قنا- محمد بشاري : ليست في قنا وحدها وإنما يمكن القول أنها من أقدم معاصر الزيوت علي مستوي جمهورية مصر العربية, فمنذ تأسيسها عام1190 هجرية وهي واحدة من المعاصر ذائعة الصيت في مصر. حينما تقترب من معصرة يونس تطالعك الأزقة التي تتنسم منها عبق التاريخ وتشعر فيها بأريج التراث يتسلل من أنفك إلي رئتيك ليكسبك انتعاشا يصل بك إلي أقصي درجات النشاط والفضول في آن واحد. وبمجرد وصولك إلي باب المعصرة تطالعك تلك الوجوه التي تألفها وتكون كافة طوائف الشعب وشرائحه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية, وهي تشتري إنتاج المعصرة من زيوت وعطور مشكلة مزيجا يعكس تناسقا عجيبا بين المكان والناس. وتتميز معصرة يونس بتصميم معماري بسيط ينقلك إلي القرن الماضي أو ربما الذي قبله حيث تجد علي جدرانها بقايا من تاريخ كاد يندثر, فهي تتكون من حجرتين الأولي واسعة يوجد بها دولابان لعرض المنتجات والحجر الذي يطحن الحبوب والبذور والذي يدور بواسطة بقرة وأما الثانية فحجرة المكابس والأبراش, وقد تلونت أرضية الحجرتين بشتي ألوان الزيوت التي تنتجها المعصرة. ويقول يوسف يونس مدير المعصرة أن المعصرة تحظي بشهرة واسعة وهي تتميز بإنتاج كافة الزيوت مثل زيوت( حبة البركة- الكمون الأسود- الجرجير الفجل الجزر السمسم- الخس- البصل- البقدونس- القرع- الينسون- القرطم- الترمس- الثوم- الخردل- الحلبة) بالإضافة إلي العطور الخام والتي تجلب جاهزة وتباع في المعصرة. ويوضح أن المواد الخام من حبوب وبذور يتم جلبها من محافظتي أسيوط والمنيا, مشيرا إلي أن فترة عصر الزيوت لا تستغرق أكثر من ساعتين من الثامنة صباحا وحتي العاشرة صباحا ويعمل بها عاملان بالإضافة إلي البائع. ويستطرد قائلا إن الإنتاج والذي يبلغ حوالي5 كيلو زيت من حبة البركة يوميا والذي يتزايد الطلب عليه يتم استهلاكه عن آخره في السوق المحلي لتزايد الطلب عليه يوما بعد يوم لاستخدامه كعلاج لكثير من الأمراض, أما عن الزيوت الأخري فالإنتاج فيها يكون حسب الطلب. ويرجع مدير المعصرة شهرتها إلي كونها تستطيع من خلال عملية التصنيع الإحتفاظ بالزيوت الطيارة والتي تحرقها مصانع الزيوت التي تعمل بالماكينات.. مؤكدا أنه لاتوجد أي مشكلة في التسويق حيث يتم استهلاك الإنتاج بالكامل يوميا من خلال توافد المواطنين علي المعصرة لشراء احتياجاتهم من الزيوت. ويعود الحاج محمد يونس والذي يبيع الزيوت للجماهير بالحديث قليلا إلي الوراء ليؤكد أن معصرة يونس هي الباقية من بين أكثر من ثلاثين معصرة كانت موجودة بمدينة قوص, وقد كان معظم هذه المعاصر متخصصا في إنتاج زيت الخس والزيوت الأخري إلا أنها أغلقت أبوابها لاستخدام تلك الزيوت كزيوت للطعام وبعض الظروف الاقتصادية لأصحابها. ويشير إلي ما حظيت به المعصرة من اهتمام إعلامي كبير خاصة في عام1992 حين عرضت فقرة عنها في برنامج حكاوي القهاوي, وبعد ذلك قامت العديد من القنوات المحلية التليفزيونية والفضائية والإعلام المقروء والمسموع بزيارة المعصرة وعمل موضوعات. وعن العمل في المعصرة يقول جمال أبوالمجد محمد والذي يعمل بالمعصرة ويبلغ من العمر60 عاما أنه يعمل بالمعصرة منذ32 عاما استمتع فيها بعصر الزيوت راضيا بما يكسبه من دخل جراء عمله في هذه الصناعة والتي تبدأ بوضع الحبوب علي المدور, ليدور الحجر بواسطة البقرة لتنعيم الحبوب, ثم تضاف إليها كمية من المياه لرفع الرطوبة ثم تعبأ في أبراش وتوضع في المكابس ومن ثم تعبأ في زجاجات يشتريها المواطن ليس فقط مجرد سلعة ولكن كتقليد يعكس تمسك المصري بتراث أجداده مهما تغيرت الأحوال وتغير الزمان.