كتب:محمد عثمان حتي ظهر أمس تصدرت صورة السيد أحمد أبوالغيط وزير الخارجية السابق موقع الوزارة علي الانترنت وكأن القائمين علي الموقع يأتهم نبأ رحيل الرجل بعد أن ظل لفترة طويلة متحديا الرفض الشعبي له وتعلل بأنه تربي في بيئة عسكرية وأنه مثل الجندي لايمكن ان يغادر الميدان. الميدان الذي لفظ أبوالغيط مغادرته طوعا باعتباره جزءا من نظام سابق هو ميدان السياسة الخارجية التي كانت أحد العناوين الكبري للفشل, أما الميدان الذي احتقره فهو ميدان التحرير. لقد كان السؤال المطروح دوما وقبل ثورة25 يناير بسنوات عدة لماذا يبقي أبوالغيط رغم الفشل في ادارة سياسة مصر الخارجية ورغم مواقفه التي أثارت الغضب, وكانت الإجابة التي تلقيتها من عدد من الدبلوماسيين المخضرمين ان أبوالغيط بسجله الحافل في شغل منصب مدير مكتب هو الشخص المناسب للمرحلة, حيث المطلوب موظف ينفذ التعليمات ولامجال لابتكار أو رؤية خلاقة أو منع أزمات, ووزير يفاخر بأنه أفشل قمة دعت اليها قطر لنصرة الشعب الفلسطيني. أبوالغيط المولود في عام1942 والذي التحق بالخارجية في عام1965 عمل في الفترة من77 1979 سكرتيرا أول لمكتب وزير الخارجية, وفي الفترة من89 1991 كسكرتير سياسي خاص لوزير الخارجية وفي الفترة من91 1992 كمدير لمكتب وزير الخارجية ومن96 1999 عمل مساعدا لوزير الخارجية لمكتب الوزير عمرو موسي. مارس السيد أبوالغيط مهام العمل كوزير للخارجية منذ عام2004 وحتي2011 باعتباره مدير مكتب من فوق مقعد جلس عليه من قبل رجال عظام مثل عبد الخالق ثروت وعلي ماهر وعبد الفتاح يحيي وواصف بطرس وحسن صبري ومصطفي النحاس ومحمود فهمي النقراشي ومحمد صلاح الدين ومحمد حسن الزيات وإسماعيل فهمي ومحمد إبراهيم كامل وكمال حسن علي وكانت المقارنة ظالمة له مع أخر وزيرين للخارجية من قبل وهما عمرو موسي وأحدم ماهر رحمه الله. علي طريقة الموظف الذي يقول لرئييسه كل شئ تمام عمل أبوالغيط وغطي علي الفشل في كافة ملفات السياسة الخارجية باتباع مصطلحات غير دبلوماسية مثل قطع الأرجل وقطع الأيدي, وكان أسدا علي المستضعفين من المحاصرين في غزة ونعامة في الساحات الدبلوماسية التي كانت تتطلب جسارة في التعامل واتساقا مع مبادئ القانون الدولي والحق والعدل. ومع هبوب رياح الثورة الغربيةالشرقية علي الوطن العربي انطلاقا مع تونس كان من الطبيعي ان تسري القشعريرة في أجساد زملاء بن علي من الحكام المتسلطين, ولكن أبوالغيط قال في تصريحات موجهة الي الرئيس, لأنه لم يكن معنيا بالشعب بأن مقارنة تونس بمصر كلام فارغ وهو نفس منطق سيف الإسلام القذافي الذي قال في بداية الثورة الليبية ان ليبيا ليست تونس أو مصر. وعندما أراد أبوالغيط أن يوضح الفروق الجوهرية التي تجعل مصر ليست مثل تونس, لجأ الي إحصاء خطوط التليفون المحمول في مصر قائلا ان مصر بها60 مليون خط محمول وكأن امتلاك خط محمول بثلاثة جنيهات وجهاز يمكن ان يكون سعره مستعملا25 جنيها دلالة كافية علي حالة الرفاهية التي تشكل حصانة ضد الثورة. وبينما كانت دول حوض النيل تبرم اتفاقا يهدد حصة مصر من المياه كان أبوالغيط منشغلا في معركة مع السيد عمرو موسي أمين عام الامعة العربية عندما ألمح الي امكانية ترشحه للانتخابات الرئاسية واعتبر ذلك تدخلا في الشئون الداخلية المصرية. أبوالغيط الذي نفي وجود أزمة توريث في مصر وأكد في تصريحات لصحيفة الحياة اللندنية في أغسطس الماضي ان الرئيس حسني مبارك سيكون مرشحا للانتخابات المقبلة( في2011). وأضاف عندما ننتخب رئيس الجمهورية المصرية في2011 فإننا واثق انه سيكون الرئيس حسني مبارك, وفي حديث لتليفزيون العربية قال ان أسباب الثورة خمسة أسباب علي رأسها تقدم سن الرئيس وعدم وضوح الرؤية بالنسبة لخليفته والحديث عن التوريث والفساد. إذن عاد أبوالغيط ليعترف بالتوريث الذي أنكره وليعترف بالأمراض الفصال في النظام السياسي بقيادة مبارك التي اشعلت وقود الثورة رغم أنه لم يمضي وقت طويل علي تصريحاته السابقة بأن مبارك مرشح الرئاسة وقال انه لايوجد تخبط وتوتر داخلي ولايوجد أصلا توريث في مصر. ومثلما روع أبوالغيط التونسيين من عاقبة تورثهم التي أدت الي خلع بن علي وقال أن الشعب التونسي سوف يسأل عن هذا الوضع في المستقبل. فإنه روع المصريين قائلا الي من يتحدثون عن انشاء مجلس رئاسي أو حكومة إنتقالية أو مايعرف بشرعية الثورة فإن هذا سيؤدي الي أن مصر ستكون معرضة لفوضي. وقد راج مصطلح الأجندات الخاصة في أوساط النظام في مسعي لتصوير الثوار بأنهم عملاء ولكن أبوالغيط وبعد نجاح الثورة رأي ان هناك تحالفا غير مقدس لاحظ الابتكار في المصطلحات بين طهرانوواشنطن فيما يخص الثورة المصرية وكأن الولاياتالمتحدة وإيران المختلفتين منذ عام1979 اتفقتا في عام2011 علي تخليص الشعب من نظام حكم مبارك الذي اعتبرته واشنطن دوما رصيدا استراتيجيا. لقد كان أبوالغيط الرجل المناسب لختام مرحلة حكم الرئيس مبارك وسوف يحتاج الأمر مجهودا كبيرا لاصلاح ماتم إفساده في السياسية الخارجية لمصر.