من بديهيات العمل السياسي في عصر السماوات المفتوحة أن يكون الرأي العام في أي وطن شريكا أساسيا في صناعة القرارات التي تؤثر علي حاضره ومستقبله ليس باعتبار ذلك حقا أصيلا للمجتمعات كونها المستفيد أو الخاسر من أي قرارات وإنما لأن مثل هذه المشاركة تشكل تحصينا منيعا للسياسات والقرارات يوفر لها الحماية من أي عوار سياسي أو قانوني أو اجتماعي. وبرغم أنه ليست هناك مدونة سلوك نموذجية يمكن الاسترشاد بها عالميا لجعل الرأي العام في أي وطن شريكا أساسيا في عملية صنع القرار إلا أن هناك إجماعا علي وجود محورين أساسيين لصنع هذه المشراكة المجتمعية مع منطقة صناعة القرار أولهما محور الاحتكام لصناديق الانتخابات باعتبارها أفضل آلية للتعبير عن الرأي العام وقياس توجهاته الحقيقية... ومحور الاحتكام لآراء النخب المتخصصة والمعبرة عن مختلف أنواع الطيف السياسي لإحداث التوازن المطلوب مع ما يشوب اللعبة الانتخابية من عوامل تؤثر بدرجة أو بأخري في توجهات الناخبين. وهذا الرأي الذي أتحدث عنه عقب انتخابات تشريعية ساخنة وعلي أعتاب انتخابات رئاسية بالغة الأهمية يتطلب أن نجدد الرهان علي إمكان جعل الرأي العام شريكا أساسيا في صناعة القرارات حتي يمكن بناء جسور جديدة يعبر بها الوطن إلي شواطيء آمنة تحت أجواء من الشفافية التي تؤدي إلي ترسيخ الانتماء الوطني وتوسيع حجم المشاركة في العمل العام بروح الإحساس بأن الوطن ملك لكل أبنائه. وأي دولة تحترم الرأي العام هي تلك التي يبدو في خطواتها وقراراتها أنها تتحرك تحت مظلة من الالتزام الأخلاقي مع المجتمع وبقدر صيانتها للحقوق تكون تصرفاتها صحيحة, أما إذا أدارت ظهرها لهذه الحقوق أو حصرت نفسها داخل نطاقها, سقط عنها حقها في أن تستمتع بتجاوب الناس معها وطاعتهم التلقائية لها. إن المواطن لا يؤيد الحكومة إلا إذا أيقن بأن ما تهدف إليه في كل خطوة من الخطوات يستهدف المصلحة العامة, ويتم من خلال إجراءات سليمة, ومن الخطأ أن تتصور أي حكومة أن الناس يمكن أن ترضي عنها لمجرد الاطمئنان إلي أن نياتها حسنة أو أن مقاصدها شريفة فقط! وإذا كان ضمير الفرد هو المصدر الحقيقي لطاعة القانون, فإن علي الحكومة أن تثبت دائما أن مجرد التحايل علي القانون يزعزع الثقة ويقوض الالتزام ويفتح الباب واسعا لمزيد من القيل والقال! ولكي لا يخطيء أحد في فهم ما أقول ينبغي أن ندرك أننا أمام أدق وأخطر مرحلة في تاريخ مصر باتجاه تحول ديمقراطي له استحقاقاته وإصلاح اقتصادي له تكاليفه وتطور اجتماعي لا بد أن نكون مستعدين لإنجازه بأقل التكاليف. وفي اعتقادي أن أي عبور باتجاه المزيد من الديمقراطية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية ينبغي أن يتم فوق جسور قوية تستند إلي أعمدة صلبة في ظل رؤية واضحة أشبه بضوء ساعات الظهيرة من يوم6 أكتوبر1973 باعتماد الشفافية الكاملة في كل الخطوات والمراحل. ثم إن أي عبور يحتاج إلي ثقة بالنفس مقترنة بالتواضع وشعور بالمسئولية تحت أقصي درجات الجدية والالتزام مع فهم عميق للأوضاع المحلية والإقليمية والدولية.
خير الكلام: ** أحلام بسيطة يمكن تحقيقها أفضل من أوهام عظيمة يستحيل بلوغها! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله