بعيدا عن كتب التاريخ التي يكتبها المؤرخون, يظل هناك تاريخ من نوع آخر لا يقل أهمية, إنه التاريخ الموازي الذي يسجله البشر عبر تجاربهم الشخصية خاصة إذا ما ارتبطت تلك التجارب بتاريخ الأمم والشعوب. فمن عزبة البرج في ثلاثينيات القرن الماضي, مرورا بكلية الحقوق بجامعة القاهرة, والالتحاق بالخارجية المصرية ممثلا لمصر في عدة محافل دولية, وانتهاء بمسيرة لا تقل أهمية من الانخراط في العمل العام,تشكلت رحلة عمر السفير عبدالرءوف الريدي التي رصد محطاتها الثرية عبر كتابه رحلة العمر:مصر وأمريكا.. معارك الحرب والسلام. يبدأ الريدي مذكراته منوها إلي الدور الرئيسي الذي لعبته المصادفات في رحلة عمره التي اقترنت بتاريخ مصر مشيرا إلي أن هدفه لم يكن مجرد تسجيل للأحداث و إنما أيضا رسم الصورة والمناخ الفكري الذي جرت فيه تلك الأحداث والمشاعر الإنسانية التي أحاطت بها ليتعرف عليها أبناء مصر. تنطلق رحلة الريدي من الجذور من قرية عزبة البرج بدمياط حيث ولد ونشأ فيعرض ذكريات الطفولة وكيف تفتح وعيه علي العالم الذي يعيش بداخله لندرك من خلال ذكرياته تلك كيف تشكل وعي الدبلوماسي والسياسي. ثم تبدأ مسيرته المهنية بالتحاقه بالخارجية المصرية عام1955 من نيويورك ضمن بعثة مصر لدي الأممالمتحدة وقد عمل الريدي في حقبتي عبدالناصر والسادات مع محمود رياض وزير الخارجية المصرية ثم الأمين العام لجامعة الدول العربية ثم مع وزير الخارجية محمد حسن الزيات في حرب أكتوبر1973, و سفيرا لمصر في باكستان ثم واشنطن حيث بقي لثمانية أعوام(1992-1984) في فترة مليئة بالأحداث تعاقب فيها علي البيت الأبيض كل من الرئيس ريجان والرئيس بوش الأب. لذا ستقرأ عن حروب الدبلوماسية العالمية والعربية ضد مصر وكيف استطاعت مصر التغلب علي تلك الأزمات.والدور الذي لعبه كيسنجر في ترتيب شئون المنطقة بعد حرب أكتوبر, وتداعيات مبادرة الرئيس السادات بزيارة القدس وكواليس كامب ديفيد, وعن جوانب مهمة من تاريخ باكستان التي يصفها ب البركان الذي لا يهدأ حيث شهد هناك بداية الأزمة الأفغانية. كما يكشف عن الأزمات التي تعرضت لها العلاقات المصرية الأمريكية مثل أزمة أكيلي لاورو في عهد ريجان و الغزو العراقي للكويت في عهد بوش الأب والذي يصفه بأنه السبب الأكبرلشق الصف العربي, الذي ما زلنا نعاني من تداعياته حتي اليوم, وكان أيضا أحد أسباب الغزو الأمريكي للعراق. بعد عودته نهائيا إلي مصر عام1992 انخرط الريدي في العمل العام في مجالي السياسة والثقافة عبر مشروع مكتبة مبارك العامة التي يرأس مجلس إدارتها والمجلس المصري للشئون الخارجية. ولم يغفل الريدي في رحلته الحديث عن أسرته التي لم يستطع إخفاء مدي ارتباطه بها و بشريكة رحلة العمر التي تحتل مكانة خاصة في الرحلة وتبرز بشدة في مواقف الدعم والمساندة وقت الأزمات. و يختتم برؤيته حول الديمقراطية وتحديات أمن مصر القومي والكتاب بصفة عامة يتميز بأسلوب سردي شيق لا يبعث علي الملل بقدر كل تلك الحقائق التاريخية التي يعرضها مؤلفه ويوثقها داعما إياها بمجموعة من الصور النادرة عبر صفحاته التي بلغت567 صفحة. يذكر أن دار نهضة مصر التي يصدر عنها الكتاب قد أقامت حفلا لتوقيعه مساء السبت الماضي بقصر محمد علي بالمنيل وشهد الحفل حضور نخبة من السفراء العرب والأجانب والدبلوماسيين والشخصيات العامة تقدمهم السيد عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية والدكتور زاهي حواس والدكتور مصطفي الفقي.