الإدارية العليا تحيل 35 طعنًا على نتائج إعادة انتخابات النواب لمحكمة النقض للاختصاص    ترامب ينتقد الهجوم على مقر بوتين ويتطلع لاتفاق بين إسرائيل وسوريا    ترامب: نزع سلاح الفصائل الفلسطينية شرط أساسي لبدء المرحلة الثانية من خطة السلام    الجيش التايلاندي يتهم كمبوديا بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار    مدرب منتخب مصر: جاهزون لأي منافس والقادم في أمم أفريقيا سيكون صعبًا    عودة بيدري وأراوخو لتدريبات برشلونة    ضبط تشكيل عصابي دولي للنصب على المواطنين بالاتجار في الذهب    مصطفى شعبان ينعى والدة هاني رمزي    الأزهر للفتوى: الصلاة خلف موقد النار جائزة.. والمدفأة الكهربائية ليست نارًا    الذهب يهبط 105 جنيهات لعيار 21 بسبب ارتفاع الدولار    الدكتورة نيرفانا الفيومي للفجر..قصر العيني يؤكد ريادته في دمج مرضى اضطراب كهربية المخ مجتمعيًا    الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد: دمج حقيقي وتمكين ل11 مليون معاق    وزارة الشباب والرياضة تُجرى الكشف الطبى الشامل للاعبى منتخب مصر لكرة اليد    مفتي الجمهورية: القضاء المصري يُمثِّل أحد أعمدة الدولة المصرية وحصنًا منيعًا للعدل    الفقه المصرى والإسرائيلى فى أولويات المشروعية!    بحكم محكمة.. هيفاء تغنى فى مصر    مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة ينظم بيت عزاء للفنان الراحل محمد بكري    محمد إمام: أحمد شيبة وعصام صاصا هيغنوا تتر مسلسل الكينج في رمضان 2026    أول تعليق ل ترامب بعد محاولة استهداف أوكرانيا ل مقر إقامة بوتين    توصيات «تطوير الإعلام» |صياغة التقرير النهائى قبل إحالته إلى رئيس الوزراء    الإفتاء توضح مدة المسح على الشراب وكيفية التصرف عند انتهائها    شيكو بانزا يقود هجوم أنجولا أمام منتخب الفراعنة فى كأس أمم أفريقيا 2025    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة الفنان هاني رمزي    هدى رمزي: مبقتش أعرف فنانات دلوقتي بسبب عمليات التجميل والبوتوكوس والفيلر    «طفولة آمنة».. مجمع إعلام الفيوم ينظم لقاء توعوي لمناهضة التحرش ضد الأطفال    معدل البطالة للسعوديين وغير السعوديين يتراجع إلى 3.4%    الشيخ خالد الجندي: عقوق الوالدين له عقوبتان فى الدنيا والآخرة    شتيجن في أزمة قبل كأس العالم 2026    وزير الصحة: تعاون مصري تركي لدعم الاستثمارات الصحية وتوطين الصناعات الدوائية    وزير الاستثمار يبحث مع وزير التجارة الإماراتي سبل تعزيز التعاون الاقتصادي    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وزارة العدالة الاجتماعية !?    هل حساسية البيض تمنع تطعيم الإنفلونزا الموسمية؟ استشارى يجيب    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الحاسبات والذكاء الإصطناعى    تاجيل محاكمه 49 متهم ب " اللجان التخريبيه للاخوان " لحضور المتهمين من محبسهم    مواصفات امتحان الرياضيات للشهادة الإعدادية 2026 وتوزيع الدرجات    أسماء المصابين في حادث تصادم أسفر عن إصابة 8 أشخاص بالقناطر الخيرية    السيمفونى بين مصر واليونان ورومانيا فى استقبال 2026 بالأوبرا    "الزراعة" تنفذ 8600 ندوة إرشادية بيطرية لدعم 100 ألف مربي خلال نوفمبر    صعود مؤشرات البورصة بختام تعاملات الإثنين للجلسة الثانية على التوالى    آدم وطني ل في الجول: محمد عبد الله قد ينتقل إلى فرنسا أو ألمانيا قريبا    وفاة والدة الفنان هاني رمزى بعد صراع مع المرض    إحالة ربة منزل للمفتي بعد قتلها زوجها وابن شقيقه في كفر شكر    تحقيقات الهروب الجماعي من مصحة البدرشين: المتهمون أعادوا فتحها بعد شهرين من الغلق    "الوزير" يلتقي وزراء الاقتصاد والمالية والصناعة والزراعة والمياه والصيد البحري والتربية الحيوانية والتجارة والسياحة في جيبوتي    ذا بيست - دبي تستضيف حفل جوائز الأفضل في 2026    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    محافظ قنا ينعى المستشارة سهام صبري رئيس لجنة انتخابية توفيت في حادث سير    اسعار الخضروات اليوم الإثنين 29ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    عاجل- مدبولي يترأس اجتماعًا لتطوير الهيئات الاقتصادية وتعزيز أداء الإعلام الوطني    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لتعزيز منظومة الصحة والأمن الدوائي في إفريقيا    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    برودة وصقيع.. تفاصيل طقس الأقصر اليوم    الجيش الصيني يجري مناورات حول تايوان لتحذير القوى الخارجية    حمو بيكا ينعي دقدق وتصدر اسمه تريند جوجل... الوسط الفني في صدمة وحزن    بشير التابعى: توروب لا يمتلك فكرا تدريبيا واضحا    عقب انتهاء الفرز.. مصرع مستشارة وإصابة موظفتين في حادث مروري بقنا    مشروبات تهدئ المعدة بعد الإفراط بالأكل    كأس أمم أفريقيا.. التعادل يحسم مواجهة الكاميرون وكوت ديفوار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مناخ استراتيجي في عقد جديد
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 01 - 2011

يطلق تعبير‏'‏ المناخ‏'‏ علي المجال المحيط بالأشياء‏,‏ ويتم وصفه بما يجري فيه من متغيرات صعودا وهبوطا‏,‏ وما يستجد عليه من عوامل لم تكن فيه من قبل‏.‏ وأقرب مثال له ما يحيط بالإنسان. من مناخ حيوي درجنا علي تعريفه بدرجة الحرارة والرطوبة وسرعة الرياح‏..‏الخ وغير ذلك من العوامل المتغيرة في الزمان والمكان‏.‏ ومن أجل ذلك عادة ما نستخدم أدوات قياس رقمية‏,‏ وصورا للأقمار الصناعية‏,‏ لكن ذلك لا يكفي للتنبؤ بمستقبل الأحوال الجوية بدون فهم للنموذج العام وكيفية تغيره من حالة إلي حالة أخري‏.‏ وتستخدم كلمة‏'‏ المناخ‏'‏ أيضا في مجال الدراسات الإستراتيجية‏,‏ فيقال‏'‏ المناخ الاستراتيجي‏'‏ ويقصد به ما يحيط بالإنسان والمجتمع والدول من متغيرات تمس حالة الأمن والطمأنينة فيها‏,‏ وطبيعة التحديات والتهديدات التي تواجهها‏,‏ وطبيعة تغيرها مع الزمان والمكان أيضا‏.‏
وفي حالة‏'‏ المناخ الاستراتيجي‏'‏ لا نملك وسيلة قياس رقمية بالمعني الحرفي للكلمة‏,‏ ولكن مراقبة الأحداث وتسجيل تفاصيلها‏,‏ وقياس معدلات التغيير واتجاهاتها‏,‏ والتمعن في قياسات الرأي العام‏,‏ وغير ذلك من الوسائل المساعدة تساعد في وصف المناخ الاستراتيجي وطبيعه تحولاته المستقبلية‏.‏ وتعريف‏'‏ المناخ الاستراتيجي‏'‏ ووصفه وقياس حالته تقع في إطار مسئولية العسكريين والسياسيين والخبراء في المجالات المختلفة وكل من لهم اهتمام بالشأن العام‏.‏ وكثيرا ما تخفق الدول والمجتمعات في رصدها للمناخ الاستراتيجي‏,‏ فيغم عليها طبيعة التحديات المستقبلية‏,‏ ونوعيات التهديد ومصادره واتجاهاته‏,‏ وقد تدفع نتيجة عدم استعدادها لمواجهة ذلك تكلفة باهظة من الأموال والبشر‏.‏ وعادة ما يكون العقد‏(‏ عشر سنوات‏)‏ الفترة الزمنية المناسبة للتنبؤ بطبيعة‏'‏ المناخ الاستراتيجي‏'‏ في المستقبل‏,‏ حيث الصورة المحيطة واضحة‏,‏ والعوامل المؤثرة ملموسة حيث يمكن الاعتماد عليها في التخطيط الفوري‏,‏ ولا يمنع ذلك من القفز إلي أبعد من عقد واحد‏,‏ بصرف النظر عن هامش الخطأ المتوقع الذي يمكن معالجته في المستقبل‏.‏ وفي نهاية الأمر ينتج من كل ذلك‏'‏ أجندة للمستقبل‏'‏ لمواجهة التهديد والخطر في صورة خطط زمنية مبنية علي أهداف وأوليات واضحة‏.‏
ولو نظرنا إلي بداية العقد المنقضي لوجدنا أنه أعلن عن نفسه بقوة من خلال ظاهرة العولمة علي كل المستويات بما في ذلك المستوي الأمني‏.‏ وظاهرة العولمة كان متفقا عليها من قبل في صورتها الاقتصادية والبشرية من خلال حركة البضائع والخدمات والأموال والأفكار والجرائم التقليدية لكنها فاجأت العالم مع بداية العقد المنصرم بأحداث‏11‏ سبتمبر في صورة هجوم عسكري ضد الولايات المتحدة وفي عقر دارها بمشاركة أفراد من دول مختلفة‏.‏ ومنذ تلك اللحظة وحتي الآن‏,‏ مازالت المعركة مشتعلة بين دول الأسرة الدولية من جهة والجماعات غير الحكومية العسكرية من جهة أخري التي تبنت الإرهاب كوسيلة لتحقيق أهدافها‏.‏ وإذا كان العقد المنصرم قد بدأ بأحداث‏11‏ سبتمبر واختراق الإرهاب الدولي لحدود كثير من الدول‏,‏ نجد العقد الجديد يبدأ باختراق واسع النطاق لمسرح المعلومات بواسطة جماعات غير حكومية ليس لها علاقة بالإسلام وتريد أن تثبت من وراء ذلك أن حواجز السرية قابلة للاختراق والانهيار‏,‏ وتصر علي أن العالم سوف يدخل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بدون حواجز رقمية‏,‏ وبدون كلمات سر للدخول إلي ساحة الحقيقة والمعلومات‏.‏
ولاشك في أن التليفون المحمول بدون منازع قد نجح في تشكيل أسلوب حياة الناس علي مستوي العالم كله في السنوات العشر الماضية‏,‏ ولم تستطع دولة واحدة حتي الآن مهما كانت درجة انعزالها أن تتجاهل وجوده وأثره علي العلاقات المجتمعية‏.‏ كما أن أثر الكومبيوتر ودوره في نقل الرسائل والمعلومات وتطوره لتحقيق الاتصال المباشر‏(‏ صوت وصورة‏)‏ بين سكان المعمورة لا يمكن تجاهله‏.‏ ومصر وبرغم ما تقابله من تحديات في مجالات أخري أصبحت من الدول المتقدمة في هذا المجال‏.‏ وعلي المستوي الأمني والعسكري تلعب التكنولوجيا دورا خطيرا في تطوير قدرات التسليح‏,‏ حيث أصبح المكون المعلوماتي عنصرا أساسيا في مكونات السلاح‏.‏ والاتجاه الآن في مجال الأسلحة التطور إلي الأصغر وليس الأكبر‏,‏ كما أن دور الإنسان المباشر في استعمال السلاح في طريقه للانسحاب وترك ذلك إلي برامج ذكية قادرة علي توجيه التأثير بدقة وسرعة‏.‏ وسوف نشهد في العقد الجديد حضورا أوسع للعلوم البيولوجية في مجال السلاح‏,‏ كذلك استخدام الروبوت في أداء مهام بدلا من الجنود‏.‏
ولاشك في أن نبوءة البعض عن عالم مسطح وليس كروي‏,‏ تعيش فيه البشرية في لحظة واحدة‏,‏ وفي مجال معلوماتي واحد‏,‏ وفي إطار منظومة عليا للقيم‏,‏ في سبيله أن يتحقق في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين‏.‏ كما أن الدعوة لعالم بدون عوائق‏.‏
في الحركة والانتقال والسفر سوف تتغلب علي كل الأسوار الانعزالية‏.‏ وعلي المستوي المصري والإقليمي من المتوقع أن يعكس المناخ الاستراتيجي المحيط بمصر هذه النوعية من المتغيرات العميقة‏.‏ فلا مجال في المستقبل أن تتبني مصر وغيرها من دول المنطقة بدعوي السيادة مبادئ تتناقض مع قيم العولمة المتفق عليها من خلال الأمم المتحدة والمنظمات الدولية‏,‏ ويجب أن نتذكر أن مصر كانت من المؤسسين للأمم المتحدة والمدافعين دوما عن قيمها العليا‏.‏
لن تفقد الولايات المتحدة أهميتها علي مستوي العالم والشرق الأوسط خلال العقد القادم‏,‏ لكنها لن تكون الوحيدة في تشكيل السياسات الدولية والإقليمية‏.‏ سوف يطغي مبدأ المشاركة علي أسلوب السياسات الأحادية مع صعود الصين والهند والبرازيل واليابان والاتحاد الأوروبي‏.‏ ومصر من الدول المرشحة لتبني دور مهم في هذه المشاركة إذا أخذت في الاعتبار أهمية دورها في محيطها الحيوي داخل المنظومة العربية والشرق أوسطية‏.‏ وفي هذا المجال يبرز علي السطح مجموعة من التحديات سوف تشكل المناخ الاستراتيجي المحيط بمصر مثل تصاعد نفوذ تركيا وإيران ودورهما في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط‏,‏ ولامناص الآن من أخذ ذلك في الاعتبار عند وضع سياسات إقليمية لحل مشاكل المنطقة‏.‏ وبالإضافة إلي ما سبق‏,‏ وفي الجنوب من مصر‏,‏ سوف تمثل مشكلة السودان واحتمالات انقسامه إلي دولتين تحديا أمام صانع القرار المصري‏,‏ وكيفية معالجة ما قد ينشأ من جراء ذلك من صدام بين شمال السودان وجنوبه ودور مصر في معالجة هذا التحدي المباشر لمصالحها الحيوية‏.‏ وهذه المشكلة ليست بعيدة عن أزمة مياه النيل وعلاقة مصر بدول منابعه‏,‏ وكيفية تبني سياسات إقليمية رشيدة في هذا المجال‏.‏
وهناك عدد من التحديات الأخري سوف تفرض نفسها علي منطقة الشرق الأوسط خلال العقد القادم أولها التحدي النووي الإيراني والإسرائيلي‏.‏ وقد تبين بالفعل خلال العقد الماضي خطورة هذا التحدي علي سلام المنطقة‏,‏ وأن تركه بدون معالجة قد يؤدي إلي صدام مسلح‏,‏ وانتشار نووي‏,‏ وسباق تسلح علي المستوي التقليدي‏.‏ ومن المتوقع العودة مرة أخري إلي مبادرات وسياسات التسعينيات من خلال المشاركة في حوارات إقليمية يكون تركيزها علي مستقبل المنطقة البشري والاقتصادي‏,‏ وخفض مستوي التسلح‏,‏ وإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخري‏.‏ ولاشك في أن الشرق الأوسط يواجه تحديات أخري تمس حياة الناس مباشرة‏,‏ مثل ندرة المياه والطاقة في كثير من الأماكن‏,‏ وفي وجود انفجار سكاني ومخاطر من تغيرات في المناخ‏,‏ وكلها قد تؤدي إلي نزاعات عسكرية واسعة‏.‏ وإذا كنا في مجال التنبؤ للعقد القادم‏,‏ يجب أن نعترف بأن احتمالات الحرب في الشرق الأوسط عالية بدرجة كبيرة إذا لم تحل المشكلة الفلسطينية واللبنانية‏,‏ وإذا لم يبتعد الخطر النووي الإيراني والإسرائيلي‏.‏

المزيد من مقالات د. محمد قدري سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.