مرصد الأزهر يحذر من تفاقم الظواهر السلبية داخل المدارس ويدعو إلى تأهيل المعلمين    كجوك: «المالية» صنعت جيلاً من الكفاءات يؤمن بأهمية تطوير القدرات البشرية    سعر الدينار الأردني في البنك المركزي اليوم الخميس    «إعلام إسرائيلي»: لا تقدم في مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    عشرات القتلى و279 مفقودًا في حريق الأبراج العملاقة ب هونغ كونغ    بعد تغييره بسبب المصري، موعد المران الأساسي لبيراميدز في زامبيا    كأس مصر| سموحة يواجه غزل المحلة في برج العرب بحثًا عن بطاقة العبور لدور ال16    محامي رمضان صبحي: التواصل معه صعب بسبب القضية الأخرى.. وحالة بوجبا مختلفة    عادل فتحي نائبا.. عمومية المقاولون العرب تنتخب مجلس إدارة جديد برئاسة محسن صلاح    بتروجت يلتقي وادي دجلة في مواجهة قوية بدور ال32 لكأس مصر    ضبط 5 عناصر جنائية لغسل 50 مليون جنيه من النصب عبر منصة إلكترونية    التضامن: مد فترة سداد رسوم حج الجمعيات الأهلية حتى 4 ديسمبر    كنوز دار الهلال    روز اليوسف على شاشة الوثائقية قريبًا    قبل موتها المفاجئ.. المذيعة هبة زياد تكشف تعرضها للتهديد والابتزاز    الداخلية تواصل حملاتها المرورية وتضبط 145 ألف مخالفة ب24 ساعة    منتخب مصر يحدد موعد السفر إلى المغرب استعدادًا لأمم أفريقيا    ارتفاع حصيلة الفيضانات وانزلاقات التربة في إندونيسيا إلى 19 قتيلا    انخفاض أسعار النفط مع توقعات بإمكانية التوصل لوقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا    المفوضة الأوروبية: ما يحدث في السودان كارثة إنسانية    «صحف يونانية»: اكتشاف أكبر مدينة عنكبوتية عملاقة على الحدود مع ألبانيا    هيئة الرعاية الصحية تعلن الفائزين بجوائز التميز لعام 2025    وزير الانتاج الحربي يتابع سير العمل بشركة حلوان للصناعات غير الحديدية    رأس المال البشرى.. مشروع مصر الأهم    جامعة بنها ضمن الأفضل عربيًّا في تصنيف التايمز البريطاني    انطلاق أول رحلة رسولية خارجية للبابا ليو الرابع عشر نحو تركيا ولبنان    الأحزاب ترصد مؤشرات الحصر العددى: تقدم لافت للمستقلين ومرشحو المعارضة ينافسون بقوة فى عدة دوائر    انطلاق امتحانات شهر نوفمبر لطلاب صفوف النقل    إصابة 9 أشخاص فى حادث انقلاب ميكروباص بطريق أبوسمبل    القبض على مريض نفسى حرق سيارة بمدينة 6 أكتوبر    طقس الخميس.. انخفاض فى درجات الحرارة وشبورة كثيفة صباحا    وزيرة التضامن تلتقي ممثلة الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان    جامعة قناة السويس تنظم ندوة "تجليات وعبقرية المعمار المسلم" ضمن "طوف وشوف"    المعارضة تقترب من حسم المقعد.. وجولة إعادة بين مرشّح حزبى ومستقل    وزير الري يستعرض المسودة الأولية للنظام الأساسي واللائحة الداخلية لروابط مستخدمي المياه    ارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.3% بالربع الأول من عام 2025 /2026    وزير البترول يشهد توقيع خطاب نوايا مع جامعة مردوخ الأسترالية    طب قصر العينى تنظم ندوة علمية لقسم الصحة العامة    الصين تصدر الكتاب الأبيض حول نظام إدارة عالمي لمجالات جديدة    عمر خيرت يوجه رسالة للجمهور بعد تعافيه من أزمته الصحية.. تعرف عليها    ضبط المتهم بالتعدى على فتاة من ذوى الهمم بطوخ وحبسه 4 أيام    اليوم.. المؤتمر الصحفي لمباراة الأهلي والجيش الملكي المغربي    مصرع 11 عاملًا وإصابة آخرين بعد اصطدام قطار بمجموعة من عمال السكك الحديدية بالصين    سر ظهور أحمد مكي في الحلقة الأخيرة من مسلسل "كارثة طبيعية" (فيديو)    الولايات المتحدة توقف معالجة طلبات الهجرة للأفغان بعد حادث إطلاق النار في واشنطن    عصام عطية يكتب: «دولة التلاوة».. صوت الخشوع    محافظ كفر الشيخ: مسار العائلة المقدسة يعكس عظمة التاريخ المصري وكنيسة العذراء تحتوي على مقتنيات نادرة    فانس يوضح الاستنتاجات الأمريكية من العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 27نوفمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك    زكريا أبوحرام يكتب: أسئلة مشروعة    علامات تؤكد أن طفلك يشبع من الرضاعة الطبيعية    ضعف المناعة: أسبابه وتأثيراته وكيفية التعامل معه بطرق فعّالة    المناعة لدى الأطفال وسبل تقويتها في ظل انتشار فيروسات تنفسية جديدة    موعد أذان وصلاة الفجر اليوم الخميس 27نوفمبر2025.. ودعاء يستحب ترديده بعد ختم الصلاه.    البيان العسكري العراقي ينفي وجود طيران أجنبي جنوب البلاد    خالد الجندي: ثلاثة أرباع من في القبور بسبب الحسد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 26-10-2025 في محافظة الأقصر    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضاة ليسوا ملائكة معصومين‏...‏ ولكنهم بشر محترمون‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 12 - 2010

ثارت في ذهني خواطر وألحت علي أفكار وأنا أجلس في عزاء واحد من أبرز قضاة مصر وأرفعهم مكانة عندي وتقديرا لدي الجميع‏,‏ وأعني به شيخ القضاة المستشار الراحل وجدي عبدالصمد الذي لن أنسي ما حييت خطابه الرفيع أمام ولي الأمر رئيس الجمهورية‏.‏ فقد تحدث يومها‏,‏ في منتصف ثمانينيات القرن الماضي‏,‏ من فوق منصة دار القضاء العالي مخاطبا الرئيس بلغة راقية وأفكار سامية وآراء نبيلة شدت الأسماع والأبصار‏,‏ وذكرت الجميع بعظمة القضاء المصري وشموخه‏,‏ ولقد ظللت طوال جلسة العزاء أسترجع بعض ذكرياتي معه وكيف رأيت في شخصه موجزا مشرفا لروح القضاء المصري وضوابطه وسجاياه التي أسست للنظام القضائي في معظم الدول العربية‏,‏ حتي لاتزال بعض الأقطار الشقيقة تزهو بالخبرة القضائية المصرية في تاريخها وحاضرها‏,‏ وتري فيها علامة مضيئة ترصع سماء الفقه القانوني الذي تميز به من جلسوا علي منصة القضاء قادمين من أرض الكنانة‏,‏ لذلك فإنني لا أتصور أن هناك من يفوقني معرفة بقيمة القضاء المصري وقامته ومكانه ومكانته إذ أراه دائما في أبراجه العالية بعيدا عن صخب الشارع العادي منزها عن الانزلاق في بحيرة السياسة الآسنة‏,‏ فضلا عن أن انغماسه في الاشراف علي العملية الانتخابية قد أدي إلي حالة من الانقسام داخل السلطة القضائية ذاتها وكاد ينال من هيبة بعض رموزها وينزل بها من سماء المهنة المقدسة إلي أرض الواقع الأليم‏,‏ وأنا أعلم الآن أنني إذ أكتب هذه السطور فإنني كمن يمشي فوق الأشواك ولكنني اخترت ذلك والعاقبة للمخلصين‏!‏ فليسمح لي أصحاب المقام الرفيع والهامات العالية أن أطرح التصورات التالية‏:‏
أولا‏:‏ إن الأغلب الأعم من قضاتنا هم رموز باسقة ينحني لها المرء إجلالا وتقديرا‏,‏ ومازلت أتذكر عندما دخلت قاعة المحكمة لأول مرة في حياتي شاهد نفي لصالح صحفي مصري بارز كاد الإمام الأكبر الراحل أن يضعه خلف القضبان لأن ذلك الصحفي المتميز خشي علي مقام الشيخ الكبير من زيارة خارجية لم يكن لها مبرر‏,‏ ورأيت من واجبي أن أدلي بشهادتي فالساكت عن الحق شيطان أخرس‏,‏ ومازلت أتذكر ذلك القاضي الجليل الذي عاملني يومها باحترام ومودة وأنا أقف أمامه وسط حشد ضخم من رجال الإعلام والصحافة بقاعة المحكمة بدار القضاء العالي‏,‏ يومها بهرني ذلك القاضي العالم بثقافته الرفيعة وهو يوجه لي أسئلة ذات طابع فكري حتي أصبحت المناقشة حوارا علميا استفدت منه وخرجت يومها سعيدا بالقاضي والقضاء معا‏,‏ لقد بدأ يوجه لي في الجلسة أسئلة تدور حول مقولة للإمام محمد عبده وأخري للشيخ محمد مصطفي المراغي ويربط بين هذه العبارات المأثورة وذلك الحدث الذي كنا بصدده‏,‏ حتي كان الحديث سجالا رفيعا بين قاض وشاهد‏,‏ فقضاؤنا متميز وأجياله الجديدة مثقفة وأنا أعرفهم جيدا من المحاضرات التي أتشرف بإلقائها عليهم في مركز الدراسات القضائية أو في المركز القومي للبحوث الاجتماعية في الدورات التي تعقد لشباب القضاء والنيابة‏,‏ كما أن زمالتي لعدد كبير من رجال القضاء البارزين وأعلام القانون في مصر أطلعتني علي صفاتهم النبيلة وعلمهم الغزير وثقافتهم الواسعة وهي صداقات أعتز بها وأحافظ علي مسافة الاحترام بيني وبين أصحابها حتي ولو كانوا من أعز الناس‏.‏
ثانيا‏:‏ إن تاريخ القضاء المصري حافل بالقصص والروايات التي تؤكد تاريخه العريق وسجله الحافل‏,‏ ونستطيع أن نسطر فيه الصفحات وأن نكتب حوله الكتب ثناء علي مواقفه الخالدة‏,‏ ومازلت أتذكر عندما دعانينادي القضاة لإلقاء محاضرة جامعة تشرفت فيها بأن الذي كان يقدمني علي المنصة هو وزير العدل الأسبقفاروق سيف النصر الذي كان معروفا هو الآخر بلغته الكلاسيكية الرفيعة وإلقائه المميز‏,‏ وكنت أتحدث يومها وذلك منذ قرابة خمسة عشر عاما عن استقلال القضاء وأهمية ابتعاده عن الساحه السياسية‏,‏ وكأنما كنا نقرأ في ذلك الوقت كتابا مفتوحا يطالع المستقبل‏!‏ ويكفي أن نتذكر الآن أن القضاة هم الذين وضعوا تقليدا تاريخيا يمنع امتداح الأحكام القضائية لأن من يملك المدح لها يملك أيضا القدح فيها وتلك خطيئة‏,‏ فالحكم هو عنوان الحقيقة كما يقول الفقهاء الفرنسيون‏!‏
ثالثا‏:‏ إن القضاء أكبر وأعرق وأعظم من أن يكون طرفا في خصومة مهما تكن وإذا تناوله أحد بما لايجب فإن علي المجتمع كله أن يردع وليس القضاء وحده‏,‏ لأن هيبة الدولة من هيبة قضائها وقضاتها‏,‏ أقول ذلك بمناسبة بعض العبارات التي جري اصطيادها من استاذة جامعية مرموقة بحق أحد القضاة الأجلاء عقب الانتخابات الأخيرة ونحن إذ لا نوافق إطلاقا علي ماقيل ولانتدخل في مجريات التحقيق من قريب أو من بعيد إلا أننا نراها جزءا من محنة الصحافة المصرية وانفعال المعركة الانتخابية‏,‏ ولا أظن أن تلك الأستاذة الفاضلة تكن لهذا القاضي الذي لم تره في حياتها إلا كل تقدير واحترام واجبين لذلك اعتذرت عن ذلك علنا في أكثر من موقع‏,‏ وقد كنت أربأ بالصحيفة التي نشرت ذلك الحديث أن تقع فيما حدث وأن تنشر قولا يمس أحد قضاتنا بل وتأخذه عنوانا فيها‏,‏ وقديما قال آباؤناماشتمك إلا من أبلغك فالجري وراء الإثارة الصحفية أصبحت له فاتورة عالية في المجتمع المصري حاليا‏,‏ وأنا واحد من الذين سددوا جزءا‏,‏ ولو يسيرا من تلك الفاتورة ولي ملاحظة أخيرة أهمس بها وهي أن توصية نادي القضاة بإلغاء التعاقد مع معامل التحليل الطبي لتلك الأستاذة الجامعية والتي استجاب لها السيد وزير العدل بفسخ ذلك العقد هي في ظني نوع من الضرب تحت الحزام وخلط للأوراق لامبرر له وخروج عن السياق إلي دروب جانبية خصوصاوأن المسألة برمتها أمام القضاء المصري العادل‏.‏
رابعا‏:‏ إنني أؤكد هنا أن العصمة للأنبياء بل إن الله سبحانه وتعالي قارع نبيه المصطفي صلي الله عليه وسلم ووجه إليه لوما إلهيا رفيعا في أكثر من موضع في تنزيله الحكيم لأن النبي كان بشرا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ولا عصمة لبشر فنحن جميعا خطاءون وخير الخطائين التوابون كما أن العقود الأخيرة قد أفرزت قلة محدودة من القضاة الذين عصف بهم جسد القضاء المصري ولفظهم منذ لحظة البداية حتي تعرض بعضهم للمحاكمة والمساءلة القانونية بعد التورط في بعض الجرائم الغريبة علي ضمير القضاء المصري وتاريخه النظيف‏,‏ وفي ظني أن ذلك الاستثناء القليل هو تأكيد للقاعدة التي تنص علي طهارة القضاء المصري وسموه ورقيه‏,‏ لذلك فإن من حقنا جميعا أن نفاخر بقضائنا وأن نضعه في مكانه اللائق وألا ننزعج كثيرا من عبارة هنا أو جملة هناك‏.‏
خامسا‏:‏ إنني أدعو رجال القضاء المصري إلي المضي في طريق التسامح والعفو عند المقدرة وأن يدركوا أنهم ليسوا أنبياء أو ملائكة‏,‏ ولكنهم بشر يصيبون ويخطئون وليدركوا أن مكانهم في ضمير أمتهم يدعوهم إلي الترفع المعهود والتعالي عن الدخول في مهاترات لامبرر لها‏,‏ فالناس تراهم دائما حكما لاخصما ويدرك الجميع هيبتهم وسمو المنصة التي يمثلها ذلك القضاء الجالس بل والقضاء الواقف أيضا‏.‏
هذه ملاحظات رأيت أن أسوقها في حذر شديد وموضوعية كاملة وإكبار واحترام لازمين تجاه سدنة العدالة‏,‏ وأريد أن أهمس في أذنهم إن من يتطاول علي أهل الثروة تفتح أمامه أبواب جهنم‏,‏ ومن يتطاول علي أهل السلطة قد يذهب إلي الجحيم‏,‏ أما من يتطاول عليكم‏.‏ يارجال الحق والعدل‏.‏ فإنه يلوذ بكم في النهاية وينتظر السماحة منكم‏,‏ فلم يعد لدي المواطن العادي في هذا الوطن إلا حضنكم الدافيء وقلبكم الكبير حتي قال البعض إن مصر يحكمها القضاء والقدر‏,‏ ولن تكونوا أبدا طرفا في خصومة مع شعب تستقيم بكم حياته ويستقر معكم أمنه ويمضي رافعا رأسه لأن لديه أعرق جهاز قضائي في الشرق الأوسط بل وفي أمتيه العربية والإسلامية‏.‏

المزيد من مقالات د. مصطفى الفقى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.