منذ وجد الإنسان في هذه الدنيا وهو يحاول أن يعيش حياة قوية صحية سعيدة, لكن الظروف كانت صعبة في البداية, ولعل الفقر كان السبب الأول في مشاكله, الفقر في الغذاء والكساء ووجود بيت يحميه من غضب الطبيعة ومشاكلها, من هنا كان الصراع دائما علي القضاء علي الفقر وتحقيق الكفاية حتي يحقق الانسان سعادته. ومع التطور والتقدم والتكنولوجيا كان يجب أن يكون الانسان قد قضي علي الفقر تماما, كما حدث في الدول الكبري دول الشمال, لكن للأسف كانت هذه الدول تحقق ثراء كبيرا علي حساب الدول الصغيرة النامية, ولذلك حدثت فجوة كبيرة بين الاثنتين, وانقسم العالم الي قسمين: دول غاية في الثراء.. ودول غاية في الفقر. لكننا الآن أمام مشكلة الفقر الطاغية المميتة نريد أن نجد لها حلا حتي نتخلص من هذا الأخطبوط الجاثم علي صدورنا والمعطل لنمونا ونهضتنا. في مصر لابد من نشر الوعي بأهمية العمل وقيمته الضرورية اذا كنا نريد القضاء علي الفقر, فالعمل والعمل الجاد هو طريقنا الي الخير والثروة والحياة الكريمة, يجب التركيز علي قيمة العمل عند الأطفال والكبار. وفي مصر أيضا خير كثير واقتصاد متين لو أن المصريين حصلوا جميعا علي حقهم في ثروة بلادهم, لا أن توزع الثروة كلها في أيدي نصف في المائة من المائة من عدد السكان! الوعي بقيمة العمل وأحقية كل مواطن في ثروة بلاده هو الخطوة الأولي, ثم نريد أن نواجه مشكلة الفقر بما يتفق مع زماننا, زمن العلم والتخطيط. اننا نحتاج إلي أن نعيد للقرية المصرية وجهها الاقتصادي المشرق فتصبح قرية منتجة لطعامها وشرابها بل وتصدر ما يفيض منها للمدينة, وهذا لم يكن منذ زمن بعيد بل ان كاتب هذه السطور كان يذهب الي قريته في منيا القمح بالشرقية في الخمسينيات وبداية الستينيات ليجد الخير كله في القرية أسراب الديوك الرومية والبط والإوز والفراخ والأرانب وحظيرة المواشي العامرة بالبقر والجاموس والخراف, كنت أذهب لأحضر البيض من( الزريبة) وكان بالمئات, كل هذا ولم تكن خالتي صاحبة هذا البيت غنية بل كانت متوسطة الحال! فهل نستطيع أن نعيد هذا الوضع لقرانا؟ أعتقد أنه من الممكن وبخاصة أن هناك وزارات معنية بمساعدة الشباب وتمنحهم قروضا ميسرة فلماذا لا نشجع شباب الريف وحتي خريجي الجامعة منهم علي ذلك وشراء مواش ودواجن لهم بالتقسيط حتي يعم الخير؟ نحن نحتاج أيضا للاهتمام بالتعليم المتوسط, وهذا ليس عيبا, انه عيب في مصر فقط بسبب عقدة الثانوية العامة وخريج الجامعة مع أن حاملي الشهادات المتوسطة ومنهم النجار والسمكري والسباك وغيرهم مطلوبون جدا ومرتباتهم أو أجرهم مرتفع بحيث يعيشون في مستوي معيشي لائق,. لابد أن نهتم بالتعليم المتوسط وبالعامل الماهر حامل دبلوم الصناعة أو التجارة وهكذا. أما خريجو الجامعات الذين يعانون من البطالة وهم بالملايين, فلابد للدولة أن توجههم الي أعمال تهمها ومطلوبة حتي يجدوا عملا يعيشون منه, وهم لديهم الاستعداد لذلك بدلا من أن يعمل خريج ليسانس حقوق في بيع راديوهات أو موبايلات علي القهاوي وغيره كثيرون, لماذا لا نوجههم لعمل جماعي ومشروع قومي يفيد البلاد, وكل وزارة لديها أموال تستطيع أن تنفق منها علي مشروعاتها الخاصة. ثم يجب علي الدولة أن تضع نسبة بين الفقراء والأغنياء لا أن تترك الغني يعيش في سفه من العيش والفقير يعيش في شطف من الفقر وهذا ليس صعبا فلماذا لا تضع الدولة قانونا للضرائب التصاعدية التي تضمن للغني سقفا معقولا لغناه, وللفقير سقفا انسانيا يحمي انسانيته بدلا من أن ينام جائعا ويستشهد في سبيل ثراء رغيف خبز لأبنائه أو يعيش مريضا دون دواء. ان المجتمع المدني يستطيع عمل الكثير للفقراء, ولماذا مثلا لا نضع مشروعا قوميا للقضاء علي البطالة في عدة سنوات معينة يشترك فيه كل أفراد المجتمع وبخاصة رجال الأعمال؟ من الطبيعي ونحن نتحدث عن الفقر أن نقول إن مشروع تنظيم الأسرة ضرورة حتي يستطيع الدخل أن يواكب الأعداد الغفيرة التي تأتي كل عام, ولن يحقق هذا المشروع هدفه الحقيقي دون وضع عقاب وثواب في تطبيقه كما فعلت دول أخري مثل الصين والهند, انها مسألة نكون أو لا نكون ونشر الوعي بتنظيم الأسرة ضرورة ملحة وليس ترفيها أو كلاما معسولا يقوله البعض من أجل الحصول علي المكافآت وليس له تحقيق عملي في المجتمع. وهل أستطيع أن أطلب من رجال الأعمال في البلد أن يرجعوا الي أثرياء قبل الثورة ليعرفوا ماذا كانوا يفعلون من بناء المدارس والمستشفيات والملاجيء والتبرع للفقراء وحمايتهم من الفقر, لقد كان القدماء يعرفون معني الرحمة والتكافل والعطف والإنسانية, ولم يعرفوا الطعام الذي يأتي من باريس ولا الفشخرة الكاذبة, حقيقة لو كان الفقر رجلا لقتلته مع أنني لا أستطيع أن أقتل بل وأخاف من الدماء.