جامعة الأزهر تقرر تطبيق نظام "البرامج الخاصة"، فيتو تكشف التفاصيل    تصل ل150 ألف جنيه.. زيادة تعويضات مخاطر المهن الطبية (تفاصيل)    جامعة طنطا الأهلية.. دليلك الشامل للكليات والمصروفات والمزايا التنافسية    اليوم.. بدء الصمت الانتخابي بماراثون الشيوخ وغرامة 100 ألف جنيه للمخالفين    الخميس 31 يوليو 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    محافظ الدقهلية يتفقد مستوى النظافة والتزام المخابز بوزن الخبز في طلخا (صور)    إطلاق دورة تدريبية متقدمة حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي في هندسة البرمجيات    وزير الإسكان يتابع موقف المشروعات السكنية والبنية الأساسية والتطوير في عدة مدن بالصعيد    محافظ الدقهلية في زيارة مفاجئة لشركة المياه والصرف الصحي لمتابعة الاستجابة لشكاوى المواطنين    استرداد 11.3 مليون متر من أراضي الري.. و124 قطعة دعمت النفع العام و«حياة كريمة»    سعر الدولار اليوم الخميس 31-7-2025 أمام الجنيه المصرى فى بداية التعاملات    عبور 20 شاحنة مساعدات إغاثية إماراتية معبر رفح البري تمهيدا لدخولها غزة    أيادينا بيضاء على الجميع.. أسامة كمال يشيد بتصريحات وزير الخارجية: يسلم بُقك    إعلام عبري: الجيش يقلص قواته في غزة وسحب فرقة وألوية كاملة    خلال زيارته لواشنطن.. وزير الخارجية يشارك في فعالية رفيعة المستوى بمعهد "أمريكا أولًا للسياسات"    مقتل 6 أشخاص وإصابة 52 آخرين على الأقل جراء هجوم روسي على كييف بطائرات مسيرة وصواريخ    موعد مباراة الزمالك وغزل المحلة الودية    المباراة الخامسة.. الزمالك يواجه غزل المحلة اليوم    الزمالك يواجه غزل المحلة وديًا اليوم    يعود بعد شهر.. تفاصيل مكالمة شوبير مع إمام عاشور    ليس كوكا.. ريبيرو يُطيح بموهبة الأهلي (تفاصيل)    موعد مباراة آرسنال وتوتنهام الودية استعدادًا للموسم الجديد 2025-2026    عزام يجتمع بجهاز منتخب مصر لمناقشة ترتيبات معسكر سبتمبر.. وحسم الوديات    بلوجر متهم بنشر محتوى خادش للحياء يستأنف على حكم حبسه سنة    ذبحه وحزن عليه.. وفاة قاتل والده بالمنوفية بعد أيام من الجريمة    وزير التعليم يعتمد جداول امتحانات الدور الثاني للدبلومات الفنية    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 8 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    خروج قطار عن القضبان بعد اصطدامه برصيف محطة السنطة دون إصابات    حماية المستهلك: ضبط 3000 جهاز كهربائي مجمعين من مواد مجهولة تحت علامات تجارية شهيرة    مجلس الآمناء بالجيزة: التعليم نجحت في حل مشكلة الكثافة الطلابية بالمدارس    رئيس جامعة أسيوط يصدر قرارات بتكليف وندب عدد من القيادات الأكاديمية والإدارية    هيئة قناة السويس تنظم احتفالية بمناسبة ذكرى التأميم بعد قليل    خالد جلال ينعى شقيقه الراحل بكلمات مؤثرة: «الأب الذي لا يعوض»    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    حملة «100 يوم صحة» تقدم 23.5 مليون خدمة طبية مجانية خلال 15يوما    استعدادا لإطلاق «التأمين الشامل».. رئيس الرعاية الصحية يوجه باستكمال أعمال «البنية التحتية» بمطروح    مجلس مستشفيات جامعة القاهرة يبحث إنشاء قسم للطب الرياضي بقصر العيني الفرنساوي    الكشف على 889 مواطنًا خلال قافلة طبية مجانية بقرية الأمل بالبحيرة    حسين الجسمي يطرح "الحنين" و"في وقت قياسي"    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر ويؤكد: المهم هو التحصن لا معرفة من قام به    الكنيسة القبطية تحتفل بذكرى رهبنة البابا تواضروس اليوم    تويوتا توسع تعليق أعمالها ليشمل 11 مصنعا بعد التحذيرات بوقوع تسونامي    المهرجان القومي للمسرح يكرّم الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    عقب زلزال روسيا | تسونامي يضرب السواحل وتحذيرات تجتاح المحيط الهادئ.. خبير روسي: زلزال كامتشاتكا الأقوى على الإطلاق..إجلاءات وإنذارات في أمريكا وآسيا.. وترامب يحث الأمريكيين على توخي الحذر بعد الزلزال    "بحوث أمراض النباتات" يعلن تجديد الاعتماد لمعمل تشخيص الفيروسات للعام السادس    اليوم.. المصري يلاقي هلال مساكن في ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    دعمًا لمرشح «الجبهة الوطنية».. مؤتمر حاشد للسيدات بالقليوبية    قناة السويس حكاية وطن l حُفرت بأيادٍ مصرية وسُرقت ب«امتياز فرنسى»    بدء تقديم كلية الشرطة 2025 اليوم «أون لاين» (تفاصيل)    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    طريقة عمل سلطة الفتوش على الطريقة الأصلية    «حملة ممنهجة».. ترامب يقرر فرض رسومًا جمركية بنسبة 50% على هذه الدولة (تفاصيل)    بسبب خلافات الجيرة في سوهاج.. مصرع شخصين بين أبناء العمومة    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    أول تصريحات ل اللواء محمد حامد هشام مدير أمن قنا الجديد    المهرجان القومي للمسرح المصري يعلن إلغاء ندوة الفنان محيي إسماعيل لعدم التزامه بالموعد المحدد    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف زيدان يؤكد في رواية "النبطي" أن فتح مصر تم بالخديعة
نشر في القاهرة يوم 14 - 12 - 2010

أن يكون المؤلف مؤرخاً فعليه أن يثق في التاريخ الذي يكتبه، أما أن يكون روائياً فعليه أن يؤمن بالتاريخ الذي يرويه، و د."يوسف زيدان"(1958م) مؤلف يتراوح إبداعه بين الثقة في التاريخ، والإيمان به، فكان مؤرخاً بروح روائي، وروائي بقلم مؤرخ، فعشق الوقوف بالعتبات، عتبات الأزمنة قبل عتبات الأمكنة، فوقف في عزازيله عند عتبة الدين المتحول لسلطة تقهر حرية الاعتقاد واختار الأرثوذكسية المصرية لتكون حجر تلك العتبة عند مدينته الإسكندرية، ثم جاء بعتبته الثانية في روايته الحديثة "النبطي" ليقف علي عتبة زمنية أخري، عند تلك اللحظة التي خرج فيها الدين الإسلامي من جزيرة العرب لفتوح البلدان، وعلي حدود الجزيرة العربية قبيل فتح مصر بدقائق تاريخية، علي نحو أعاد فيه تقييم التاريخ عبر رؤيته كمؤرخ يعبر عن رأيه روائياً، فجاء التاريخ في نبطيه محدثاً ثورة علي التقاليد التاريخية القديمة علي نحو أجبرنا علي قراءة روايته من خلال المذهب التفكيكي للرواية، وليس علي النحو البنائي المعتاد، فهو الذي دفعنا إلي تلك القراءة لما أحدثه من قلقلة عنيفة للقواعد الفكرية المستقرة في التاريخ واللغة، حيث كشف"زيدان" عن نفسه بأنه الروائي العربي المعاصر الوحيد الذي يصلح لتطبيق قواعد ما بعد البنيوية علي إبداعه، وهو أخصبهم جميعاً لتطبيق قراءات"جاك دريدا"(19302004م)، و"فوكو"(1926 1984م)، و"بول دي مان"(1919 1983م) أنصار النزعة التفكيكية، علي إبداعهم.
تفكيكية زيدان
علي حد قول"ريتشارد روتي" (19312007م) الفيلسوف الأمريكي أستاذ الأدب المقارن، والفلسفة في جامعتي فرجينيا، وستانفورد، في مقاله"التفكيك"، ترجمة"ماري عبد المسيح"، فالتفكيك شعار ابعد من النقد الأدبي؟ ظهر في سبعينات القرن الماضي في الغرب، فهو ينطوي علي توجهات معينة في السياسة والتاريخ والقانون والأدب، فالتفكيكي متطرف سياسي ينتقد الأفكار المثالية المعتمدة، والراسخة في ثقافته، والقراءة التفكيكية ليست قراءة نقدية أدبية، وإنما هي قراءة كاشفة لتلك الثورة التي أعلنها "زيدان" في روايته"النبطي" والتي لم يعد يمتلك منها شيئاً بعد أن خرجت إلي أيدي القراء، فهو قد قال ما قاله، وعلينا أن نتقول، علي حد قول"الفرذدق"(38 110ه) التفكيكي الأول المجهول في تاريخ الأدب العربي.
رسائل زيدان القصيرة
مازالت تسيطر علي"زيدان" أصداء رواية "عزازيل" حيث يعيد في "النبطي" وصل الأحداث التي وقعت للفكر المسيحي المستنير في شخصية"الأب باخوم" رمز العلمانية المسيحية، ورأيه في حقيقة صلب "المسيح"، حيث يقول علي لسانه:" إن الرومان كانوا يصلبون علي عمود خشبي ليس له شكل الصليب" ص59، كما أن "الأب باخوم" كان يحتفظ بمخلاته بنسخة من إنجيل يهوذا، ويصور "زيدان" في شخصية"باخوم" رجل الدين العلماني المحب للفن، والرسم، ولبراءة الأطفال، وموقفه من الصراع مع الكنيسة الرومانية في البلدة البيضاء، أتباع خلقيدونية، إلا أن"زيدان" توقف بالأب"باخوم" عند هذا الحد ولم يقدم لنا دلالة فكرية لمبادئه، أو مبرر لمعانته مع متشددي الكنيسة المصرية الأرثوذوكسية؟ وتصورنا أنه سيكون للعلمانية المسيحية رأي في دخول الإسلام إلي مصر، لكنه سكت عنه.
موقف المصريين من المستعمر
يكشف "زيدان" عن رأيه في موقف المصريين من المستعمرين الذين مروا ببلادهم عبر تاريخها الطويل، حين يقرر عموم أهل الكفر جمع فديتين" فإذا جاء الفرس أولاً أعطوهم نصف الفدية واستبقوا النصف الآخر، تحسباً لمجئ هرقل"ص128، وهذا الموقف السلبي للشعب المصري، يعبر عن رأي"زيدان" في ميل الأقباط إلي المهادنة مع المستعمر، وإيثار السلامة، علي عكس ما تحكيه المؤرخة" إيريس حبيب المصري"(19101994م) في تاريخها للكنيسة القبطية، ومن قبلها السيدة "بتشر" الباحثة الإنجليزية في كتابها النادر "تاريخ الأمة القبطية" حيث توجد وقائع مقاومة قام بها الأقباط ضد جميع المستعمرين الذين مروا بمصر، علي نحو لا يمكن إغفاله.
الإسلام السياسي وحرب القبائل
يروي"زيدان علي لسان بطله"النبطي" العائد من العراق، أنباء تعكس رؤيته للصراع بين القبائل العربية علي نحو يمزج بين الدين وكونه غطاء للصراع القبلي العصبي، حيث قبيلة"تغلب" وهي واحدة من أقوي قبائل العرب تود لو تأكل العرب، ولكنهم يحتاجون إلي نبوة كستار ليحاربوا تحت رايتها، حيث عادت إلي بني"تغلب" قوتهم بعد هزيمتهم في حرب"الباسوس" التاريخية، واتحدوا مع بني بكر أبناء عومتهم، حتي إنهم عرضوا علي"النبطي" أن يكون بينهم، وسيؤمنون له، إذا قال في الحرب وحياً يدعو إلي القتال، وهنا تلميحاً من "زيدان" إلي الآيات القرآنية التي نزلت في القتال، وكانت مبرراً لحروب قريش لبقية القبائل العربية، كما انه كان حريصاً علي إضافة "القرشي" إلي اسم"النبي" صلي الله عليه وسلم، ولكن النبطي اعتذر لهم لأن نبوته لم تكتمل، فقاموا بطرده، وسبه، واهانته، بعد أن كان نبيهم المأمول ص325.
المقوقس
لأن"زيدان" يشكك أصلاً في رسائل النبي صلي الله عليه وسلم، والتي ثبت تاريخياً انه أرسلها إلي "المقوقس" حاكم مصر، فيقوم بقلقتة للثابت في التاريخ علي نحو آخر، من أن الذي أهدي النبي صلي الله عليه وسلم الشقيقتين"مارية"، و"سيرين" ليس "المقوقس"، حيث يلتقي "سلومة" التاجر النبطي بقافلة "حاطب بن أبي بلتعة" وهو في طريق عودته إلي مصر ومعه هدية الحاكم الروماني إلي النبي صلي الله عليه وسلم، ثم تمر سنوات، حدث خلالها فتح مكة، وإنجاب"مارية القبطية" ل"إبراهيم"، ليعلن "زيدان" فجأة أن الرومان جلبوا من جهة القوقاس أسقف ملكاني رهيب ليحكم مصر، ويشيع الرعب في قلوب اليعاقبة الفقراء، اسمه"قيرس" ويسميه الناس"المقوقس"، بيد أن الثابت تاريخياً أن شخصية"المقوقس" كانت علي مسرح الأحداث من قبل ظهورها عند"زيدان" بسنوات طويلة، فتذكر الباحثة"بتشر" أن كلمة"مقوقس" معناها الأفخم في اللغة الرومانية، ظنها العرب جزءً من اسم "جرجس بن مينا بن كوبوس"، المصري، والي مصر غير العسكري، وبقي في وظيفته بعد فتح العرب لمصر، فقد خلط"زيدان" بينه وبين"كيروس" حاكم مصر الوسطي، والجانب الغربي من النيل المحتوي علي أقاليم الفشن، والمنيا، وبني سويف.
أديان وكنائس وكعبات
يرسم"زيدان" صورة لحقيقة الأديان التي كانت موجودة في الجزيرة العربية قبيل ظهور الإسلام علي نحو غير المتعود عليه الثابت المألوف لكتاب التاريخ، حيث جعل أسرة"سلومة" التاجر النبطي تحتوي علي أشكال الأديان المختلفة القائمة وقتها في الجزيرة العربية، ف"سلومة" مسيحي، وأخيه"الهودي" يهودي، وأخيه الثالث"النبطي" من الأحناف، وأمه تعبد الإلهة"أيل"، و"اللات"، كما أن المسيحية كانت منتشرة في الجزيرة العربية، ولها عدة كنائس كانت قائمة بها ص303، كاشفاً عن المسكوت عنه في التاريخ الإسلامي، كما كان للأنباط كنيستهم الكبيرة، ويوجد بالقرب منها المرأة الكاهنة العارية، وقام"زيدان" بتميع فكرة النبوة بين العرب وجعلها فكرة شائعة، وان العرب اعتادوا الرواية عن الغيب، والوحي، كما جاء علي لسان"النبطي" وهو يقول عن السماء:" بالإله الواحد ذي الوجهين، وبالصدق الأزلي، أقول الحق، ما في الكون غير ابن وأم، منهما كل أم وابن، فلا تسمع لمن استهان واستعلي ثم هان، فيا بني الإنسان، أوان ظهوري بالوجهين قد حان" ص175، ويرصد"زيدان" تعدداً لظاهرة النبوة عند الثقافة العربية، فهناك نبي يمني اسمه" الأسود" ينازع سلطان المسلمين، ونبي آخر اسمه"مسيلمة" يراشق "النبي القرشي" صلي الله عليه وسلم بآيات مضحكات ص 329، كما أن "زيدان" تعرض للكعبات المتعددة في جزيرة العرب، حيث وصف إحداها بحجر "اللات الأبيض" والطواف حولها سبعاً ص 268، وعند كعبة أخري ماتت "أم البنين"، و أم "النبطي"، وهي تطوف بها ص311، وفي طريق العودة من كنيسة الأنباط توجد كعبتان كبيرتان من الحجر الأبيض لصنم"اللات" ص305، كما توجد بالطائف الكعبة الكبري، والتي قام"النبي القرشي" صلي الله عليه وسلم بهدمها ص 296، فقدم بذلك سرداً لكل ما اعتبره كتاب التاريخ من هوامش"الكلبي" في كتاب أصنامه.
الأنباط
يعد تعرض"زيدان" للأنباط علي هذا النحو الحيوي في روايته من قبيل أعمال الثورة علي التاريخ الثابت، فقد اعتدنا علي ذكرهم في "تاريخ آداب اللغة العربية" ل"جورجي زيدان"(18611914م)، أو حتي في كتابه"العرب قبل الإسلام"، باعتبارهم من القبائل المهمشة في تاريخ الجزيرة العربية، وليس لهم دور في شكل، أو فحوي ثقافة العرب، إلا أن "زيدان" خالف ذلك؟ وجعل"الأنباط" علي لسان"الهودي"هم:"جماعة من العرب قديمة جداً، سموا بذلك لأنهم تفننوا في استخراج الماء وإنباطه من الأرض الجرداء، ومهروا في تخزين النازل منه بالسيول، وكانت لهم في الماضي مملكة كبيرة، وملوك كثيرون، وكانوا يسكنون البادية التي بين الشام والجزيرة، وعاصمة مملكتهم، وقصبة بلادهم هي الموضع الذي نسكن اليوم فيه" ص211، فقد أسكنهم"زيدان" بالنواحي الشرقية من مصر، وأنحاء سيناء، وشمال الجزيرة، وجنوب الشام، والعراق، بينما الثابت تاريخياً في مفصل"جواد علي"(19071987م) لتاريخ العرب قبل الإسلام، هو استقرارهم الرئيس في جنوب الأردن، وعاصمة ملكهم"البتراء"، ربما حتمت الحبكة الروائية لاختيار"زيدان" لعتبته التاريخية أن يزحزح"الأنباط" عن مكانهم التاريخي بضع الكيلومترات، بينما في حوار بين"حاطب بن أبي بلتعة" و"سلومة" يقول "حاطب":" وما أنت يا سلومة بعربي، فالأنباط ليسوا عرباً، ولا عجب أن تتزوج قبطية فلا قبل لك بامرأة عربية" ص189، فيحدث تعديلاً علي تقسيم العرب إلي عرب مستعربة، وعرب بائدة، كما أثبته"ابن خلدون"(13321406م) في مقدمة تاريخه، إلي عرب بائدة، وعرب سائدة، كما جاء علي لسان"حاطب" رداً علي "الهودي" ص 190.
فتح مصر
يتعرض"زيدان" في ثورية بالغة لكيفية فتح العرب لمصر؟ علي نحو مخالف للثابت عند"السيوطي" في حسن محاضرته، وعند"البلاذري"، وعند"ألفرد بتلر" في "فتح مصر"، فقد شُغل جميع المؤرخين بقضية هل تم فتح مصر عنوة؟ أم بالاتفاق؟ فجاء فتح مصر عند "زيدان" علي نحو خارج نطاق تلك القضية ذات الحدين، فجعل فتح مصر تم بالخدعة، فجاء علي لسان"سلومة" لشقيقه"النبطي" وهو يحثه علي الهجرة معهم إلي مصر:"لا شأن لنا يا أخي بالجزيرة والشام، وما نحن إلا جواسيس المسلمين وعيونهم في البلاد، إذا قالوا لنا ارحلوا فلا بد من الرحيل"ص370، وفي إشارة رمزية بارعة يعطي"بنيامين" شقيق"مارية" زوجة "سلومة" مفتاح بيت عائلته القبطية في مصر لذهابه إلي الدير راهباً إلي "حاطب بن أبي بلتعة" ليوصله إلي "سلومة"، اي أن العرب كان معهم مفتاح مصر قبل أن يصلوا إليها، إلا أن"زيدان" افتعل واقعة تاريخية بعيدة عن الواقع حيث جعل اليهود يستجيبون لطلب المسلمين في الهجرة إلي مصر لكي يمهدوا لأمراء الحرب دخولها، خاصة بعد استفاضته في سرد وقائع المواجهات الدامية بين المسلمين واليهود، ورصده لجسامة حجم كراهية اليهود للمسلمين، حتي أن"سلومة" نهي"مارية" عن الخوض في حكي النساء هذا، عندما كاشفته بسؤالها عن سر هذا التحول في العلاقة بين اليهود، والمسلمين؟ فبدا فتح مصر عند"زيدان" كما لو أنه جاء بإحداث فتنة علي المستوي الشعبي لتقليب الأقباط علي حكم الرومان، بمساعدة العرب المستقرين منذ زمن في مصر، والأنباط، واليهود، المهاجرين الجدد قبيل الفتح، فاختزل كل الحروب التي تمت بين جيش"عمرو بن العاص"، والحاميات الرومانية منذ دخوله من العريش، إلي بلبيس، فحصن بابليون، والبهنسا؟!
لا شك أن رواية"النبطي" تقدم تأويلاً جديداً للتاريخ، بيد أن هذا التاريخ الوارد فيها جاء علي نحو من الأخبار، لم يشترك في صناعة أحداثه اي شخص من شخوص الرواية، ولم تقم لأحداثه قائمة علي زمن ومكان تحرك الشخوص فيها، فالرواية كانت عبارة عن أخبار متواترة قادمة مع العائدين من القوافل، تم ملء فراغاتها الدرامية بأفراح أعراس، وأحزان فراق، واغتراب، ومآتم، وهي أحداث قد تصلح لتحمل اي محتوي لظرف تاريخي مغاير، غير الذي وقف علي أعتابه د."يوسف زيدان".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.