لم يكن مساء أمس الأول عاديا, عندما فرح الشعب المصري من أسوان إلي الإسكندرية, وخرج في مسيرات رافعا العلم بألوانه الزاهية الأحمر والأبيض والأسود, معبرا عن انتمائها وحبها وولائها لاسم وتراب مصر. في تعبير طبيعي عن فرحته بالانتصار الكبير الذي حققه المنتخب الوطني الأول لكرة القدم علي نظيره الجزائري وتربعه علي عرش القارة السمراء في مباراة رد الاعتبار والمحافظة علي كبرياء الكرة المصرية. أسياد إفريقيا رغم أنف الكارهين أكد المنتخب الوطني بقيادة أحمد حسن والحضري وجمعة وفتحي ومعوض وزيدان وجدو وغيرهم أنهم ملوك القارة ويستحقون التربع علي العرش, وأن بطاقة التأهل لكأس العالم سرقت منهم بفعل فاعل وفي ظروف غير طبيعية. وانتظرت الجماهير هذا اللقاء منذ18 نوفمبر وهي تمني النفس بمواجهة محتملة بين الشقيقين( مصر والجزائر) حتي نثبت للعالم كله والفيفا من هم الأحق بالوصول لكأس العالم ومن هم ملوك القارة الإفريقية. وقبل أن نستعرض كيف فاز المنتخب الوطني ولماذا خسر المنتخب الجزائري, أود الاشارة إلي نقطة في غاية الأهمية: المنتخب الوطني أطاح بثلاثة منتخبات تأهلت لكأس العالم بفوزه علي نيجيريا في الافتتاح1/3 والكاميرون في دور الثمانية بنفس النتيجة ثم التغلب علي الجزائر في نصف النهائي4/ صفر, محققا الفوز ال18 علي التوالي في بطولات إفريقيا دون هزيمة. ويلتقي غدا مغ غانا الفريق الرابع المتأهل لكأس العالم وإذا فاز بإذن الله يكون المنتخب الوحيد الذي تغلب علي4 فرق من الخمسة الواصلية لكأس العالم. 1 لعب شحاتة المباراة بالتشكيل المعتاد الذي بدأ به البطولة محافظا علي ثبات التشكيل, وكان محقا من أجل المحافظة علي تجانس وانسجام ووحدة الفريق والخطوط. وكان قبل كل هذا قد نجح في تهيئة اللاعبين نفسيا لمواجهة الجزائر رغم ما يعتريها من حساسية علي خلفية مباراة أم درمان, حتي أننا لم نلحظ أي توتر علي وجوه لاعبي مصر قبل بداية اللقاء وكانوا جميعا في قمة تركيزهم, واتسم الأداء بالثقة بالنفس وهدوء الأعصاب والتركيز الشديد في الملعب مع الكرة فقط, بالرغم من محاولات الأشقاء في منتخب الجزائر استفزازهم في الالتحامات والاحتكاك الخشن والضرب بالكوع والركل بالقدم من أمام وخلف الحكم, وكان ذلك البداية لتحقيق الفوز والمكسب الحقيقي في كيفية التعامل مع مثل هذه المواقف, ومثل هذه المنتخبات التي تلعب علي استفزاز المنافس. 2 أعود إلي مباراة الكاميرون في دور الثمانية وأري أنها كانت خير إعداد وتجربة قوية ومفيدة للمنتخب الوطني في اكتساب الخبرات في مواجهة الاحتكاك القوي الذي يصل في بعض الأحيان إلي حد العنف, فكان أن تعود لاعبونا علي هذا الأسلوب القوي, وهو ما لم تتعود عليه الكرة المصرية في السابق وتلك كانت أهم الدروس المستفادة من البطولة والتي أفادت اللاعبين قبل الجهاز الفني في التعامل مع الجزائر واكسبتهم خبرة في مواجهات مثل هذه الالتحامات القوية. 3 فرض المنتخب الوطني أسلوبه وامتلك الملعب كما قلنا بالثقة والهدوء دون افراط في إهدار المجهود خوفا من استنزاف الطاقات في مباراة غير مضمونة العواقب قد تمتد إلي وقت اضافي وربما ركلات جزاء, فكانت التعليمات واضحة من الجهاز الفني للاعبين بالثبات واللعب بذكاء وليس كمباراة عادية فوق المستطيل الأخضر لكرة القدم, ولكنه كانت اشبه مباراة تلعب فوق رقعة الشطرنج كل قطعة أقصد هنا كل لاعب له دور محدد ويتحرك في مساحات محددة سواء عرضيا أو طوليا أو علي الأجناب. وكان الحضري يقوم فيها شعورا الملك الذي كان ممنوعا علي الجزائريين الاقتراب منه. 4 امتلك المنتخب الوطني زمام المبادرة وركب المباراة بلغة لاعبي الكرة وهدد مرمي الشاوشي كثيرا, ولعب شحاتة بذكاء شديد بتركيز الهجمات من جهة اليمين عن طريق انطلاقات المحمدي الذي كان في قمة عطائه وتركيزه في هذه المباراة وإن عابه الاستعجال في التمرير العرضي دون النظر للمهاجمين. ورغم البداية التكتيكية من الجانبين فإن شحاتة كان سجل تفوقا معنويا علي الشيخ سعدان في نصف الملعب بالثلاثي حسني عبد ربه وأحمد فتحي وأحمد حسن, ومعروف أن من يمتلك وسط الملعب يملك المباراة ودورهم كان أشبه بدور الحصان فيما لعب المحمدي وأحمد فتحي دور الفيل, وكان هاني سعيد وجمعة ومحمود فتح الله العساكر. وفي ظل التفوق المصري والتراجع والانكماش الجزائري الذي وضح أنه يلعب علي الهجمات المرتدة أضاع عماد متعب فرصة هدف مؤكدة من تمريرة متقنة وتعاون مثمر مع زيدان لو سددها بقوة لسكنت الشباك وإن كان متعب دورا محوريا كان في لحظات كثيرة يتقمص دور الحصان والفيل في رقعة الشطرنج, وما زاد من اطمئنان المصريين هو الثقة والهدوء الذي يتلاعب به المنتخب الوطني. 5 كانت ركلة الجزاء نقطة فارقة في تأكيد التفوق المصري ولكنها لم تكن حاسمة في سمة اللقاء لأنه كان من الواضح تفوق مصر ميدانيا وإن الهدف كان قريبا وحتما سيأتي, وإذا كنا نتوقف عندها سيكون في حالة الطرد الأول لحليش وهو طرد مستحقا ولكن يجب هنا أن توقف للاشادة بدور الحكم كوفي كودجا الذي كان علي مستوي الحدث وحتي في الطرد كان هادئا وامتص غضب اللاعب وبعد أن اقنع الفريق الجزائري وامتثاله لقرار احتساب وصحة ضربة الجزاء عاد ليطبق القانون ويطرد جليش في تعامل احترافي ودرس تحكيمي لكل حكامنا حتي يبتعدو عن التوتر ونرفزة اللاعبين في المباريات. 6 تزايدت الروح المعنوية للاعبي المنتخب الوطني خلال فترة الاستراحة واستفاد من نصائح شحاتة وجهازه المعاون مما سهل عليهم دخول الشوط الثاني بتركيز أعلي مع المحافظة علي استمرارية الالتزام بالهدوء وعدم الاستدراج إلي استفزازات لاعبي الجزائر الذين سيعملون بشكل أو آخر علي ايقاع أحد لاعبي مصر في فخ البطاقة الثانية, ولم يكن لنا سوي محمود فتح الله قد حصل علي بطاقة صفرا, وضح ذلك من التفكير الجيد لشحاتة عندما أخرجه في التغير الثاني حتي تساءل البعض لماذا فتح الله ودفع بمحمد جدو ولاعادة ترتيب الأوراق بعد الخروج الاضراري لمتعب وإنما كان يهدف إلي المحافظة علي ال11 لاعبا. 7 كان التفوق المصري واضحا في ظل النقص العددي لمنتخب الجزائر وتغاضي كوفي كودجا عن ركلة جزاء مستحقة وبل واضحة للعيان كالشمس في عرقلة عماد متعب والتي تسببت في خروجه مصابا, فليس من المقبول محاولات الجزائريين التشكيك في قرارات الحكم التي اثني واشادت بها كل الصحافة العالمية وخبراء التحكيم في العالم. 8 وفرض المصريون بمرور الوقت ولعب سيد معوض دورا بارزا في التحرك في الجبهة اليسري كان مصدر ازعاج وأجاد حسن شحاتة توظيف اللاعبين واستغلال النقص العددي بالضغط علي الخصم وتضييق المساحات, فشعر وكأنه وقع في المصيدة فجاء أداؤه متوترا ومتعصبا وبدأ يفلت منهم زمام السيطرة نتيجة عجزهم وقلة الحيلة في الوصول وتهديد مرمي الحضري الذي كان بمثابة الملك. 9 شحاتة قال للشيخ رابح سعدان كش ملك عندما امتلك وسط الملعب وتسبب المحمدي بانطلاقاته في طرد نزير بالحاج في الدقيقة58 ومثلها لو كان سيد معوض لديه الشجاعة الهجومية لسجل هدفا حتي زيدان بكل مهاراته عجز عن استغلال الفرصة وتضيع فرصة هدف مؤكد ثان لمصر في الدقيقة63. 10 وكانت الدقيقة65 قد شهدت الضربة الموجعة بالهدف الثاني الذي حسم الأمور ووضع مصر علي طريق الفوز بهدف لا يسجله سوي زيدان صاحب الثقة والمهارات العالية. ويجب أن نتوقف لحظة عند التغيير التكتيكي الذي أجراه شحاتة داخل الملعب في أوراقه عندما أعاد أحمد فتحي الجوكر لمركز فتح الله وأعطي حسام غالي صاحب البصمة السحرية الحرية في التحرك لوسط الملعب لتشكيل زيادة وضغط علي لاعبي الجزائر في ظل النقص العددي الذي اجاده في تبادل المركز مع زيدان. 11 لا يمكن أن ننسي التغيير الثالث عندما فضل راحة سيد معوض الذي كان بذل جهدا خرافيا في لقاء الكاميرون من قبل ودفع بالوجه الجديد عبد الشافي الذي أحسن استغلال الفرصة ومن أول هجمة نجح في تسجيل الهدف الثالث علي طريقة طارق السيد زميله السابق في الزمالك الذي سجل من زاوية ضيقة ولكنه أثبت بعد نظر شحاتة وقراءته الجيدة للاعببين والملعب وتوظيف امكانياتهم وانصارهم في بوتقة الفريق الواحد. ثم كان الهدف الرابع الذي جاء بمثابة الصدمة لكل الجزائريين عن طريق جدو وكيف لا يسجل وهو أفضل بديل في العالم بشهادة خبراء اللعبة وعلي رأسهم جورج وايا.