للمعاني في قلوب النبلاء إشعاع يفوق إشعاع المادة الفيزيقية في عناصرها الدقيقة.. والعناصر من حولها.. وليس أنبل من رسول الله صلي الله عليه وسلم.. إنسان, وليس قلب كقلبه الطاهر المطهر إدراكا لتلك المعاني, واستجابة لإشعاعها فيه وفي الدنيا من حوله, وقد اصطفي ربنا عز وجل قلب النبي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ليكون محلا لنزول القرآن الكريم. قال سبحانه: نزل به الروح الأمين علي قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين. وقال عز وجل: قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله علي قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدي وبشري للمؤمنين. والخطاب الديني المتعلق بالقلوب خطاب مهم لمن وفقه الله.. عز وجل.. لنيل حسنة الدنيا وحسنة الآخرة.. ألا تري إلي قوله تعالي: يوم لا ينفع مال ولا بنون, إلا من أتي الله بقلب سليم. فانظر كيف جعل السلامة منوطة بالقلب الذي هو كيان الإنسان, ومستقر نيته التي هي محل الأصالة لانبعاث أعماله. روي البخاري في مقدمة جامعه الصحيح عن عمر رضي الله عنه عن النبي.. صلي الله عليه وسلم.. أنه قال: إنما الأعمال بالنيات.. والنية محلها القلب, فلست مبالغا إذا قلت: إنما الأعمال بالقلوب, في معني الحديث الشريف الصحيح. وقلب سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم قبلة القلوب.. فمن أراد أن يزكي قلبه فلينظر كيف كان قلبه صلي الله عليه وسلم فقد كان كما قال: لا ينام.. وإن نامت عيناه صلي الله عليه وسلم والقلب الذي لا ينام قلب يقظ مستنبط دائم الفكرة, فيما ينفع الناس, وهو مستودع الرحمة.. ومن لا يرحم لا يرحم.. والراحمون يرحمهم الرحمن.. ومن كان قاسي القلب كان بلا قلب أصلا.. وإنما الذي في صدره قطعة من حجر, بل أشد قوة, كما قال الله تعالي: ثم قست قلوبكم من بعد ذلك, فهي كالحجارة أو أشد قسوة. وحين ذرفت عيناه صلي الله عليه وسلم وابن مسعود يقرأ عليه سورة النساء حين وصل عند قوله عز من قائل: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد, وجئنا بك علي هؤلاء شهيدا.. وقال له: أمسك.. أي توقف حتي يقضي حق وجدانه الذي أشع في قلبه, ففاضت عيناه رحمة بأمته, التي سوف يشهد عليها بأنه بلغها رسالة ربه, ويشق علي من كان قلبه كله رحمة أن يشهد علي من هو بهم رءوف رحيم, ففيهم ظالم لنفسه وفيهم مقتصد, وحين فاضت عيناه صلي الله عليه وسلم يوم مات ولده إبراهيم عليه السلام: إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.. وتتحقق معادلة الوجدان في حياة خير إنسان سيدنا رسول الله.. صلي الله عليه وسلم بالانفعال النبيل المشروع وصون الحق, فهو يبكي ويحزن, ولكن لا يقول إلا حقا.. وفي ذلك معالجة لما يسمي وجدانا وليس بوجدان, وإنما هو من عمل الشيطان, فليس من الوجدان المؤسس علي وجدان سيدنا النبي صلي الله عليه وسلم.. أن نذرف الدمع ونحن نلعن الدهر ونسب الأيام والأنام, أو نتطرف فنظلم أو نتظاهر فنخرب, أو أن نصاب فنسخط علي القدر, أو نفرح فنطلق الأعيرة النارية, فنريق الدماء البريئة علي بلاط السعادة, وهيهات أن تكون السعادة ميدانا لإراقة الدماء.. وصلي الله علي خاتم الأنبياء سيدنا محمد.. صلاة تصعد ولا تنفد وتقيم ولا تديم وعلي الآل والصحب والتابعين بإحسان وعلينا معهم.. إن ربنا هو المنعم الكريم.