لم تكن الهجرة في جوهرها مجرد انتقال من مكة إلي المدينة وإنما كانت بإذن الله وإرادته تستهدف استراتيجية جديدة للدعوة الوليدة تنتقل بها من مرحلة الحركة البطيئة المحاصرة بالأعداء والمتاريس البشرية والمكانية إلي آفاق أرحب ودنيا جديدة وأتباع جدد يفتحون قلوبهم وعقولهم لاستقبال هذا الوليد الذي يحررهم من عبادة الحجر والوثن والبشر إلي عبادة الله تعالي وحده. ومن وجهة نظرنا; فإن الهجرة بأهدافها ومقاصدها مازالت قائمة وممتدة بنا ومعنا, فما حملته من مبادئ وقيم لا يزال ينادينا ويطلب منا أن ننجز مثل هذه القيم في حياتنا ومجتمعاتنا فالهجرة إلي منهج الله ورسوله صلي الله عليه وسلم كما قلنا في المقال الماضي تلح علينا أن نستمر في تكريس هذا المبدأ.. والتضحية التي رأيناها في الهجرة من أجل العقيدة والوطن والدعوة ينبغي أن توقظ فينا الإحساس بالوطن والدفاع عنه وعن عقيدته وتجنيبه الفتن الداخلية والخارجية, ما ظهر منها وما يختفي خلف أقنعة كثيرة كل همها أن تري مصر ممزقة إلي شيع وطوائف يأكل بعضها بعضا.. ولكن هيهات يحدث ذلك وفينا صوت الهجرة النبوية بأهدافها وقيمها التي رسخها في أتباعه سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وكانت أول لبنة بعد أن انتقل إلي المدينة أن آخي بين المهاجرين من أبناء مكة وبين الأنصار في المدينة, ثم نظر حوله فوجد اليهود والنصاري فأقام معهم المعاهدات التي بنت جسرا من المودة والمواطنة جنبا إلي جنب مع المسلمين في صورة نادرة من توحيد الصفوف والحياة في جو من التعايش السلمي, لكل فرد فيه ما للآخر من الحقوق وعليه من الواجبات ما علي الآخر.. وكانت هذه نقطة البداية في أول دولة إسلامية أرسي الرسول صلي الله عليه وسلم أسسها في المدينة.. ومازالت وستظل هذه القيم هي الأسس التي يقوم عليها بنيان أي مجتمع إسلامي معاصر, وفي المقدمة دائما مصر التي تكرس في مظهرها وجوهرها مبدأ التعايش السلمي والمواطنة والأمن للجميع.