«جولد بيليون» تكشف أسباب تحركات أسعار الذهب المحلية.. اعرف عيار 21 بكام    تراجع مبيعات التجزئة الإيطالية بنسبة 0.1% خلال أبريل الماضي    «النقل»: مصر حققت طفرة كبيرة في تطوير البنية التحتية بمختلف القطاعات    إصابة أكثر من 100 شخص في حادث تصادم قطارين في غرب سيبيريا    كولر عن جماهير الأهلي: لا يمكن مقارنة ما يحدث في مصر بأوروبا لهذا السبب    محافظ أسوان يكرم أبطال نادي ذوي الاحتياجات الخاصة لحصدهم العديد من الميداليات الذهبية    36 تأشيرة حج لموظفين بالأزهر تكريما لجهودهم قبل بلوغ سن المعاش    ضبط سيدة بالقاهرة تستولى على أموال المواطنين بزعم توظيفها بالتجارة الإلكترونية    إسعاف الفيوم توفر 81 سيارة بالمناطق السياحية خلال أيام عيد الأضحى    التحقيق مع عاطل هتك عرض طفل في الهرم    مستعد لدعم الجزء الرابع.. تركي آل الشيخ يوجه رسالة للقائمين على فريق عمل فيلم "ولاد رزق"    أفضل دعاء يوم عرفة.. ردده لغفران ذنوبك وعتق رقبتك من النار    كم عدد أيام الذبح في عيد الأضحى؟.. اعرف التوقيت الأفضل    تفاصيل مناسك يوم التروية والمبيت في مني    فى ختام مؤتمر الصحة الأفريقي.. رئيس جامعة المنوفية يرأس جلسة علمية عن جراحة الجهاز الهضمي    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    تخريج 6 دفعات من معهد المحاماة ومشروع تدريبي لنقابة المحامين للعدالة الإلكترونية بالوادي الجديد    وزير الري: تراجع نصيب الفرد من المياه إلى 500 متر مكعب (تفاصيل)    القليوبية تحصد المراكز الأولى فى لعبة الكاراتية على مستوى الجمهورية    حسام البدري: تعرضت للظلم في المنتخب.. ولاعبو الأهلي في حاجة إلى التأهيل    مقابل وديعة دولاية.. مبادرة لتسهيل دخول الطلاب المصريين بالخارج الجامعات المصرية    "في رحاب الله".. "البحوث الإسلامية" يطلق حملة توعوية موسعة بجميع المحافظات    رئيس جامعة المنوفية يتفقد سير الامتحانات بكلية التمريض    تراجع أسعار الفول والزيت والدواجن واللحوم اليوم الخميس (موقع رسمي)    انخفاض 10 درجات مئوية.. الأرصاد تكشف موعد انكسار الموجة الحارة    أول ظهور لوزيرة الثقافة بعد وفاة والدتها في افتتاح معرض "بديع صنع الله"    اعرف حظك وتوقعات الأبراج الجمعة 7-6-2024، أبراج الحوت والدلو والجدي    ليلة في حب سيدة المسرح العربي.. تفاصيل تكريم سميحة أيوب بدار الأوبرا    قبل ساعات من زفافهما.. 3 أعمال جمعت جميلة عوض وزوجها أحمد حافظ    تركي آل الشيخ: أتمنى جزء رابع من "ولاد رزق" ومستعدين لدعمه بشكل أكبر    في احتفالات اليوم العالمي للبيئة.. لقاءات متنوعة لقصور الثقافة بالسويس    الأحد.. دار الأوبرا تنظم حفلا ضمن سلسلة كلثوميات لفرقة عبد الحليم نويرة    «التضامن» توضح 3 فئات مستحقة للمعاشات الاستثنائية    تباين أداء مؤشرات البورصة بعد مرور ساعة من بدء التداولات    عضو بالبرلمان.. من هو وزير الزراعة في تشكيل الحكومة الجديد؟    رئيس الوفد فى ذكرى دخول العائلة المقدسة: مصر مهبط الديانات    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    موسم الحج 2024.. دليل طبي شامل للحجاج لأداء المناسك دون الإصابة بالأمراض المعدية.. نصائح مهمة لتجنب ضربات الشمس والجفاف.. ونظام غذائي لمنع التسمم    كيفية تنظيف مكيف الهواء في المنزل لضمان أداء فعّال وصحة أفضل    بوريل يستدعي وزير خارجية إسرائيل بعد طلب دول أوروبية فرض عقوبات    أمين الفتوى: لابد من أداء هذه الصلاة مرة واحدة كل شهر    جواب نهائي مع أشطر.. مراجعة شاملة لمادة الجيولوجيا للثانوية العامة الجزء الثاني    ننشر أسماء الفائزين بمسابقة "وقف الفنجري" جامعة القاهرة 2024    قبل عيد الأضحى.. ضبط أطنان من الدواجن واللحوم والأسماك مجهولة المصدر بالقاهرة    "تخيلت نفسي على دكة الزمالك".. البدري يكشف لأول مرة ما فعله مع أمير مرتضى ورد صادم    وزيرة الثقافة تشهد الاحتفال باليوم العالمي للبيئة في قصر الأمير طاز    تخصيص 14 مجزرا لذبح الأضاحي بالمجان طوال أبام العيد بالفيوم (بالأسماء)    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    إصابات في قصف مسيرة إسرائيلية دراجة نارية بجنوب لبنان    رئيس شؤون التعليم يتفقد لجان امتحانات الثانوية الأزهرية بالأقصر    محافظ الفيوم يتابع إجراءات تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء    هشام عبد الرسول: أتمنى تواجد منتخب مصر في مونديال 2026    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المحافظ جاى 000!!؟    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    وزير الخارجية القبرصي: هناك تنسيق كبير بين مصر وقبرص بشأن الأزمة في غزة    نجم الإسماعيلي: تلقيت عروضًا من الأهلي والزمالك.. وهذا قراري    ملف رياضة مصراوي.. تصريحات صلاح.. مؤتمر حسام حسن.. تشكيل منتخب مصر المتوقع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف زيدان يؤكد في رواية "النبطي" أن فتح مصر تم بالخديعة
نشر في القاهرة يوم 14 - 12 - 2010

أن يكون المؤلف مؤرخاً فعليه أن يثق في التاريخ الذي يكتبه، أما أن يكون روائياً فعليه أن يؤمن بالتاريخ الذي يرويه، و د."يوسف زيدان"(1958م) مؤلف يتراوح إبداعه بين الثقة في التاريخ، والإيمان به، فكان مؤرخاً بروح روائي، وروائي بقلم مؤرخ، فعشق الوقوف بالعتبات، عتبات الأزمنة قبل عتبات الأمكنة، فوقف في عزازيله عند عتبة الدين المتحول لسلطة تقهر حرية الاعتقاد واختار الأرثوذكسية المصرية لتكون حجر تلك العتبة عند مدينته الإسكندرية، ثم جاء بعتبته الثانية في روايته الحديثة "النبطي" ليقف علي عتبة زمنية أخري، عند تلك اللحظة التي خرج فيها الدين الإسلامي من جزيرة العرب لفتوح البلدان، وعلي حدود الجزيرة العربية قبيل فتح مصر بدقائق تاريخية، علي نحو أعاد فيه تقييم التاريخ عبر رؤيته كمؤرخ يعبر عن رأيه روائياً، فجاء التاريخ في نبطيه محدثاً ثورة علي التقاليد التاريخية القديمة علي نحو أجبرنا علي قراءة روايته من خلال المذهب التفكيكي للرواية، وليس علي النحو البنائي المعتاد، فهو الذي دفعنا إلي تلك القراءة لما أحدثه من قلقلة عنيفة للقواعد الفكرية المستقرة في التاريخ واللغة، حيث كشف"زيدان" عن نفسه بأنه الروائي العربي المعاصر الوحيد الذي يصلح لتطبيق قواعد ما بعد البنيوية علي إبداعه، وهو أخصبهم جميعاً لتطبيق قراءات"جاك دريدا"(19302004م)، و"فوكو"(1926 1984م)، و"بول دي مان"(1919 1983م) أنصار النزعة التفكيكية، علي إبداعهم.
تفكيكية زيدان
علي حد قول"ريتشارد روتي" (19312007م) الفيلسوف الأمريكي أستاذ الأدب المقارن، والفلسفة في جامعتي فرجينيا، وستانفورد، في مقاله"التفكيك"، ترجمة"ماري عبد المسيح"، فالتفكيك شعار ابعد من النقد الأدبي؟ ظهر في سبعينات القرن الماضي في الغرب، فهو ينطوي علي توجهات معينة في السياسة والتاريخ والقانون والأدب، فالتفكيكي متطرف سياسي ينتقد الأفكار المثالية المعتمدة، والراسخة في ثقافته، والقراءة التفكيكية ليست قراءة نقدية أدبية، وإنما هي قراءة كاشفة لتلك الثورة التي أعلنها "زيدان" في روايته"النبطي" والتي لم يعد يمتلك منها شيئاً بعد أن خرجت إلي أيدي القراء، فهو قد قال ما قاله، وعلينا أن نتقول، علي حد قول"الفرذدق"(38 110ه) التفكيكي الأول المجهول في تاريخ الأدب العربي.
رسائل زيدان القصيرة
مازالت تسيطر علي"زيدان" أصداء رواية "عزازيل" حيث يعيد في "النبطي" وصل الأحداث التي وقعت للفكر المسيحي المستنير في شخصية"الأب باخوم" رمز العلمانية المسيحية، ورأيه في حقيقة صلب "المسيح"، حيث يقول علي لسانه:" إن الرومان كانوا يصلبون علي عمود خشبي ليس له شكل الصليب" ص59، كما أن "الأب باخوم" كان يحتفظ بمخلاته بنسخة من إنجيل يهوذا، ويصور "زيدان" في شخصية"باخوم" رجل الدين العلماني المحب للفن، والرسم، ولبراءة الأطفال، وموقفه من الصراع مع الكنيسة الرومانية في البلدة البيضاء، أتباع خلقيدونية، إلا أن"زيدان" توقف بالأب"باخوم" عند هذا الحد ولم يقدم لنا دلالة فكرية لمبادئه، أو مبرر لمعانته مع متشددي الكنيسة المصرية الأرثوذوكسية؟ وتصورنا أنه سيكون للعلمانية المسيحية رأي في دخول الإسلام إلي مصر، لكنه سكت عنه.
موقف المصريين من المستعمر
يكشف "زيدان" عن رأيه في موقف المصريين من المستعمرين الذين مروا ببلادهم عبر تاريخها الطويل، حين يقرر عموم أهل الكفر جمع فديتين" فإذا جاء الفرس أولاً أعطوهم نصف الفدية واستبقوا النصف الآخر، تحسباً لمجئ هرقل"ص128، وهذا الموقف السلبي للشعب المصري، يعبر عن رأي"زيدان" في ميل الأقباط إلي المهادنة مع المستعمر، وإيثار السلامة، علي عكس ما تحكيه المؤرخة" إيريس حبيب المصري"(19101994م) في تاريخها للكنيسة القبطية، ومن قبلها السيدة "بتشر" الباحثة الإنجليزية في كتابها النادر "تاريخ الأمة القبطية" حيث توجد وقائع مقاومة قام بها الأقباط ضد جميع المستعمرين الذين مروا بمصر، علي نحو لا يمكن إغفاله.
الإسلام السياسي وحرب القبائل
يروي"زيدان علي لسان بطله"النبطي" العائد من العراق، أنباء تعكس رؤيته للصراع بين القبائل العربية علي نحو يمزج بين الدين وكونه غطاء للصراع القبلي العصبي، حيث قبيلة"تغلب" وهي واحدة من أقوي قبائل العرب تود لو تأكل العرب، ولكنهم يحتاجون إلي نبوة كستار ليحاربوا تحت رايتها، حيث عادت إلي بني"تغلب" قوتهم بعد هزيمتهم في حرب"الباسوس" التاريخية، واتحدوا مع بني بكر أبناء عومتهم، حتي إنهم عرضوا علي"النبطي" أن يكون بينهم، وسيؤمنون له، إذا قال في الحرب وحياً يدعو إلي القتال، وهنا تلميحاً من "زيدان" إلي الآيات القرآنية التي نزلت في القتال، وكانت مبرراً لحروب قريش لبقية القبائل العربية، كما انه كان حريصاً علي إضافة "القرشي" إلي اسم"النبي" صلي الله عليه وسلم، ولكن النبطي اعتذر لهم لأن نبوته لم تكتمل، فقاموا بطرده، وسبه، واهانته، بعد أن كان نبيهم المأمول ص325.
المقوقس
لأن"زيدان" يشكك أصلاً في رسائل النبي صلي الله عليه وسلم، والتي ثبت تاريخياً انه أرسلها إلي "المقوقس" حاكم مصر، فيقوم بقلقتة للثابت في التاريخ علي نحو آخر، من أن الذي أهدي النبي صلي الله عليه وسلم الشقيقتين"مارية"، و"سيرين" ليس "المقوقس"، حيث يلتقي "سلومة" التاجر النبطي بقافلة "حاطب بن أبي بلتعة" وهو في طريق عودته إلي مصر ومعه هدية الحاكم الروماني إلي النبي صلي الله عليه وسلم، ثم تمر سنوات، حدث خلالها فتح مكة، وإنجاب"مارية القبطية" ل"إبراهيم"، ليعلن "زيدان" فجأة أن الرومان جلبوا من جهة القوقاس أسقف ملكاني رهيب ليحكم مصر، ويشيع الرعب في قلوب اليعاقبة الفقراء، اسمه"قيرس" ويسميه الناس"المقوقس"، بيد أن الثابت تاريخياً أن شخصية"المقوقس" كانت علي مسرح الأحداث من قبل ظهورها عند"زيدان" بسنوات طويلة، فتذكر الباحثة"بتشر" أن كلمة"مقوقس" معناها الأفخم في اللغة الرومانية، ظنها العرب جزءً من اسم "جرجس بن مينا بن كوبوس"، المصري، والي مصر غير العسكري، وبقي في وظيفته بعد فتح العرب لمصر، فقد خلط"زيدان" بينه وبين"كيروس" حاكم مصر الوسطي، والجانب الغربي من النيل المحتوي علي أقاليم الفشن، والمنيا، وبني سويف.
أديان وكنائس وكعبات
يرسم"زيدان" صورة لحقيقة الأديان التي كانت موجودة في الجزيرة العربية قبيل ظهور الإسلام علي نحو غير المتعود عليه الثابت المألوف لكتاب التاريخ، حيث جعل أسرة"سلومة" التاجر النبطي تحتوي علي أشكال الأديان المختلفة القائمة وقتها في الجزيرة العربية، ف"سلومة" مسيحي، وأخيه"الهودي" يهودي، وأخيه الثالث"النبطي" من الأحناف، وأمه تعبد الإلهة"أيل"، و"اللات"، كما أن المسيحية كانت منتشرة في الجزيرة العربية، ولها عدة كنائس كانت قائمة بها ص303، كاشفاً عن المسكوت عنه في التاريخ الإسلامي، كما كان للأنباط كنيستهم الكبيرة، ويوجد بالقرب منها المرأة الكاهنة العارية، وقام"زيدان" بتميع فكرة النبوة بين العرب وجعلها فكرة شائعة، وان العرب اعتادوا الرواية عن الغيب، والوحي، كما جاء علي لسان"النبطي" وهو يقول عن السماء:" بالإله الواحد ذي الوجهين، وبالصدق الأزلي، أقول الحق، ما في الكون غير ابن وأم، منهما كل أم وابن، فلا تسمع لمن استهان واستعلي ثم هان، فيا بني الإنسان، أوان ظهوري بالوجهين قد حان" ص175، ويرصد"زيدان" تعدداً لظاهرة النبوة عند الثقافة العربية، فهناك نبي يمني اسمه" الأسود" ينازع سلطان المسلمين، ونبي آخر اسمه"مسيلمة" يراشق "النبي القرشي" صلي الله عليه وسلم بآيات مضحكات ص 329، كما أن "زيدان" تعرض للكعبات المتعددة في جزيرة العرب، حيث وصف إحداها بحجر "اللات الأبيض" والطواف حولها سبعاً ص 268، وعند كعبة أخري ماتت "أم البنين"، و أم "النبطي"، وهي تطوف بها ص311، وفي طريق العودة من كنيسة الأنباط توجد كعبتان كبيرتان من الحجر الأبيض لصنم"اللات" ص305، كما توجد بالطائف الكعبة الكبري، والتي قام"النبي القرشي" صلي الله عليه وسلم بهدمها ص 296، فقدم بذلك سرداً لكل ما اعتبره كتاب التاريخ من هوامش"الكلبي" في كتاب أصنامه.
الأنباط
يعد تعرض"زيدان" للأنباط علي هذا النحو الحيوي في روايته من قبيل أعمال الثورة علي التاريخ الثابت، فقد اعتدنا علي ذكرهم في "تاريخ آداب اللغة العربية" ل"جورجي زيدان"(18611914م)، أو حتي في كتابه"العرب قبل الإسلام"، باعتبارهم من القبائل المهمشة في تاريخ الجزيرة العربية، وليس لهم دور في شكل، أو فحوي ثقافة العرب، إلا أن "زيدان" خالف ذلك؟ وجعل"الأنباط" علي لسان"الهودي"هم:"جماعة من العرب قديمة جداً، سموا بذلك لأنهم تفننوا في استخراج الماء وإنباطه من الأرض الجرداء، ومهروا في تخزين النازل منه بالسيول، وكانت لهم في الماضي مملكة كبيرة، وملوك كثيرون، وكانوا يسكنون البادية التي بين الشام والجزيرة، وعاصمة مملكتهم، وقصبة بلادهم هي الموضع الذي نسكن اليوم فيه" ص211، فقد أسكنهم"زيدان" بالنواحي الشرقية من مصر، وأنحاء سيناء، وشمال الجزيرة، وجنوب الشام، والعراق، بينما الثابت تاريخياً في مفصل"جواد علي"(19071987م) لتاريخ العرب قبل الإسلام، هو استقرارهم الرئيس في جنوب الأردن، وعاصمة ملكهم"البتراء"، ربما حتمت الحبكة الروائية لاختيار"زيدان" لعتبته التاريخية أن يزحزح"الأنباط" عن مكانهم التاريخي بضع الكيلومترات، بينما في حوار بين"حاطب بن أبي بلتعة" و"سلومة" يقول "حاطب":" وما أنت يا سلومة بعربي، فالأنباط ليسوا عرباً، ولا عجب أن تتزوج قبطية فلا قبل لك بامرأة عربية" ص189، فيحدث تعديلاً علي تقسيم العرب إلي عرب مستعربة، وعرب بائدة، كما أثبته"ابن خلدون"(13321406م) في مقدمة تاريخه، إلي عرب بائدة، وعرب سائدة، كما جاء علي لسان"حاطب" رداً علي "الهودي" ص 190.
فتح مصر
يتعرض"زيدان" في ثورية بالغة لكيفية فتح العرب لمصر؟ علي نحو مخالف للثابت عند"السيوطي" في حسن محاضرته، وعند"البلاذري"، وعند"ألفرد بتلر" في "فتح مصر"، فقد شُغل جميع المؤرخين بقضية هل تم فتح مصر عنوة؟ أم بالاتفاق؟ فجاء فتح مصر عند "زيدان" علي نحو خارج نطاق تلك القضية ذات الحدين، فجعل فتح مصر تم بالخدعة، فجاء علي لسان"سلومة" لشقيقه"النبطي" وهو يحثه علي الهجرة معهم إلي مصر:"لا شأن لنا يا أخي بالجزيرة والشام، وما نحن إلا جواسيس المسلمين وعيونهم في البلاد، إذا قالوا لنا ارحلوا فلا بد من الرحيل"ص370، وفي إشارة رمزية بارعة يعطي"بنيامين" شقيق"مارية" زوجة "سلومة" مفتاح بيت عائلته القبطية في مصر لذهابه إلي الدير راهباً إلي "حاطب بن أبي بلتعة" ليوصله إلي "سلومة"، اي أن العرب كان معهم مفتاح مصر قبل أن يصلوا إليها، إلا أن"زيدان" افتعل واقعة تاريخية بعيدة عن الواقع حيث جعل اليهود يستجيبون لطلب المسلمين في الهجرة إلي مصر لكي يمهدوا لأمراء الحرب دخولها، خاصة بعد استفاضته في سرد وقائع المواجهات الدامية بين المسلمين واليهود، ورصده لجسامة حجم كراهية اليهود للمسلمين، حتي أن"سلومة" نهي"مارية" عن الخوض في حكي النساء هذا، عندما كاشفته بسؤالها عن سر هذا التحول في العلاقة بين اليهود، والمسلمين؟ فبدا فتح مصر عند"زيدان" كما لو أنه جاء بإحداث فتنة علي المستوي الشعبي لتقليب الأقباط علي حكم الرومان، بمساعدة العرب المستقرين منذ زمن في مصر، والأنباط، واليهود، المهاجرين الجدد قبيل الفتح، فاختزل كل الحروب التي تمت بين جيش"عمرو بن العاص"، والحاميات الرومانية منذ دخوله من العريش، إلي بلبيس، فحصن بابليون، والبهنسا؟!
لا شك أن رواية"النبطي" تقدم تأويلاً جديداً للتاريخ، بيد أن هذا التاريخ الوارد فيها جاء علي نحو من الأخبار، لم يشترك في صناعة أحداثه اي شخص من شخوص الرواية، ولم تقم لأحداثه قائمة علي زمن ومكان تحرك الشخوص فيها، فالرواية كانت عبارة عن أخبار متواترة قادمة مع العائدين من القوافل، تم ملء فراغاتها الدرامية بأفراح أعراس، وأحزان فراق، واغتراب، ومآتم، وهي أحداث قد تصلح لتحمل اي محتوي لظرف تاريخي مغاير، غير الذي وقف علي أعتابه د."يوسف زيدان".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.