دائما ما كانت للرواية التاريخية جاذبيتها التي تتميز بها لما تنطوي عليه من أجواء خاصة وأحداث وشخوص لم نعاصرهم, فبعد رائعته عزازيل تأتي النبطي . حيث يستكمل يوسف زيدان مشروعه الفكري والأدبي بكشف المجهول و نبش المسكوت عنه في تاريخ مصر وفي هذه المرة يتناول السنوات العشرين التي سبقت الفتح الإسلامي لمصر. يستهل زيدان روايته منوها بأن نهاياتها كتبت قبل بداياتها بقرون وقد قدت النهايات البدايات فيرسم لوحة ثرية بالشخوص التي استطاعت نقل صورة شبه متكاملة عن الأنباط إحدي الجماعات العربية الكبيرة التي انتشرت من جنوب العراق مرورا بشمال السعودية وجنوب الأردن وفلسطين وسيناء ومنطقة البتراء وما حولها وحضارتهم وخصوصيتهم الثقافية والأهم من ذلك الدور الذي لعبوه في التمهيد لفتح مصر. في النبطي تطغي الشخصيات علي الأحداث ويعلو صوت الحكي عبر مارية الفتاة المصرية القبطية التي تعيش ثلاث حيوات تحكي لنا فيها عن كل شيء بصبغة وشغف أنثوي محبب يجمع بين براءة الطفلة والرغبة الأنثوية في الانطلاق واستكشاف آفاق جديدة, كما تذكر بداخلي نساء كثيرات. في حياتها الأولي تحكي عن كفرها أو قريتها الصغيرة والعرب الذين جاءوا لخطبتها وصديقة طفولتها و شخصية بطرس الجابي والأب باخوم الذي برز كصورة مضيئة للسماحة الدينية في مقابل الكاهن شنوته, كما تحكي عن طقوسهم الدينية لتعرض جوانب هامة من عادات وتقاليد و حياة المصريين تحت الحكم البيزنطي,والصراع بين الفرس والروم, والخلاف المذهبي بين المذهب الملكاني الذي فرضه البيزنطيون علي قبط مصر وبين المذهب اليعقوبي الأرثوذكسي حاليا مذهب مارية و أهلها من الفقراء الذين سكنوا قريتها. وفي حياتها الثانية تقطع مارية الصحراء من كفرها بالدلتا حتي مضارب الأنباط شمال الجزيرة العربية جنوب البتراء بالأردن لتأنس طوال رحلتها بالفتي عميرو الذي يحكي لها عن الأنباط ونشاطهم الاقتصادي و سماحتهم الدينية وانفتاحهم علي المجتمعات الأخري, كما يخبرها أنها ستجد لديهم كل الديانات فأبوه يهودي وعمه سلامة زوجها مسيحي علي هون كما يقول لا يذهب إلي الكنيسة إلا لسبب, وعمه النبطي يدعي أن وحيا يأتيه لكنه لا يذيعه بين الناس, وجدته أم البنين لا تؤمن إلا بالربة اللات. ثم تتعرف عن قرب علي النبطي البليغ شقيق زوجها الذي يمثل حالة خاصة في الرواية حيث يؤكد لها أسبقية الأنباط عن العرب في البلاغة وكتابة الشعر والمفردات فتعجب بحديثه وتستأنس به. ثم تتسرب أخبار ظهورالإسلام ونبيه إلي الرواية شيئا فشيئا. أما حياتها الثالثة فتبدأ بوصولها لديار الأنباط حيث تحتضنها أم البنين أم زوجها وتمنحها اسما عربيا ماوية فتحكي لنا عن حياة الأنباط التي تتركز حول السفر للتجارة وكيف يحترمون النساء وعن ضيقها بالحياة هناك,وفي خضم الأحداث ينتشر الإسلام وتسلم هي وزوجها ليأتي الصحابي عمرو بن العاص ويعقد اتفاقا مع اليهود والأنباط بالهجرة إلي مصر ومساعدتهم في التمهيد لفتحها إلا أن ماوية تحزن عند الرحيل بسبب فراقها للنبطي الذي يأبي الرحيل معهم. تثير الرواية العديد من التساؤلات حول تاريخ مصر وأهلها و الوجود العربي فيها قبل الفتح الإسلامي وكيف تأثر سكانها بغيرهم من الأعراق والحضارات وكيف نجحوا برغم ذلك في الحفاظ علي خصوصيتهم الحضارية والثقافية, مما يفتح مجالا للعديد من الدراسات الإنثروبولوجية والتاريخية عن تلك الفترة. تقع الرواية في381 صفحة من القطع المتوسط. صدرت عن دار الشروق