في البداية اتفقت كل من الكاتبة فريدة النقاش وأستاذ النقد المسرحي د. نهاد صليحة مبدئيا علي إعلان يوم للحداد الوطني وعلي دعوة كل المهتمين بأمن و سلامة وثقافة وفكر هذا الوطن. إلي مناقشة شاملة للموضوع في اطار من الصراحة المطلقة و الشفافية و أن يطرح هذا الموضوع الذي تستنكره كل طوائف الشعب المصري من جانب الاعلام الرسمي و الشعبي ومن جانب المثقفين والمؤسسات الدينية و الثقافية وأن يتم تناوله من منظور اجتماعي, و قد أكدتا أن هذا الحادث له جذوره التي تنفجر في وجه المجتمع من وقت لآخر بين المسلمين و المسيحين و اتفقتا علي أن هناك قصدا و تعمدا في اختيار مثل هذا التوقيت الذي يواكب أعياد الأخوة المسيحيين لكي تجري هذه الجرائم البشعة ضد الوطن المصري. و طالبتا بسرعة إصدار قانون دور العبادة الموحد حتي لا يكون سببا في حالات التوتر الطائفي في مصر و مواجهة هذا النوع من الجرائم بكل حزم و دونما هوادة كي لا يتحول الأمر لمسلسل من التعديات التي تهدد سلامة وطن بأكمله. كما استنكر د.عبد المنعم تليمة الجريمة البشعة و قال: لنقف جميعا بكل طوائفنا في جميع الميادين و في القري و النجوع و علي كل شبر في أرض مصرنا العزيزة في ساعة واحدة نتفق عليها و نعلن الحداد حزنا و أسي علي مثل هذه الأحداث التي تؤذي مشاعر كل مصري, لأن هذا الأمر ليس من قدر مصر و لا من قدرها فقدر مصر أن تكون بلدا عظيما, فقد تجلت علي أرضها و تحت سمائها أعظم معاني الرسالات السماوية. و كي نرفع الالتباس و ندرأ الشكوك والظنون علينا أن نعمل جميعا في النور و أن ندير أمور حياتنا بصراحة شديدة و بحيادية تنتصر لكل الرؤي و الأفكار وأن تتكفل كل مؤسسات المجتمع بغشاعة حرية الفكر و العقيدة. فلا مخرج لنا إلا أن ندير بلادنا في النور و أن نزيل كل المعوقات التي من شأنها إثارة التوترات و المشاحنات. وحول فكرة أو محاولة تغييب العقل المصري وتجليات البعد الثقافي في أحداث اجتماعية والاعتداء علي دور العبادة أسفر عن أكثر من 20 قتيلا... حول هذا الحدث الإجرامي صفحة دنيا الثقافة اقتربت من مثقفي الإسكندرية وأصحاب الفكر للتعرف علي تجليات البعد الثقافي في أحداث اجتماعية. في البداية يري مهدي بندق عضو المجلس الأعلي للثقافة أنه يستبعد أن يكون الفاعل مصريا ذلك أن الأخوان المسلمين قد طلقوا العنف منذ زمن بعيد, وأنا أصدقهم, وعلي أي حالة ليس هذا العمل الغادر من ضمن أساليبهم حتي في العهود الماضية.. وأما بالنسبة للتنظيمات المتطرفة الأخري, فاعتقادي أن أجهزة الأمن المصري قد استطاعت تقليم أظافرهم من زمن وأغلبهم مارسا النقد الذاتي علي أفعاله, فيما قبل التي حدثت منه في وقت مضي, ولا أظن أن تنظيمات جديدة قد نهضت في الآونة الأخيرة في غيبة عن أعين الأمن, مشيرا إلي أن مثل هذا العمل من أعمال التنظيم الإرهابي العالمي القاعدة أو أحد فروعه, وليس ببعيد ما استمعنا إليه من تهديدات جاءت إلينا من العراق علي لسان من يسمون أنفسهم بدولة العراق الإسلامية والإسلام بريء منها إلي يوم القيامة.. فمثل هذا العمل الإجرامي الذي يؤدي إلي مقتل21 قتيلا وأكثر من48 جريحا من الأبرياء في وقت صلاتهم يموت بسببه ليس فحسب المقتولون, وإنما أيضا الأحياء الذين يهلكون غما في كل دقيقة, رحم الله الشهداء وألهم مصر الصبر علي فراقهم, ومكن قادة مصر من الضرب بكل شدة وعنف علي يد هؤلاء القتلة المجرمين. ويشير الدكتور السعيد الورقي أستاذ الأدب العربي بكلية الأداب جامعة الإسكندرية إلي أنه ليس من شك في أن التفجير الذي حدث مساء الجمعة بإحدي دور العبادة بالإسكندرية مؤشر خطير علي مدي ما وصل إليه العقل المصري من تدهور, ويتساءل د. الورقي, فما المعني مما حدث؟ سوي حالة من غياب الوعي والحس والإدراك والمسئولية إذ لا يمكن إيجاد تفسير منطقي أو أخلاقي أو حتي عبثي لمثل هذا بحدث, فلا يمكن أن نتصور بأي حال من الأحوال كيف أن مواطنين أحرارا في تعبيرهم, وفي إيمانهم يحتفلون أو يتعبدون أو حتي يعبروا عن آرائهم يتعرضون لمثل هذا الذي حدث, والذي ترفضه الأديان, والاخلاق, والمنطق... هناك مشكلة حقيقية يجب الإلتفاف إليها, وهي أننا لم نترب علي الاعتراف بالآخر, وإعطائه الفرصة المتساوية للكلام واحترام ما يقول اتفقنا أم لم نتفق معا, كما أننا لم نتربي علي ثقافة الإنصات للآخر والاعتراف به, وهو أول مباديء الديمقراطية التي تحدث عنها الإسلام, ودعا إليها في حديثه عن الشوري والدفع بالتي هي أحسن والمجادلة, وغيرها من الأفكار والقيم التي يتبناها الإسلام وحرص عليها, وتمثلها سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم... وهي منظومة القيم التي تدخل في دائرة أختصاص ما يسمي بفقه المعاملات في الإسلام, وهو الجانب الذي يغفله للأسف مع الخطباء والوعاظ في خطبهم ودروسهم الدينية, وأحاديثهم.. اهتماما بأمور شكلية لا تربي قيما, ولا تبني إنسانا هذا من ناحية.. ومن ناحية أخري أين منظومة القيم الثقافية والحضارية التي تربي عليها المصريون ورثة حضارة آلاف السنين, وما الذي أصاب المصريين من تدهور في القيم, وتدن في الأخلاق وصل إلي هذا الحد الذي يقتل الأبرياء, ويفزع الأحياء في حياتهم, وما الذي أوصل البعض منا إلي هذه الحافة من التطرف الأعمي... المسئولية هنا تقع علي عاتق مؤسسات التنشئة الاجتماعية والثقافية من ناحية, وعلي تدهور الحياة الاجتماعية التي أدت إلي انحسار الطبقة الوسطي, وتغيبها عن قيادة المجتمع أخلاقيا وثقافيا وفكريا, وهو الدور الذي كان يقوم به المثقف الذي غيبته الثقافة الرخيصة المتدنية في توجهها الحسي المباشر أو في فكرها الديني الشكلي, وهو الثقافة سذاجتها وسطحيتها تقسم المتلقي إلي مؤيد ومعارض, بل وتدفع بكلا الفريقين إلي تطرف أعمي نعيش نتائجه اللإنسانية, والتي تهدم الكيان الأخلاقي والإنساني والوطني لافتا إلي أن علي المؤسسات, خاصة التنشئة في المنزل والمدرسة, ودور العبادة والاندية والمؤسسات الإعلامية المخ تلفة والمثقفين مفكرين وآدباء وباحثين وساسة أن يتعاونوا جميعا في إطار خطة مدروسة بعناية, وبإشراف النخبة المثقفة لاعادة بناء العقل المصري أخلاقيا ودينيا وثقافيا وفكريا وذوقيا.. وأضاف: لاشك أن الأمر يحتاج إلي أجيال لكن علينا أن نبدأ, ولا ننسي أن الفرد ينشأ علي ما تربي عليه, وما نعلمه وما ننفقه, فيما يقدم إليه حقيقيا, ومن منطلق الأمانة يجب أن نكون جادين وصادقين لأن الأمور وصلت إلي درجة من العشوائية التي تنظر بخطر داهم عانينا منه ومازلنا. ويؤكد الدكتور بهاء حسب الله الأستاذ بكلية الآداب أن ما حدث في الإسكندرية التي ينظر إليها أبناؤها علي أنها مدينة الإخاء الديني... وما حدث لهو زلزال من نوع جديد ليس فقط لمحاولة ضرب هذا الأخاء الديني الذي يحمل عبق الحضارات التي مرت علي المدينة, ولكن لمحاولة فرض ثقافة التغييب العقلي, وهو تغييب يرفضه كل السكندريين بفطرتهم وحسهم اليقظ الفطن لأن الإسكندرية هي وعاء الحضارات والثقافات التي لم تعرف علي مدي تاريخها معني التعصب والتشدد الديني, بل عاشت أجيالها في وحدة دينية لأنها بحضاراتها المتجددة, وإنتاجها الثقافي الدائم لا يمكن أن تتفكك أصولها أمام هذا الزلزال الوافد, مؤكدا أن شعب الإسكندرية كله مسلمين ومسيحيين سيرد علي هذا الحادث الأليم بمزيد من التفهم والتوحد الثقافي الخاص, وستعود غدا أجراس السلام تهز جنبات المدينة الحضارية الكبيرة, مشيرا إلي أن الذي يجب أن يعرفه العالم أجمع أن محاولة ضرب الوحدة الوطنية في مدينة الاتجاه الديني لهو من سبيل الاستحالة في ثغر توحدت فيه الديانات تحت راية المحبة والسلام وتناغم الثقافات والإسكندرية هي صاحبة الكنيسة الأم علي مستوي الشرق الأوسط والبابا شنودة هو بابا الإسكندرية كما يسمونها.