بعد أن عاني الكوريون في القرن العشرين من قسوة الاستعمار الياباني, ثم من الحرب الكورية التي امتدت من1950 إلي1953, ومن حالة الفقر المدقع, كانت بلدهم أول دولة في العالم تتحول من دولة متلقية للمساعدات إلي دولة مانحة من بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وارتفع متوسط دخل الفرد فيها إلي28 ألف دولار سنويا, بل وأصبحت كوريا إحدي دول مجموعة العشرين الاقتصادية الرائدة. تجربة تنمية مثيرة للإعجاب تحققت رغم حالة عدم الاستقرار الأمني في منطقة شبه الجزيرة الكورية حتي يومنا هذا, ولكن الإصرار علي التحول من دولة فقيرة إلي دولة نامية, ومنها إلي إحدي دول' النمور' الآسيوية, ثم إلي دولة صاعدة, ومنها إلي مجموعة العشرين, لهو نتاج عمل وتخطيط حكومات كورية متعاقبة آثرت نهج الإصلاح السياسي والاقتصادي علي أي نهج آخر. بداية ظهور كوريا الحقيقي علي الصعيد العالمي عندما استضافت سول دورة الألعاب الأوليمبية عام1988, ولكن هذا البلد لم يشهد تولي أول رئيس منتخب ديمقراطيا إلا في عام1993 وهو كيم يونج سام, ثم شهدت السنوات التالية لاستقرار الحكم الديمقراطي زيادة كبيرة في إنفاق الدولة علي البحث العلمي, ودخول كوريا بقوة إلي مجالات الصناعة والتكنولوجيا, وتميزت' بالتركيز' علي منتجات' خاصة' تتفوق عالميا, مثل أشباه الموصلات' سيمي كونداكتورز' وشاشات العرض الكريستالية السائلة' إل.سي.دي.' والهواتف المحمولة بأنواعها, وكذلك السيارات الاقتصادية, ثم الفاخرة, وأنظمة الإضاءة الحديثة' إل.إي.دي', وأخيرا بناء السفن والمحطات النووية, وبعد ذلك اتجهت كوريا إلي استراتيجية النمو الأخضر والخفض الكربوني, فبدأت تركز جهودها علي إنتاج السيارات الهايبريد صديقة البيئة, وغير ذلك من المنتجات' الخضراء'. وحكومة الرئيس الحالي لي ميونج باك تري أن دورها الأساسي هو فتح أسواق الدول الأخري أمام المنتجات الكورية, سواء عبر توقيع اتفاقيات التجارة الحرة مع التكتلات الاقتصادية الكبري في العالم مثل الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي, أو عن طريق توقيع الاتفاقيات الثنائية مع بعض الدول النامية بهدف تأمين حصول كوريا علي الموارد الطبيعية اللازمة لها مستقبلا, خاصة أن كوريا تستورد100% من احتياجاتها البترولية من الخارج, وذلك في مقابل قيام الشركات الكورية بمشروعات البنية الأساسية في هذه الدول بأسعار زهيدة. وبفضل أساسيات الاقتصاد القوية وكفاءة التخطيط الحكومي, تمكنت كوريا الجنوبية من أن تكون أول دولة في العالم تعلن التغلب علي الأزمة الاقتصادية العالمية, وكان ذلك مرجعه بصفة أساسية إلي مبادرة الرئيس لي ميونج باك في بداية الأزمة بالتعامل مع هذه الأزمة علي أنها' فرصة' لا' ورطة'. والآن, تركز كوريا علي فكرة تصدير الثقافة التقليدية الكورية إلي مختلف أنحاء العالم, مثل الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية والملابس والمأكولات الشعبية الكورية ومختلف أوجه الحضارة الكورية القديمة, وهو ما اشتهر في آسيا مؤخرا باسم' الموجة الكورية' أو' الهاليو'. ولكن تبقي المشكلة الرئيسية التي تؤرق مضاجع التجربة التنموية الكورية هي التهديدات النووية القادمة من كوريا الشمالية, والتي تتصاعد بين الحين والآخر لتنذر بمواجهة عسكرية لا يعلم أحد مداها, خاصة بعد فشل كافة المحاولات الكورية والدولية لاحتواء هذا الخطر. إن قدرة الكوريين علي تحمل الصعاب والفقر والتقشف الذي فرضته الحروب كانت السر الرئيسي وراء نجاح هذه التجربة التنموية.