقائمة تطول..والسؤال لماذا أخفقنا ؟ لماذا مجدنا محمد علي ونسينا حسن العطار الذي قال لمحمد علي"أي للوالي محمد علي« ينبغي أن تفعل كذا وكذا وكذا فإن فعلت أبقيناك وإلا عزلناك..
الشخصية المصرية فتحت ملحمة استرداد قناة السويس واعادتها لأصحابها - مجتمع مصر - الشخصية المصرية خططت لبناء وتشييد السد العالي العظيم آخر اهرامات مصر المعاصرة.. والشخصية المصرية فتحت طريق التقدم نحو تعميق النهضة الوطنية وتحويلها إلي نهضة اجتماعية حضارية جديدة في الافق...وجاءت نكسة وهزيمة 67..وتخيلت القوي الاستعمارية عموما واسرائيل والولايات الأمريكية خصوصا انها القاضية علي مصر المجتمع والوطن.
لكن الشخصية المصرية لم تنكسر..نعم لم تنكسر والتفت حول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأعادت بناء القوات المسلحة من جديد ..والقوات المسلحة حصن مصر المجتمع والوطن ودرع الشخصية المصرية..ودروس حرب الاستنزاف حتي بعد رحيل عبد الناصر خير شاهد ودليل حتي كانت ثورة مصر وهي نصر أكتوبر 73.. والنهضة ثمرة غالية نبحث عنها منذ عصر محمد علي إلي إسماعيل فتوفيق إلي محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات وأضاع طريقها وحلمها الرئيس السابق محمد حسني مبارك0 لكن شخصية المواطن الإنسان والوطن مصر المجتمع أعادت الأقدام إلي الطريق الصحيح بعد أن كنا نحن مجتمع مصر قد أوشكنا علي فقد كل شئ تقريباً ووصلنا إلي حافة الهاوية من خلال ما سمي بمشروع التوريث.
مؤسسات المجتمع
ألم تكن هناك مؤسسات فعلية بالمجتمع مسئولة عن فعل التقدم مثل مؤسسات التربية والتعليم وهي مسئولة بشكل ما عن الثقافة وعن تنمية الأشخاص؟
وجود البناء لا يعني بالضرورة وجود وظيفته.. فوجود المدارس والمعاهد والجامعات والمؤسسات العلمية البحثية ودراسات عليا وشهادات لا يعني وجود فكر نقدي بنيوي ممنهج علي قواعد من التنظير النابت أو المتولد من انبثاق تصور جديد للمعاني والأشياء . بمعني آخر بأدبيات علم اجتماع المعرفة وعلم اجتماع العلم " الحدث الصاعق الذي يشبه فلق الصبح "..ولكي يحصل ذلك الحدث الصاعق الذي يشبه فلق الصبح لابد من توافر عدة شروط في مقدمتها الثورة التي تهدم نظاماً قديماً مريضاً ، ظالماً ، مختلاً ، جامداً ، متسلطاً لتقيم آخر أي نظاماً آخر جديدا. صفاته عكس كل الصفات السابقة للنظام القديم شكل كارثة حقيقية علي شخصية الوطن "المجتمع" وشخصية المواطن " الإنسان".
العديد من محللي العلوم الاجتماعية قبل ثورة 25يناير أكدوا في دراساتهم أن البناء الاجتماعي المصري أصابته حالة من الهشاشة والجمود وسد منابع التقدم والنهوض؟
بالفعل كنا نؤكد ذلك ورأت معظم الدراسات أنه بدءًا من شخصية المواطن وصولاً إلي شخصية الوطن والمجتمع قد دخلت مرحلة من الهشاشة.. وحدث نوع من التباعد بين الدولة والمجتمع والشرعية واصبحت علاقات التباعد تحل محل علاقات الترابط والشك والريبة أكبر من الثقة واليقين واحتكار الثروة والسلطة أوضح وأقوي من عدالة توزيع ناتج التنمية.. وبدا واضحا أن أهم معالم النظام القديم أنه قد قوي الأمن وأضعف السياسة.
لكن علي مدار عقود من الزمان من 2001 حتي 2010 وتحديداً النصف الأخير بدءا من شتاء 2005 وحتي ثورة 25 يناير 2011 حدثت هزّة اشبه بالزلازل والبراكين.. هزة في الوعي الإدراكي المجتمعي.. بدأت بنقد الدولة السلطة من اجل نقضها وهدمها تلك الهزة أشعل شرارتها شخصية جيل جديد فهم العصر بلغته وصفاته ومشكلاته ولحق به شخصية المجتمع الكبير رجالاً ونساءً.. وكان ما كان.. طوفان 25يناير أسقط السلطة والسلطان الذي إستمر ج
اثماً علي أنفاس المجتمع لمدة ثلاثين عاماً. ونجحت الثورة0 ثورة شعب جديد ومجتمع جديد مجتمع ما بعد 25 يناير 2011 .
هل النظام السابق تعمد تأخر البلاد والوقوف أمام نهضتها؟
نظام الحكم السابق الذي أسقطته ثورة 25 يناير 2011 نجح وبجدارة في منع أي نوع من التقدم أوحتي سؤال النهضة كقضية تهدف لتقدم المجتمع.. والغريب أن من كان يجرؤ علي الاقتراب مسافة أكثر من اللازم ويتحدث عن ضرورة التغيير والنهضة ربما تحترق يداه ولابد أن يَنْفَضّ عنه إعلام السلطة وصحافة السلطة..وهناك نماذج كثيرة لأعلام كبار في مختلف مجالات العلم والمعرفة.. وكان ممنوعا أن نقترب من السؤال الأعظم كيف تتقدم مصر معرفيا وعلميا وأخلاقيا وتكنولوجيا وتربويا وثقافيا.. ممنوع علي المنظومة المجتمعية أن تقترب من السؤال الأعظم وتجيب عليه وتنظر إليه وتحَدق فيه.. ممنوع علينا أن نقارن حالتنا بالحالة التركية أو الماليزية أو الكورية الجنوبية أو حتي الهندية . ودليل ذلك تعطيل أو تجميد مشروع زويل لجامعة العلوم التكنولوجيا لأكثر من عشر سنوات
تجمدت مصر بفعل الحكم السلطوي الديكتاتوري القمعي لثلاثين عاما .. يضاف إلي ذلك تلك الجوقة من كهنة الفرعون داخل ما كان يعرف بالحزب الوطني الديمقراطي المنحل وخارجه فيما كان يسمي بأمانة إعلام الحزب .. وتثقيف الحزب ، وتعليم الحزب ومعهد إعداد قادة الحزب.. قوي كاملة بعددها وإمكاناتها وعدتها مستعدة في كل لحظة للإنقضاض علي كل من تسوّل له نفسه أن يقترب ويسأل لماذا تخلفنا عن النهضة؟ هناك جيوش كاملة من المراقبين في مؤسسات وزير الداخلية الأسبق وأخواتها .هناك كتائب من المراقبين والحراس والموظفين.. منظومة شبه رسمية بنت مشروعيتها وأسست كياناتها علي أن يبقي الحال علي ما هو عليه . بل وتكريس ذلك بمشروع التوريث . لابد من طمس سؤال النهضة والتقدم وتقييد السؤال بالأغلال . بل وصل الزيف والكذب علي تحويل السؤال إلي جواب.
ألم يكن هناك من يجاهر زوراً وبهتانا بأن مصر تعيش أزهي عصور الديمقراطية والحرية ، مصر بتتقدم بينا ، من أجلك أنت ، كذب ونفاق وسوء أخلاق كان يزيدنا جمودًا وتكلسا.
دولة رخوة
كيف كنت تري مصر قبل 25يناير كعالم اجتماع؟
تحولت مصر والمجتمع المصري الي دولة رخوة بلا ملامح ولا هوية ولا شخصية وطنية مميزة وبلا دور وطني قومي واضح الرؤي والأهداف.. بل الأدهي والأمر أنه تم اختراقها من بعض القوي الشيطانية البعيدة والقريبة (تحديداً أمريكا وإسرائيل) التي تلعب علي أرضها بأمنها القومي كيفما تشاء وقتما تشاء . مما يمكن وصفه بجريمة الإفساد والفساد في الأرض مما يوجب المساءلة والمحاسبة والعقاب ..حدث ذلك بعد أن تحولت الدولة في الإحدي عشرة سنة الأخيرة إلي ما يشبه التشكيل العصابي بالإشتراك مع بعض كيانات الشرطة وتحديداً جهاز أمن الدولة المنحل بتفكيك مفاصل المجتمع والدولة والإنحراف بكافة المؤسسات عن مسارها الدستوري والقانوني مما حَجّمَ وصغر من دور مصر المجتمع والدولة .
النظام البائد الفاسد حَوّل المجتمع إلي مايشبه السجن الكبير معتمداً علي جهاز إعلامي ساهم في مخطط شيطاني كبير في تغييب وعي المجتمع وشغل المواطنين بقضايا جانبية أو أحداث مفتعلة . إعلام إمتلأ بالزيف والنفاق بل وزرع الخوف في نفوس المصريين وتأديب من يجرؤ علي الإقتراب من رؤوس النظام وتخويفه ومن لايجدي معه هذا فإن مطارق القمع الإجرامي جاهزة للتصرف . ووصل الجبروت إلي منع شهود الحق من أداء الشهادة لوجه الله سبحانه والوطن.. ومن يتجرأ فلربما يكون مصيره الإعتقال أو التعذيب وقد يمتد هذا السلوك إلي الأسرة والأهل والأقارب من باب "ضرب المربوط حتي يتم إرهاب وتخويف السايب".. وتواتر وتكاثر الإغراق المالي علي المحاسيب والأذناب والذئاب والتابعين وكانت معايير الإختيار تتجه إلي تلك النوعية من عديمي الخبرة والكفاءة وياحبذا لو كان السجل لديهم مختوما ًبختم الوريث لإثبات الجدارة والولاء.. ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
والدكتاتور أو الحاكم المستبد مهما ادعي من خرافات وأوهام حول نفسه ومهما أحاطته جوقة المنتفعين والمنافقين من صفات وقوات ليست عنده فإنه يدرك جيدا أنه جسد من لحم ودم مثل الآخرين يتألم ويخاف الأذي . لكن المسافة التي تفصله في التعبير عن ذلك الإحساس الفيزيائي وبالذات أمام الشعب هي تماماً المسافة التي تلغي الحدود بين الطبيعية والإرادة في ذاكرة الشعب .
وفي لحظة عبقرية أدرك العقل الجمعي للمصريين قيمة الفعل الجمعي ، وهذا ماحدث في كل من مصر وتونس . إمتزاج كيمياء الإدراك والفعل فيما يتصل بالطبيعة البشرية للحاكم الظالم المستبد...قبيل ثورة 25 يناير بأيام وبعدها بأيام في حدود خمسة أو ستة أيام تقريبا تحَوّل مخزون العقل الجمعي وذكاؤه وإدراكه إلي طاقة سرت من النخب إلي الشعب . وإكتشف هذا الإدراك الجمعي أن قوة النظام الظالم لرئيسه وأركانه كانت إنعكاسا لحالة الخوف الجمعي من الذهنية العامة لعموم الناس . وهنا نستدعي صحيح مقولات علوم إجتماع السياسة والمعرفة وعلم النفس الاجتماعي . بالإضافة إلي بعض فروع السياسة والإعلام وهي أن إشكالية " نظام الحكم المستبد الظالم الديكتاتور تكمن في قابلية بعض المجتمعات والشعوب لنوازع الخوف ..الخوف الظاهر والباطن.
إنها الوجه الآخر لتلك المعادلة التي درسها وفصّلها مفكران عربيان بارزان الأول في مصر هو الأستاذ خالد محمد خالد رحمه الله والثاني في الجزائر هو الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله في أن القابلية للاستعمار أخطر وأفدح من الاستعمار نفسه فقد يزول الإستعمار الخارجي ويأتي مكانه استعمار آخر بسبب تلك القابلية ونعني به استعمار نظام الحكم المستبد الفاسد الديكتاتور.
هل الديمقراطية في الوقت الحالي تساعد علي تقدم البلاد؟
الكثيرون يعلمون بأن مصر إذا تحولت إلي الديمقراطية الحقيقية فسوف تصبح في سنوات معدودة دولة عملاقة قوية تعرف جيداً كيف تستفيد وتستثمر ثروة التاريخ والجغرافيا وسوف تكون قائدة مؤثرة شأنها شأن تركيا وإيران..المفكر الإستراتيجي ناعوم تشومسكي كتب في جريدة الجارديان يقول بأن الولايات المتحدة تساند الديكتاتورية في مصر ليس خوفاً من الإسلام المتطور كما تزعم ولكنها تخاف من إستقلال مصر الكامل وتحررها من القيود التي تقيدها بها أمريكا.. تخاف أمريكا من أن تتحرر مصر من التبعية الأمريكية0
إن سقوط الشرعية للنظام السابق بما فيه من إستبداد وظلم لا يعني بالضرورة سقوط الشرعية الاجتماعية لذلك النظام حيث لا تزال الدمامل والبثور والاحتقانات والتقيحات التي أفرزها الإستبداد والظلم في مواقع كثيرة0
مرحلة الأنتقال
الصورة تبدو وكأن الفساد قد طال الجميع من مؤسسات وافراد ..فهل يمكن بعد ذلك اصلاح ونهضة..؟
بالتأكيد الفساد أصاب البنية المجتمعية المصرية خلال العقدين الأخيرين بصورة خاصة وأضعف في الصميم معظم المؤسسات المجتمعية السياسية والاقتصادية والتشريعية والاجتماعية.. لكن في المقابل لدينا كفاءات وطاقات وخبرات محترمة وعريقة في مجالات علوم الاقتصاد والاجتماع والسياسة والإدارة والرياضيات والفيزياء والكيمياء وهكذا.. وفي منظومة المعارف قادرة علي العون والمساعدة في الخروج بالمجتمع ككل إلي بر الأمان ومن النهضة إلي التقدم شريطة أن نحسن إختيار الأكفأ والأفضل في المضمون والجوهر وليس في الشكل والمظهر0
إن أهمية هذه الكفاءات أن تري ما لا يراه الآخرون وتقرأ جيداً ما هو غير مكتوب بين السطور0 فلكي ننتقل ، الثورة إلي النهضة فلا ينبغي بأي حال من الأحوال أن نقبل تحت الضغط أو الحاجة أو العجلة من أمرنا ما يفرض علينا من دعم في مرحلة الإنتقال، فلقد أشار بوضوح واحد من ألمع الدبلوماسيين المصريين السابقين إلي أنه في نية المسئولين في الأمانة العامة للأمم المتحدة بإيعاز من دولة أو جهة خارج الولايات المتحدة بتعيين شخص أو أشخاص في كل من تونس ومصر ينفذون أجندات معينة سياسية أو غير سياسية فلا نريد أن نقع في هذا المحظور0 فاليقظة كل اليقظة من جانب المسئولين ألا يقبلوا تحت ستار برامج دعم التنمية والتحول الديمقراطي الواعي والرشيد تنفيذ مهام أو مصالح لدول خارجية بعيدة أو قريبة0 فمجتمعنا ومصرنا وثورتنا ما إن تخلصت من نظام حكم سلطوي مستبد فيه هذا الكم من الفساد والاستبداد فلا ينبغي أن تقبل وصاية من أحد حتي إذا اتخذ الأمانة العامة للأمم المتحدة ستاراً لذلك 0
أهم منجزات ثورة يناير من الناحية المجتمعية؟
ربما يكون من أهم انجازاتها أنها أزاحت الغطاء عن ثلاثة أصنام أشبه بالكوابيس المعطلة للنهضة والتقدم الأول السرقة والنهب والسلب وحصيلة ذلك الإفقار والفقر.. والثاني الظلم والقهر وحصيلته الإسترقاق والإستعباد.. والثالث الإستيراد والنقل والتقليد وحصيلته الجهل والخرافة والتبعية.. فصغرت الأحلام وضاقت الرؤية وتم إختزاله في الحلم الفردي الصغير المختزل في تحسين أحوال المعيشة.. وغاب الحلم الكبير الذي استدعته الثورة المصرية حينما أيقظت الوعي المجتمعي المصري الكبير في كلياته وجزئياته.. في هذا السياق فإن واحدة من أهم منجزات الثورة المصرية الوليدة أنها أنجزت المرحلة الأولي في فتح الأبواب الموصدة أو المغلقة في طريق النهضة حينما تمت الإطاحة برؤوس النظام السلطوي المستبد ثم اصرت بعد ذلك بأيام قليلة علي تفكيك أجزاء من بنيته وأركانه الأساسية لكن الأهم مرة أخري هو فتح السبل والمنافذ لنقل روح التوافق الوطني التي غمرت المجتمع كله طيلة أيام الثورة المصرية في ميدان التحرير كي تستقر في الوجدان المصري والوعي الجمعي المصري الذي هزم الخوف وانتصر علي الخوف.
ثم يأتي بعد ذلك إستثمار حالة الذكاء والحكمة التي اتسمت بها المؤسسة العسكرية المصرية حفيدة صلاح الدين الأيوبي وأحمد عرابي حينما تركت المجال للقوي السياسية والمجتمعية كي تتفاعل وتتدافع حول شكل النظام السياسي القادم والوصول الي درجة ما من التوافق النسبي حتي تتمكن من تسليم الأمانة لهيئة مدنية مسئولة ترتفع فوق المصالح الضيقة والحسابات الرخيصة من هذا الطرف أو ذاك.. يأتي بعد ذلك أن يدرك الجميع من أحزاب ومنظمات ومؤسسات داخل المجتمع أن الثورة أوجدت فضاءً حرّا واسعا من أسوان إلي الاسكندرية ومن دمياط الي السلوم لايمكن لأية قوة سياسية أن تهيمن عليه وحدها مهما علا صوتها وادعت حضورا تنظيميا قوياً لن تقدر ولن تستطيع أن تملؤه وحدها دون مشاركة فعّالة في كل مكونات البنية المجتمعية الكبري بكافة فصائلها وأطيافها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.