كما تكونون يولي عليكم أو يؤمر عليكم فانه إذا صلح الحاكم أصلح الله له الرعية وإذا صلحت الرعية رزقهم الله حاكما صالحا عادلا يراعي الله في رعيته فيتقي الله فيهم ويعمل من أجلهم ويجد لهم وهذا ما أرساه وبينه أبوبكر الصديق فور مبايعته بالخلافة فوقف في الناس خطيبا وقال: أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فاعينوني وان أسأت فقوموني. الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتي أريح عليه حقه إن شاء الله والقوي فيكم ضعيف عندي حتي آخذ الحق منه إن شاء الله لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم بالبلاء ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم. وقد علق الدكتور علي محمد الصلابي في كتابه أبوبكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره علي خطبة الصديق بكلام مفاده أن أبا بكر أعطي رعيته الحق في مراقبة الحاكم ومحاسبته وأقر مبدأ العدل والمساواة بين الناس مبينا أن الصدق أساس التعامل بين الحاكم والمحكوم ومعلنا التمسك بالجهاد واعداد الأمة لذلك وهذا ما فهمه الصديق من قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر, ورضيتم بالزرع, وتركتم الجهاد, سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتي ترجعوا إلي دينك كما أكد أبوبكر الصديق أنه يجب تطهير المجتمع من الفواحش والفساد لأنه إذا انتشرت الفاحشة في قوم عمهم الله بالبلاء ويختتم أبوبكر رضي الله خطبته بإعلان أن القرآن الكريم والسنة النبوية هما المرجعية العليا.. ولما كان هذا حال الخليفة أصلح الله له الرعية وذلك وضح جليا في قول عمر بن الخطاب عندما أتي أبا بكر يريد اعفاءه من منصب القضاء, وسأله أبوبكر أمن مشقة القضاء تطلب الاعفاء يا عمر؟ فقال عمر: لا يا خليفة رسول الله, ولكن ليس بي حاجة عند قوم مؤمنين عرف كل منهم ما له من حق, فلم يطلب أكثر منه, وما عليه من واجب. فلم يقصر في ادائه, أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه, إذا غاب أحدهم تفقدوه وإذا مرض عادوه, وإذا افتقر اعانوه, وإذا احتاج ساعدوه وإذا أصيب واسوه, دينهم النصيحة, وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ففيم يختصمون؟ يقول د.عبدالله فرج في كتابه قواعد السلف الذهبية في الأخوة الإيمانية معلقا علي قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن عظيم مشكلاتنا أننا نطلب أكثر من حقوقنا, ونتجاوز إلي حقوق غيرنا, ونعتدي عليها, ولا نؤدي ما علينا من حقوق.. فالمشكلة أننا نصر علي أخذ حقوقنا, وافية كاملة, في الوقت الذي نتهرب فيه من تسديد الحقوق التي علينا والوفاء بواجباتنا.. يري أحدنا لزام الوفاء بالوعود وأداء حقوقه وقيام الآخرين بواجباتهم كاملة ويري كذلك لزام أن يقبل الناس اعذاره, ويسوغوا اخطاءه ولا يري شيئا من ذلك يلزمه.. أليس هذا أس الداء وأصل البلاء؟!! وحين يستسلم الجمع للحق, ويكونون جنودا مخلصين في ميادينه وينتصرون له علي القرابة والصداقة والصحبة والولد والزوجة.. تصفو القلوب, وتسلم النفوس من الشح, والبغض والحسد, والكراهية.. عندها فقط نحب لاخواننا وجيراننا وأهلنا ما نحب لأنفسنا.. عندها فقط نتفقد الغائب ونعود المريض, ونعين الفقير ونساعد صاحب الحاجة, ونواسي صاحب المصيبة, شأننا النصيحة.. لا نبحث لأحد عن فضيحة.. أمرنا بالمعروف, ونهينا عن المنكر.. نغفر الزلل, ونتجاوز عن الإساءة ونقبل العذر.. إذا كنا هكذا.. هل نكون بحاجة إلي محاكم ومحاكمات؟! إذا كنا هكذا ففيم الخصومة أصلا؟!